ثانياً: الصراع العربي الإسرائيلي والتسوية

-1-
إن الهزيمة المزمنة إزاء إسرائيل ليست أمراً عصياً على الفهم إذا ما عدنا إلى تاريخ نصف قرن من الصراع العربي-الإسرائيلي، الذي يؤكد في كل لحظة على تمفصل وتراكب “لا عقلانية السياسة العربية” مع “التأخر التاريخي العربي”، اللذان يهيئان باستمرار مناخاً ملائماً لولادة هزائم جديدة. وهو ما يتيح القول إن “القابلية للهزيمة” كامنة في ثنايا الواقع العربي بكل مستوياته وحيزاته، وأننا سنظل عرضة لتلقي هزائم أخرى، مادامت هذه “القابلية” راسخة الجذور والأركان في واقعنا.
شكَّل تأخرنا، ولا يزال، الأرضية المولِّدة للهزائم، وهو ما يشير إلى أن معركتنا مع إسرائيل هي نفسها معركتنا مع التأخر في حيزاته كافة، السياسية والثقافية والاقتصادية، وغيرها. وفي المركز من حالة التأخر الشامل، نرى أن “الميدان السياسي-الأيديولوجي” هو الأشد تأخراً بسبب غربته عن مرتكزات السياسة الحديثة، وهذا يفسر انحطاط السياسة العربية الرسمية وعجزها عن الحضور الفاعل في العلاقات الدولية بما يتفق والمصالح العربية.
من جانب ثانٍ فإن “الميدان السياسي”، بما يمتلكه من استقلالية نسبية عن الحيزات الأخرى، وبما له من قدرة وفاعلية في مجتمعات متأخرة كمجتمعاتنا، يتحمل المسئولية الأكبر في توليد الهزائم، وبالتالي فالحكومات العربية، من دون استثناء، بحكم سطوتها في “الميدان السياسي” واحتكارها المطلق للقرار والفعل السياسيين، تتحمل المسئولية الكبرى تجاه كل الكوارث التي تحل بدولنا ومجتمعاتنا.
1- لا يوجد اعتراف حقيقي بعامل ميزان القوى في السياسة العربية الرسمية وغير الرسمية، ولا لدوره في صوغ الحقائق الواقعية.إذ اندرج “حكامنا” والقطاع الأوسع من النخبة السياسية والثقافية في خطاب أزلي حول “الحق” و”العدل” في العلاقات الدولية. السؤال هنا: منذ متى كانت “الحقوق” هي التي ترسم التاريخ وتقرر الحقائق الواقعية؟.
إن أحد العوامل المؤثرة في القرار الأمريكي، والدولي عموماً، يتمثل بإجراءات فعلية ذات ثقل في ميزان القوى العربي-الإسرائيلي. وإلا ما الذي يلزم أي إدارة أمريكية، ديمقراطية كانت أم جمهورية، أن تأخذ في الاعتبار المصالح العربية، إذا كان العرب يضمنون مصالحها دون كبير عناء منها؟.
2- ركنت الحكومات العربية إلى خيار وحيد، دعته خياراً استراتيجياً، هو “خيار السلام”.هذا الخيار لا معنى له في عالم الأقوياء، أي في ظل التخلي عن الخيارات الأخرى ووسائل القوة. إن توجه حكامنا نحو هذا الخيار هو توجّه بدلالة العجز، وليس توجّه القوي الذي يمتلك خيارات عديدة، بينها خيار السلام، إذ أن من لا يملك “خيار الحرب” وما يتطلبه من وسائل القوة، ليس بإمكانه أن يفرض السلام الذي يريد.
ينبغي أن يكون “السلام” خياراً استراتيجياً للعرب وجميع القوى السياسية، فالعقلاء لا يسعون إلى الحرب إلا إذا فرضت عليهم، وحتى عندما يحاربون، فإنما يحاربون من أجل إحلال السلام، وليس رغبة في الحرب. لكن هذا التوجه نحو السلام يجب أن يكون توجّه القوي القادر، لا توجّه الضعيف الذي لا يملك خيارات أخرى، أو توجّه المرغم والمجبر على هذا الخيار، بحكم عجزه وفشله وقلة حيلته.
