عبسي سميسم

جمهور نظام الأسد وداعش.. واحد


عبسي سميسم

العربي الجديد – 22 ديسمبر 2014

ثمة تشابه يصل إلى حدّ التطابق أحياناً بين شرائح الجمهور المحلي المستهدفة لدى كل من إعلام تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) وإعلام النظام في سورية، سواء لناحية نوعيّة الجمهور التي يتوجه إليها كلا الإعلامين، أو لناحية مضامين الرسائل الإعلاميّة التي يُرسلانها، بينما فشل الإعلام المعارض في الوصول إلى الجمهور لأسباب كثيرة.
ويمكن التمييز بين شريحتين من الجمهور الذي يتوجه إليه كل من إعلام “داعش” وإعلام النظام، الأولى هي شريحة الجمهور الذي يتماهى مع الأقوى وهذا الجمهور هو في الغالب مجموعة من الناس البسطاء الذين لا يستطيعون العيش خارج إطار مناطقهم بسبب الفقر، ويُشكّلون القسم الأكبر من هذه الشريحة… فيما الجزء المتبقي منها، هم فئة صغيرة لديها قدرة مادية ولكنها لا تتبنى أية مواقف وتعيش على مبدأ “اللي بياخد أمنا منقله يا عمنا” (مثل دارج في الشام). أما الشريحة الثانية فهي الفئة الموالية والمستفيدة من وجود السلطة سواءً في مناطق سيطرة “داعش” أو مناطق سيطرة النظام.

جمهور الأقوى
ولا تحتاج الشريحة الأولى من الجمهور المحلي سوى ضخّ كبيرٍ من المواد الإعلاميّة التي تُقنعها أنّها في المكان الصحيح، حتى ولو كانت تلك المواد عبارة عن أكاذيب، مع استخدام أسلوب الترهيب في الوقت نفسه كي لا تُفكّر بالتمرد على المستبد الذي يحكمها.
وقد اعتمد إعلام النظام السوري منذ بداية الثورة خطاباً إعلاميّاً يقوم على كذبة كبرى لا يُصدّقها طفل صغير مفادها أنّ مؤامرة كونيّة تُحاك ضدّ البلد ويشترك فيها كل من يؤيّد الثورة من الخارج، سواء كانوا أفراداً أم دولاً، وأدواتها في الداخل هم كل من قام بالثورة أو أيّدها.
وككل الأنظمة الشموليّة التي تعتمد في إعلامها على قضية كبرى، كحامل إعلامي تستطيع أن تتبنّاها لعقود دون أن تكون ملزمةً بتحقيقها، اعتمد النظام على قضيّة فلسطين وفكرة الممانعة والعزف على الوتر القومي ــ العروبي الذي يهدف إلى تحرير القدس وتوحيد الوطن العربي، كحامل لإعلامه، الذي يسعى من خلاله إلى الإثبات لجمهوره بأن هذه القضيّة مستهدفة من قبل المؤامرة الكونية. واعتبر كل من يعارض توجهاته (حتى على الصعيد الخدماتي) شريكاً بتلك المؤامرة.

فمنذ بداية الثورة السوريّة في آذار/مارس 2011، تفاعل قسم كبير من جمهور النظام المحلي مع أكاذيب النظام، فصدّق الكذبة التي نقلتها مذيعة التلفزيون السوري لتُقنعه بأنّ المظاهرة التي خرجت من جامع الحسن في الميدان في دمشق “ما هي إلا مجموعة من الناس تجمّعوا كي يشكروا ربّهم على نعمة المطر”، وكذبة “الخمسمئة ليرة سوريّة التي كانت توضع للمتظاهرين في سندويشات الفلافل كبدلٍ لقاء عمالتهم لمنفذي المؤامرة الكونية”… ولا يزال بعض السوريين المؤيدين للنظام يصدقون هذه الروايات، أو بالأحرى يصدّقون النسخ المطوّرة منها، مثل “الذي يعارضون النظام يتلقون أموالاً ضخمة”، أو “يحصل المعارضون على مساعدات مالية غذائية”، أو الرواية الأتفه “كل من يعارض النظام يؤيد التنظيمات الإرهابية”، وغيرها من الأكاذيب التي لم يتوقف النظام وإعلامه عن الترويج لها، حتى اليوم.
فيما لم يكُن تنظيم “داعش” بحاجة لابتكار الكثير من الكذب، ولكنّه اعتمد على خطاب إعلامي استغلّ فيه عدم ثقة الجمهور المحلي الذي يخاطبه بالنظام الحاكم، وعدم ثقته بالغرب، فطرح نفسه من خلال خطابه الإعلامي كمخلّص له من الحكام وعدو للغرب في الوقت نفسه. وعزف أيضاً على الوَتَر الطائفي بقوة، مستغلاً فكرة المظلوميّة التي تعرّضت لها الطائفة السنيّة على يد حاكم من الأقليات… وداعب بذلك مشاعر جمهوره بطرح موضوع “الخلافة الإسلامية” كهدفٍ يُعيد إليهم أمجاداً سابقة قد لا تتوقف باستعادة الأندلس! وقد اعتمد على هذه الفكرة كقضية كبرى يسعى لتحقيقها من خلال الدين، مرتكزاً إلى أجزاء من النصوص الدينيّة التي تحتوي عباراتٍ إقصائيّة أو فيها ذكر للقتل (على مبدأ: “ولا تقربوا الصلاة”) واعتمدها كمنهج ايديولوجي، مع التأكيد على الطاعة العمياء لولي الأمر وإقصاء أو قتل كل من يخالفه الرأي.
وقد تسبب نشر صور وأخبار تطبيق الحدّ لدى إعلام تنظيم “داعش”، والتي تصل في معظمها إلى تقطيع الرؤوس، بتخويف وترهيب قسم كبير من هذا الجمهور الذي راح يروج لصوابية هذا الإرهاب، ويقنع نفسه به في محاولة للعيش بتوازن نفسي في تلك المناطق. هكذا بتنا نشاهد سوريين كثرا معارضين للنظام، ومرعوبين من تنظيم “داعش”، فيفضلون السكوت عن المجاهرة بمعارضتهم للطرفين.
الجمهور المستفيد
وفي الشريحة الثانية من الجمهور المحلي، نجد الخطاب الإعلامي الموجه لهذه الفئة، هو خطابٌ يعتمد على بثّ الحماس والتغنّي بالبطولات وإقناع هذا الجمهور بقوة وديمومة السلطة الحاكمة، من خلال خطابٍ مليء بأحكام القيمة التي تُمجّد السلطة، فنجد في إعلام النظام خبراً يتكرر عبر كل وسائل إعلامه الرسميّة، يبدأ بلازمة واحدة هي: “هاجمت قواتنا الباسلة أوكاراً للإرهابيين في منطقة كذا، وتمكّنت من قتل وأسر العدد الفلاني منهم واستولت على أسلحتهم”… ونجد أنّ هذا الخبر يُعاد بشكل يومي منذ ثلاث سنوات وحتى الآن مع تغيير اسم المنطقة، وعدد القتلى، فيما ترفع وسائل إعلامه الرسميّة وغير الرسميّة شعارات تفيد بأنّ هناك بديلا واحدا للسلطة القائمة، هو الخراب.
كما تروج وسائل إعلامه التي تنشط عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتلك الشعارات كشعار: “الأسد أو نحرق البلد”… إذ يمتلك النظام جيشاً إلكترونياً سخَّره منذ بداية الثورة لهذه الغاية.

5 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>