تاسعاً: حرية المرأة
إن حرية المرأة مفهوم يختلف تماماً عن موضوع حقوق المرأة. فإذا كان الثاني مطلب حركات نسائية معنية بحقوق النساء، فإن الأول مطلب عام للنوع الإنساني، رجالاً ونساء، ويعود بالخير على المجتمع بكليته، ليس من زاوية الحقوق المشروعة فحسب بل من زاوية الحرية الإنسانية وتوسّع آفاقها.
إن تحقق حرية المرأة يعني إنهاء الهيمنة الذكورية التي هي فخّ ينتقص من فهم الرجولة، تماماً كما ينتقص من فهم الأنوثة، ويشوّه البعد الإنساني لكليهما عندما يضعهما في علاقة صراعية تناحرية بدلاً من العلاقة التكاملية التي تعبر عن جوهر المجتمع الإنساني.
وانهيار الهيمنة الذكورية لا يعني أن يعطي الرجل للمرأة حقوقها، وهي مقدمة ضرورية للتحرر, بل يعني أن كليهما انتزعا حقوقهما الإنسانية كأفراد تحرروا من استبداد المجتمع والتاريخ.
إن القوة الخاصة لتبرير النظام الذكوري إنما تأتيه من أنه يراكم ويكثف بلا انقطاع عمليتين متكاملتين: فهو يشرعن علاقات هيمنة غير عقلانية أصلاً من خلال تأصيلها في طبيعة بيولوجية يحاول إظهارها على أنها بداهة الطبيعة ومنطق الأشياء، في محاولة لإخفاء أصلها الاجتماعي، فتنشأ هنا ثقافة تقوم على “استبدان” العلاقة بين الجنسين، وترتكز على المفاضلة الجسدية بينهما، وهي ثقافة اجتماعية ترتكز في العمق على الكائن البيولوجي، أي قبل تحول هذا الكائن الطبيعي إلى إنسان اجتماعي عاقل. وأما العملية الأخرى, فهي تلك التي ترجع هذه الهيمنة إلى السماء عبر إضفاء القداسة عليها باعتبارها تجسيداً للإرادة الإلهية وحراستها تحت سلطة التحريم الديني. وتبدو هاتان العمليتان وجهين لعملة واحدة, عملية إخفاء الجوهر الاجتماعي للهيمنة الذكورية، فما هو في حقيقته سياسي وثقافي واجتماعي يصبح هنا “طبيعياً” و”مقدساً”.
بالتالي، فإن الهيمنة الذكورية هي سيرورة تاريخية يجري فيها إنتاج وإعادة إنتاج هاتين العمليتين بشكل مستمر, ما يؤدي إلى تأبيد الهيمنة الذكورية، بكل ما يترتب عليها من ثقافة ومقولات طبيعية ومقدسة وخالدة، ليس بإمكانها أن تصمد أمام محكمة العقل والقراءة التاريخانية لعلاقات الهيمنة ومراحل وآليات إنتاج الهيمنة الذكورية وأسبابها الحقيقية. هذا يعني أن التصدي لثقافة الهيمنة الذكورية ونزع الطابع الأبدي والمقدس بشأنها، والنظر إليها بوصفها من نتاج الفكر البشري والتنشئة الاجتماعية عبر التاريخ، من شأنه أن يفتح الطريق إلى مواجهتها في أنماط التفكير والمؤسسات، وفي الفكر والممارسة الاجتماعية والسياسية.
هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟
تسعدنا مشاركتك ...