لا يوجد حالياً جدول أعمال مشترك أمام الحكومات العربية، وبدلاً من أن تتوافر سياساتها على رؤية شاملة واستراتيجية وتكتيك، يكون هاجسها إبراز “نواياها الطيبة”، وبدلاً من أن يكون لديها تصور عن الواقع والمستقبل والاحتمالات والسبل والمراحل ووسائل الضغط والدفاع والحرب، يكون لديها خيار وحيد هو “السلام”.
لا تقف مسئولية الحكومات العربية في إعادة إنتاج الهزيمة عند مستوى علاقتها بالخارج، بل إنها مسئولة بالدرجة الأولى عما أنتجته في مجتمعاتها من خراب، وما هيأته من أوضاع قادرة في كل لحظة على إنتاج الهزائم والكوارث. من البديهي القول: إن من يهزم شعبه لا يستطيع أن يهزم الأعداء، ومن يزرع الاستبداد لا يحصد إلا انهياراً في الداخل وخسارات في الخارج.
من الضروري أن يحدث تبدل في السياسات والأولويات، فالمعركة مع العدو الإسرائيلي تتوقف بالدرجة الأولى على التقدم في الداخل. وهذه الحقيقة أصبحت اليوم أكثر سطوعاً، فأي تقدم في الوضع الداخلي هو كسب تدريجي في سياق معركتنا مع إسرائيل، فاللعبة القديمة للحكومات العربية لم تعد تنطلي على أحد، أي لعبة تأجيل أو تجميد الدعوات إلى تحديث وعقلنة ودمقرطة الحياة العربية بحجة الصراع مع العدو الإسرائيلي، لأن الفوات الداخلي هو الأساس الموضوعي لآليات الهيمنة الخارجية.

-2-
كل هزيمة تتعرض لها أوطاننا ومجتمعاتنا تطرح علينا من جديد العودة لبديهيات الصراع العربي-الإسرائيلي، مثلما تفرض علينا ضرورة نقد أشكال تجلّي هذا الصراع في وعينا، وضرورة الارتقاء بخطابنا الأيديولوجي- السياسي في كل مرحلة من مراحله. ففي أغلب لحظات الصراع لم تكن الشعارات المرفوعة من جانب الحكومات والنخب العربية مطابقة أو متوافقة مع الإمكانيات الحقيقية على الأرض، فضلاً عن ديماغوجيتها التي أنهكت شعوبنا وضللتها وعزلتها عن معادلة الصراع، وقد بررت السلطات استبدادها وحكمها الشمولي بتجميع القوى وحشد الطاقات لتحرير الأرض، في الوقت الذي لم تتقدم خطوة واحدة صحيحة في اتجاه ذلك.
1- بداية لا بدّ من التأكيد على أساسيات هذا الصراع الذي نراه صراعاً سياسياً بين مشروعين متناقضين. وهو صراع ما يزال مفتوحاً، وسيبقى كذلك إلى أن تظهر حلول عقلانية لا تعيق نهضة المنطقة، ولا يغيّر من هذه الحقيقة حدوث تسويات وهدنات ومعارك في لحظات سياسية مختلفة.
2- لا تستطيع الحكومات العربية رفض التسوية، وبالطبع لا تستطيع الحرب، لأنها ببساطة لم تجهز دولها وشعوبها لهذا الخيار.
التسوية المطروحة منذ أوسلو وحتى اليوم لحظة من لحظات الصراع، ولا تحل صراعاً بحجم وطبيعة الصراع العربي-الإسرائيلي، لأن مرتكزات الصراع ستظل قائمة. لا يوجد في الحقيقة صيغة أو تسوية ما قادرة على إنهاء الصراع ما لم تعد إلى أصل الصراع وجذوره، ومعالجة مرتكزاته وآثاره، وتؤدي إلى حالة قابلة للحياة والاستمرار.
3- على الرغم من أن التسوية خيار مفروض على الحكومات العربية بحكم الواقع الحالي، فإن هذه الحكومات، بسبب القصور أو العجز أو الوهم لا فرق، ذهبت إلى التسوية دون رأس.
