حوار مع الدكتور هيثم خوري-عضو الأمانة العامة في حزب الجمهورية-أجرى الحوار الدكتور فؤاد القطريب
أجري الحوار ضمن نطاق أعمال “منتدى السلام والديمقراطية للحوار المفتوح”
فؤاد قطريب: الدكتور هيثم خوري من مواليد دمشق عام 1965، طبيب وباحث في أمراض الدم، درس الطب في جامعة حلب، حصل على شهادة الاختصاص في أمراض الدم من فرنسا، وشهادة الزمالة في زراعة نقي العظم من كندا، نشر العديد من الأبحاث الطبية في الدوريات العالمية. هو أيضاً ناشط سياسي، كتب العديد من المقالات المتعلقة بالوضع السياسي السوري باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، وهو من مؤسسي “حزب الجمهورية”، حزب سياسي سوري حديث النشأة. كما أن لديه اهتمام بفلسفة الفكر السياسي وتاريخية نشوء مفاهيمه، وهو يتعاون مع “مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية” لإنجاز بعض الدراسات في هذا المجال، ضمن نطاق هذا التعاون أنهى مؤخراً دراسة بعنوان “العقد الاجتماعي: من هوبز إلى روسو”….
السؤال الأول: أخي هيثم هل يمكنك أن تقول لنا لماذا حزب الجمهورية وما هي ميزاته بالنسبة للأحزاب السياسية الموجودة في سوريا وما هو الجديد الذي يميز الحزب؟
هيثم خوري: لقد قمنا بإنشاء حزب الجمهورية بعد أن قمنا بتجارب أخرى لتشكيل تنظيمات سياسية /مدنية، ولكنها إما فشلت أو لم تصل إلى المستوى الذي نطمح إليه .اكتشفنا أن سبب فشلنا (وفشل تنظيمات سياسية أخرى نشأت بعد ابتداء الثورة) كان لعاملين:
1. غياب البنية التنظيمية الجيدة.
2. غياب القاعدة الفكرية الصلبة.
حاولنا في حزب الجمهورية أن نتجاوز هذين العائقين.
من الناحية الفكرية، بنينا نظرة فكرية منطلقة من الواقع السوري، حيث تناولنا في البحث معظم آفاته، ولكن اعتمدنا في البحث في أعماق هذه المشاكل ووضع حلول لها على نظريات وطروحات مفكرين سوريين وعالميين تناولوا هذه القضايا.
من الناحية التنظيمية، وضعنا نظاما داخليا معتمدا على توزيع المسؤوليات (السلطات)، مع بقاء القرار النهائي في سياسات الحزب بيد هيئة واحدة.
هذه باختصار المنطلقات التي انطلقنا منها عند تأسيس الحزب.
السؤال الثاني: هل يمكنك أن تقدم لنا الخطوط العريضة الاساسية للحزب على الصعيد الفكري والسياسي والاقتصادي وهل حزب الجمهورية هو حزب يميني أو يساري أو حزب وسط أم ترفضون هذه التصنيفات؟
هيثم خوري: أولاً، دعني أبدأ من الجزء الأخير لسؤالك، أغلب أعضاء الحزب يعتبرون حزبنا حزباً وسطياً، ولكنني شخصياً أعتبره من يسار الوسط، لأنك من اللحظة التي تبدأ فيها بالتكلم عن “العدالة الاجتماعية”، ومساعدة الطبقة المهمشة، وضبط الاحتكار وجنون السوق الاقتصادية، فأنت يساري التوجه. طبعاً هذا رأيي الشخصي، الذي لا يميل إليه الكثيرون من أعضاء الحزب، إذ إنهم يرفضون اعطاء أي صبغة يمينية أو يسارية للحزب.
1. الخطوط العريضة لأفكار الحزب:
2. معالجة أزمة الهوية الوطنية السورية.
3. انشاء نظام سياسي يحترم الحريات الأساسية: حرية التعبير، حرية العمل، حرية التجمع، وحرية العبادة.
4. اعتماد الليبرالية الاجتماعية كأساس لنظرتنا للمجتمع والاقتصاد، مما يعني حرية الاقتصاد، مع تمكين الطبقة المتوسطة من بناء حياتها المهنية والاقتصادية، مع محاولة إزالة الفقر، مع وجود ضمان صحي وتعليم مجاني.
هذه باختصار الخطوط العريضة لرؤيتنا في الحزب.