المفارقة الواضحة في (التسوية) أو (عملية السلام) الجارية منذ مدريد 1991 (على الرغم من الانقطاعات العديدة فيها) أن الحكومات العربية تفاوض استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية والرؤية الحقوقية، بينما “إسرائيل” تفاوض على (تسوية) بشروطها، أي بحقائقها التي تملكها على الأرض، وقادرة من خلالها على الفعل والضغط والحركة في اتجاهات متعدّدة. الموقف الرسمي الذي يفاوض، استناداً إلى إيمان بأن “الحقوق” هي التي تقرّر مصير الكون والعباد، لا صلة له بالواقع والتجربة التاريخية. فــ “السلام” المطروح ليس مطروحاً بمعناه الحقوقي الإنساني، إنما هو السلام القائم على موازين القوى بالمعنى الشامل، وليس من المتوقع بالتالي، بحكم اختلال ميزان القوى بشكل كبير لصالح إسرائيل، أن تكون التسوية المطروحة تسوية عادلة.
القرار 242 لم يأتِ أعقاب هزيمة حزيران 1967 نتيجة لميزان القوى العربي الإسرائيلي بمفهومه الضيق، بل كان نتيجة عوامل أخرى دولية (أي بالمعنى الواسع لميزان القوى العربي الإسرائيلي)، ويأتي في مقدمتها الاتحاد السوفيتي والرأي العام الآسيوي والأفريقي، وقد وافقت عليه الولايات المتحدة لهذا الغرض، ولكن للتفاوض وليس للتطبيق المباشر على أرض الواقع.
بعد الهزائم الأخيرة للنظام العربي، يبدو الوضع العربي أسوأ بما لا يقاس من قرار مجلس الأمن 242، والعرب لا يملكون حتى هذه اللحظة أن يفرضوا تنفيذه، فرادى أو مجتمعين.كذلك “اتفاق أوسلو” مازال أفضل من إمكانيات الوضع العربي الراهن. إنه سيئ قياساً بالحقوق العربية، لكن الوضع العربي الراهن أسوأ. الوضع العربي لا يستطيع أن يرفض “أوسلو” أو حتى الترتيبات الأدنى منه، وهذا يجعل من احتمال أن تكون الدولة الوطنية المستقلة (أي انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة في حزيران 1967 بما فيها القدس وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين) احتمالاً بعيد المنال.
4- إزاء هذه المعادلات الواضحة للصراع في اللحظة السياسية الراهنة، هل المطلوب رفض العمل الدبلوماسي والتسوية وإعادة طرح شعار “التحرير الكامل” والحرب؟
على العكس من ذلك. العمل الدبلوماسي مطلوب. العمل الدبلوماسي هو الباب الضيق، ومن لا يطرق الباب الضيق لا يطرق أي باب. العمل الدبلوماسي السياسي، بما فيه من تفاوض وتسويات وهدنات، ضروري شريطة اندراجه ضمن رؤية متكاملة للصراع في المنطقة، أي دون أن ننسى لحظة واحدة أن هذا الصراع لا بد أن يحسم في النهاية لمصلحة أحد طرفيه.
ليس بوسعنا اليوم مشاركة البعض وهم القدرة على تحرير كامل التراب العربي، لوعينا بطبيعة المرحلة وبموازين القوى المحلية والعالمية، ولإدراكنا لمقدراتنا الذاتية المُخَّربة والمنهوبة إزاء إمكانيات المشروع الإسرائيلي، إذ لابد لنا من بناء خطاب سياسي واقعي عقلاني إزاء عملية “التسوية” و”التفاوض” في هذه المرحلة، فالشعارات (كشعار التحرير الكامل) عندما تتحول إلى أقانيم، دون قراءة دقيقة لطبيعة المرحلة، لابد أن تنتهي إلى أن تكون ألفاظاً وحسب. بالمقابل فإننا مع السلام كخيار استراتيجي من منطلق تلازم هذا الخيار مع مشروعنا النهضوي، لكننا نرفض أن يتحول هذا النزوع المبدئي والإنساني إلى ممارسات تغلّف تخاذل أو تقاعس هذا النظام أو ذاك عن العمل على تغيير وتعديل ميزان القوى على الأرض.

-4-
دخل الكفاح الوطني الفلسطيني منذ وعد بلفور 1917 وحتى اللحظة الحالية في حركة مد وجزر تبعاً للشروط الموضوعية، العالمية والمحلية، والظروف وأحوال الوعي. لكن لا يسعنا إلا أن نقف على الدوام بإجلال أمام ما يقدمه الشعب الفلسطيني من تضحيات، وما يُظهره من عناد ومقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
تحتاج المقاومة الفلسطينية، بكل توجهاتها وأشكالها وأطرافها وتلاوينها، إلى النقد. هذا النقد معني بتفحص أهدافها وظروفها وآليات عملها وأشكال تجليها، وذلك من واقع الحرص على استمرارها بالشكل المنتج والفعال، والقادر على توليد التضامن معها في الداخل الفلسطيني، وعلى المستويين العربي والدولي على حد سواء. إذ يجب ألا يدفعنا عجزنا عن الفعل وقلة حيلتنا لرفع المقاومة الوطنية الفلسطينية إلى مرتبة المقدس الذي لا يجوز نقده وتفحص إمكانياته وجوانب قصوره وآفاقه المستقبلية. هذا النقد أساسي خاصة إذا ما انتبهنا للفهم السلبي لأشكال تجلي المقاومة الفلسطينية في الوعي العربي عموماً، سواء في وعي الحركات السياسية (اليسارية والقومية والإسلامية عل حد سواء) أم في الوعي الشعبي العربي.
1- كل مقاومة في تاريخ العالم ضد الاحتلال تضع لنفسها مهمات وأهدافاً بحدود قدرتها وحدود الظرف الموضوعي في كل مرحلة من مراحل صراعها مع العدو المحتل، وفي الوقت ذاته تبقى محافظة دائماً على “المبدأ” أي على النهاية الأخيرة التي تبغيها لصراعها مع عدوها.
“المقاومة” بهذا المعنى هي الرفض المبدئي القطعي للاحتلال، والنزوع نحو التحرير والاستقلال، لكن أشكال تجليها في كل مرحلة متغيرة بالضرورة، إذ يجب الانطلاق من حسابات عديدة لطرح الشعارات والأهداف المناسبة في كل مرحلة:حسابات المساحة والتضاريس والنبات والبشر والقمع والأرباح والخسائر والوضع العربي والظرف العالمي…..إلخ.
تعتبر هذه النقطة أساسية في تطور المقاومة واستمراريتها، خاصة في ظل انتشار “أيديولوجيا السحب الميكانيكي” في الوعي العربي للثورات والمقاومات في التاريخ على المقاومة الفلسطينية، التي أعطيت مهمات أكبر منها وخارج حدود قدرتها والظرف العربي والعالمي، والسبب بالطبع هو العجز الذي يلف الشارع العربي وقواه السياسية على اختلاف تلويناتها.
2- إن أشكال النضال ضد المحتل عديدة: الدبلوماسية والسياسية، التفاوض والتسويات المؤقتة، التظاهرات السلمية والاحتجاج، المقاومة الشعبية، الحرب النظامية، تعزيز الجبهات الداخلية للبلدان العربية بالديمقراطية والوحدة الوطنية….إلخ، وفي كل مرحلة تتقدم إحداها أو بعضها على الأخرى، لكن تبقى إمكانية القدرة على التحرك باتجاهها جميعاً أساسية في كل لحظة سياسية، لذا يصبح التخلي عن إحداها أو السير وراء إحداها وحسب معضلة كبيرة في العمل النضالي.
كل وسيلة نضالية تخترعها الشعوب تطرح عليها سؤالاً أساسياً متعدّد الجوانب.هذا السؤال هو: أين ومتى وكيف؟ في لحظة سياسية ما قد يكون الاحتجاج السلمي هو الشكل الملائم والأجدى، وفي لحظة أخرى قد تكون المقاومة المسلحة هي الإجابة النضالية الحقيقية الملائمة والمجدية.