السؤال الثالث: ماذا أنجز الحزب الشاب حتى الآن على صعيد العلاقة مع الشعب عموما والشباب خصوصا من جهة والقوى السياسية السورية المعروفة أحزاب وكتل ووو من جهة ثانية؟
هيثم خوري: كان عملنا حتى الآن مرتكزاً على صوغ خطاب سياسي/إعلامي موزون، وبناء قاعدة معرفية عند الناس بخصوص المشاكل المختلفة التي تعاني منها سورية. كما تعرف الاتصال المباشر بالناس صعب بسبب الظروف، أظن أننا استطعنا أن نقدم فكرة معقولة للناس (على الأقل للطبقة المثقفة) أننا جديون من الناحيتين الفكرية والسياسية. طبعاً مازال أمامنا الكثير في هذا المجال، والخطوة التالية هي التوجه للعامة، ولكن هذا سيكون في مرحلة لاحقة.
من الناحية السياسية لنا اتصالات مع فصائل سورية كاتحاد الديمقراطيين، وحركة النداء، ومنبر النداء.
السؤال الرابع: هل يمكن القول إن حزب الجمهورية هو حزب ثقافي نهضوي نخبوي أم أنه حزب جماهيري ليبيرالي يخاطب الطبقة الوسطى ويتودد للفقراء؟
هيثم خوري: الحزب هو حزب سياسي ليبرالي/اجتماعي يخاطب الطبقة الوسطى والفقراء، ولكنه قائم على أسس فكرية نهضوية في معالجته للأمور. .بمعنى آخر، إننا ندرك أهمية الثقافة والفكر، ولكن ما يحتاجه الناس أولاً هو الخبز والمأوى والأمان، والتعليم، والصحة، وسنستخدم علمنا وفكرنا وثقافتنا لتلبية حاجاتهم الأولية هذه.
السؤال الخامس: سؤال قبل الأخير عن الحزب قبل الانتقال لمحاور أخرى سؤالي هو عن معنى الوطن والوطنية من منظور الحزب على اعتبار أنكم حزب وطني ليبرالي بمعنى آخر كيف تعرفون الهوية أولا والهوية الوطنية ثانيا؟
هيثم خوري: بلا شك، عندما نتكلم عن الوطن والوطنية فنحن نتكلم عن سورية بحدودها الحالية، هذا هو محور اهتمامنا، إذا إن بناء هذا المجتمع وشفاء أزمة هويته سيكون محور اهتمامنا .طبعاَ، مشكلة سورية والسوريين كانت نظرتهم إلى أنهم ينتمون إلى عالم أوسع (إما عربي وإسلامي)، لذلك كنت نظرتهم لسورية الحالية باعتبارها كياناً مؤقتاً، وبالتالي الاهتمام به ثانوي بالنسبة للمشاريع الأكبر (القومية العربية، أو الأممية الإسلامية)، هذا صرف السوريين وحكوماتهم المتعاقبة عن الاهتمام بالإنسان “السوري”، وبالمحيط المجتمعي الذي يعيش فيه.
بالنسبة للهوية، هو موضوع أعقد من تحديد أي وطن نعني، إنها تعني أن يصبح كل أعضاء الوطن كياناً واحداً، كل منهم يعرف حقوقه وواجباته، وجميعهم يشكلون كياناً واحداً له “إرادة عامة” على حسب تعبير جان جاك روسو .أمام هذا ما يزال أمامنا معوقات كثيرة منها المناطقية والعشائرية والقبلية والطائفية.
السؤال السادس: من خلال تجربتك في العمل السياسي عموما وحزب الجمهورية خصوصا كيف ترى العلاقة بين العمل السياسي والمال السياسي من جهة وهل حزب الجمهورية يعمل بالتمويل الذاتي ام ان له تمويل من خارج الحزب؟
هيثم خوري: المال السياسي هو مشكلة في كل دول العالم، ولكنه في الحالة السورية هو آفة. إنني لا أبالغ إذا قلت إن المال السياسي أفسد الثورة السورية، هوشي منه قال يوماً ما “إذا أردت أن تفسد ثورة، أغرقها بالمال”، وهذا تماماً ما حدث مع الثورة السورية.
تمويلنا في حزب الجمهورية حقيقة من تبرعاتنا الشخصية، لقد افتتحنا موقع الحزب الإلكتروني منذ أيام، وكانت التكاليف بأكملها مغطاة من تبرعات الأعضاء.
السؤال السابع: كيف يقرأ الأخ هيثم المشهد السياسي السوري الآن؟ ولماذا وصلت الثورة إلى هذه الحالة المأساوية؟
هيثم خوري: كما قلت المشهد مأساوي، فالخراب والدمار كبير، ولا يوجد حل قريب. الكل يعتمد على تغيير في المعادلة العسكرية على الأرض، ولكن هذا لن يحدث، أو بالأحرى ليس مسموحاً له أن يحدث، إذاً نحن أمام توازن عسكري ما، قاتل ومدمر حتى الإفناء، لا مخرج منه في الوقت القريب.
أما لماذا وصلنا إلى هنا، طبعاً أغلاط ارتكبها الجميع، أفظعها ارتكبها النظام، وأغباها ارتكبتها المعارضة بشقيها السياسي والعسكري. ربما جميعاً نعرف أغلاط النظام من الابتداء بالعنف وسياسة الأرض المحروقة والتحريض على الطائفية .ولكن المعارضة ارتكبت الكثير من الأغلاط، فالعسكرية منها اعتمدت على احتلال المدن، والسياسية منها غرقت في المال السياسي، وأضاعت العديد من الفرص.
السؤال الثامن: كيف تقرأ ظاهرة الإسلاموية السياسية السلمية والمسلحة ولماذا لعبت دورا مهما في قيادة العمل السياسي المعارض هل بسبب بنية المجتمع المتأخر تاريخيا كما يقول المفكر المرحوم ياسين الحافظ أم بسبب المال السياسي أم هناك أسباب أخرى؟
هيثم خوري: في الحقيقة الإثنان معاُ، فمجتمعاتنا مازالت متدينة على نحو عاطفي أكثر منه إيمان واعي، وبالتالي يسهل عليك باسم “الاسلام” أن تسيطر عليها اجتماعياً وسياسياً.
المال السياسي لعب دوراً مهماً لأن الناس جائعة وبلا مأوى .ولكن الذي سمح للمال السياسي أن يقوم بهذا الدور كانت الطبقة السياسية التي استخدمته، والطبقة السياسية التي تغاضت عن استخدام الآخرين له.
أيضاً الذي سمح بذلك فساد الفصائل العسكرية “المعتدلة”، وفشل تجربة المجالس المحلية.
إذاً كل هذه تضافرت وأوصلتنا لما نحن عليه.
السؤال التاسع: هل تعتبر أن الصراع الدائر الآن في سوريا وفي العراق ولبنان هو صراع مذهبي سني شيعي أم هو صراع سياسي اقتصادي استراتيجي بغطاء ديني؟
هيثم خوري: الصراع الإقليمي في منشئه صراع يقوم على السيطرة السياسية والاقتصادية، ولكنه يمتطي أحصنة مذهبية، لأنها أفضل طريقة لتعبئة الشعب في أمكنة عديدة من العالم.
اليوم لديك في سورية مقاتلون سنة وشيعة من كل أنحاء العالم يتقاتلون، ولكن هذا لا يمنع وزير خارجية إيران ووزير خارجية السعودية من اللقاء والمصافحة، ولا يعيق اللقاء بين وزير خارجية إيران ووزير خارجية تركيا لتوزيع الغنائم.
السؤال العاشر: بما أنك تكلمت عن الصراع الإقليمي كيف تقرأ سهولة تدخل العامل الإقليمي بالوضع في سوريا وسيطرته عليه من جهة وهيمنة القرار الامريكي على الوضع السوري بشكل مباشر أو عبر وسائط إقليمية وداخلية؟
هيثم خوري: في عام 1993 ، كتب روبرت كابلان مقالاً في مجلة “The Atlantic” ، قال فيه بما هو معناه “إن موت حافظ أسد سينتهي ببلقنة ليس سورية فقط بل المنطقة كلها”. اعتمد في تحليله على عاملين:
1. هشاشة بنية المجتمع السوري الوطنية (وأسماها أزمة الهوية)، تتمثل هذه الهشاشة بانقسام المجتمع السوري إلى ملل ونحل.
2. الأذرع الإقليمية التي بناها حافظ أسد وتجاوزت حقيقة إمكانيات سورية كدولة.
لهذا كله قال إن موت حافظ الأسد سينتهي بحرب إقليمية شبيهة بحرب البلقان.
إنني أضيف إليها سبباً آخر لم يمكن لكابلان توقعه في ذلك الوقت، وهو غباء الوريث القاصر عقلياً.