العمليات المسلحة الفلسطينية، الموجهة ضد جنود الاحتلال، والمتوافقة مع القانون الدولي الإنساني، هي إحدى وسائل النضال. والشرط اللازم لنجاحها هو اندراجها في إطار خطة سياسية متكاملة للشعب الفلسطيني وقيادته، أي أن تعدّد وسائل النضال لا يفترض تعارضها، بل تكاملها في إطار برنامج سياسي عام.
من جديد نعود، بحكم عجزنا وقصور وعينا، إلى معادلات فاشلة سياسياً وتكتيكياً: الجيوش العربية عاجزة، البديل ليس للدفاع وحسب، إنما للهجوم وتحرير كامل التراب الفلسطيني هو الكفاح الفلسطيني المسلح.
إن الشعوب لا تختار وسيلة نضالية واحدة إلى ما لا نهاية، والمقاومة الفلسطينية لا يمكن أن تكون لحناً استشهادياً أبدياً. “العمليات المسلحة” هي إحدى وسائل العمل النضالي، وهذا يتبع الظرف والجدوى السياسية، وليست الشكل الوحيد للنضال. إذا كان الفعل النضالي هو “المبادرات السلمية” وحسب، كما هو عند الحكومات العربية، فتلك مشكلة كبيرة، وإذا كان الفعل النضالي هو “المقاومة المسلحة” وحسب، كما هو في أيديولوجيا المقاومة والقطاع الأكبر من القوى السياسية العربية، فتلك أيضاً معضلة كبيرة.
المقاومة الفلسطينية استمرارها مطلوب وأساسي، وشرط استمرارها هو تعدّد وسائلها وأشكال تجليها في الواقع، واندراجها في برنامج سياسي نضالي شامل للشعب الفلسطيني في معركة طويلة الأمد، يتناول الإدارة والتخطيط في الحيزات كافة؛ السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، وهذه تجلّل جميعها بإدارة سياسية إعلامية تليق بنضالات هذا الشعب.
علينا إذاً الاقتناع بأن غاية المقاومة المسلحة ليست الموت، بل تحقيق المكاسب السياسية والانتصار، من خلال خطة سياسية شاملة لمراكمة الانتصارات السياسية الصغيرة على جميع المستويات في الواقع الفلسطيني والعربي والعالمي، وبالتالي لا معنى للمقاومة المسلحة إذا لم تنتج مكاسب سياسية. هذا يختلف عن تلك الرؤى التي تسعى، بوعي أو دون وعي، إلى “اختزال” المقاومة الفلسطينية إلى “العدد” الذي تحصده من الإسرائيليين، أو إلى حالة من ممارسة العنف المحض.
3- النقطة الأخيرة في هذا السياق تتحدّد في ضرورة الحفاظ في وعينا على السمة “الوطنية” للمقاومة الفلسطينية، وذلك ضد الرؤى الأخرى السائدة، وهذا مهم في فهم طبيعة الصراع السياسية، وليس كما يريد الاحتلال الإسرائيلي تصويره على أنه صراع ديني.
الإمبريالية لا تخوض حرباً من أجل الدين، وأهداف الحكومة الإسرائيلية ليست دينية، إذ على الرغم من الطابع اليهودي للدولة في إسرائيل، إلا أن الدين لا يشكّل أكثر من المبرر الأسطوري لإنشائها، فالطرفان (الإمبريالية وإسرائيل) يستغلان الدين من أجل أهدافهما الحقيقية في النهب والسيطرة.
إن انجرارنا اليوم – كما يريد لنا أعداؤنا- إلى ما يشبه الصراع الديني، يزيد في التمويه على الطبيعة السياسية للصراع. إننا لا نخوض صراعاً من أجل إنهاء الوجود اليهودي في فلسطين والعالم، بل صراعاً يتعلق بإنهاء الوجود السياسي لدولة الاحتلال، ومن الطبيعي في سياق مشروعنا هذا أن يحظى اليهود بحل ديمقراطي وإنساني. لقد صدَّرت إلينا أوروبا مشكلتها اليهودية، والعرب مطالبون اليوم، بحكم الواقع، برؤية لحل “المسألة اليهودية” في سياق مشروعهم النهضوي، وبهذه الرؤية فقط يستقيم فهمنا للصراع العربي-الإسرائيلي على قدميه.

17 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>