أما الهيمنة الأمريكية فناجمة عن قدرة أمريكا على إدراك الوضع السياسي العالمي، ومعرفتها استخدام أوراقها فيه، ولها حقيقة الكثير منها. ولكن من أين يأتي كل هذا؟ هذا يأتي من أن أمريكا دولة علم ومؤسسات، باحثوها يدرسون كل بقعة من بقاع العالم، ومؤسساتها تتابع كل ما يحصل في مختلف أنحاء العالم لحظة بلحظة.
السؤال ما قبل الأخير: بما أنك تكلمت عن أزمة الهوية وهشاشة المجتمع السوري ووجود الملل والنحل هل تخشى على وحدة الدولة والمجتمع السوري؟ هل تخشى من التقسيم السياسي أو من الفدرلة؟ وكيف تقرأ تجربة الإدارة الذاتية التي اقامها حزب الاتحاد الديموقراطي السوري الكردي بتعاون مع هيئة التنسيق وقوى مجتمعية محلية؟ وهل لكم تواصل مع حزب الاتحاد وحوار حول هذه المسألة وما هي رؤيتكم لحل القضية الكردية في سوريا؟ اعتذر عن طول السؤال.
هيثم خوري: برغم هشاشة المجتمع السوري فإنني لا أخشى التقسيم، أما موضوع الفيدرالية فلا أظنه ممكناً عملياً وسياسياً أو قابلاً للحياة، وهذا موضوع طويل يحتاج لمقال كامل. أظن أن اللامركزية شيء جيد لسورية، ولكن هذا موضوع يطول تحديد معناه (أي ما طبيعة اللامركزية هذه).
أما بالنسبة لتجربة الإدارة الذاتية، فلا أراها أولاً شرعية، فكيف تقيم إدارة ذاتية من طرف واحد، على أرض لها سيادة معترف عليها دولياً، دون استفتاء رسمي (إذا كان يحق لك إجراء هذا الاستفتاء)، إن ما قام به صالح مسلم دليل عدم نضج سياسي، أدى إلى مزيد من الانقسامات في المجتمع الكردي ذاته، ومزيد من الشك والريبة عند العرب والآشوريين من سكان الجزيرة.
في الحقيقة، ليس لنا علاقات مع حزب الاتحاد الديمقراطي.
حل القضية الكردية يحتاج للكثير:
1. دولة مواطنة تحترم كل مواطنيها.
2. البحث في المظالم الكردية واصلاحها، والتعويض عن الأضرار التي نجمت عنها.
3. الاعتراف الكامل بالحقوق الثقافية للشعب الكردي بما فيها التعليم باللغة الكردية، واصدار الصحف والقنوات الاعلامية بهذه اللغة.
4. اللامركزية الإدارية التي أراها حلاً جيداً للكثير من المناطق السورية.
السؤال الأخير: كيف ترى المخرج من الأزمة المأساة السورية وهل ما زال حزب الجمهورية يؤمن بإمكانية حل سياسي يؤمن الحد الأدنى من مطالب الثورة السورية التي أصبحت حربا انا اسميها قذرة؟ وهل تعملون على توحيد القوى الديموقراطية المؤمنة بالمشروع الوطني الديموقراطي لعقد مؤتمر وطني سوري جدي مستقل لبلورة خطة عمل للخروج من الحالة الراهنة؟ ولك شكري مرة ثانية وشكري لإدارة المنتدى وللأخوة جميعا آملا ان يتابعوا الحوار مع الأخ هيثم.
هيثم خوري: طبعاً، حل الأزمة السورية لا بد أن يكون سياسياً، أي عبر مفاوضات سياسية، ولكن لنجاح مثل هذا الحل، لا بد من واقعية سياسية عند الأطراف المشتركة في التفاوض، وخصوصاً من جانب النظام.
المؤتمر الوطني ضروري، يجب أن نعمل من أجله في حزب الجمهورية.
أشكركم جداً على اتاحة الفرصة لي للقائكم هنا. وأنا جاهز لأي أسئلة إضافية.
فؤاد قطريب: أشكرك أخي هيثم على تجاوبك مع دعوتي وشكرا للإخوة في المنتدى آملا منهم أن يتابعوا الحوار معك وشكرا لإدارة المنتدى وجهودها …. الحوار والتعليق الى مفتوح لكل من يود محاورة الاخ هيثم خوري.
هيثم خوري: شكراً لكم جميعاً.
هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟
تسعدنا مشاركتك ...