حسام ميرو

عن أية سورية يتحدث السياسيون؟


حسام ميرو

البديل – 20 ديسمبر 2014

تتحدث الأمم المتحدة، وبلغة الأرقام، عن حاجة 18 مليون سوري داخل البلد وخارجها إلى مساعدات إنسانية، وهو آخر الأرقام التي اعتمدتها الأمم المتحدة في مؤتمر برلين، وهو مؤتمر للمانحين، والرقم يشير من دون أي التباسات إلى عمق الأزمة السورية، إذ يحتاج حوالي 80% من السوريين إلى مساعدات كي يستمروا على قيد الحياة.
وبلغة الأرقام أيضاً، فقد خسرت سورية حوالي 40 عاماً من التنمية قياساً إلى ما كانت عليه قبل انطلاقة الانتفاضة السورية في آذار 2011، ولم يعد خافياً على أحد حجم الدمار الذي أصاب البنى السورية كافة، كما أن طول الأزمة واشتدادها دفع بمعظم النخب السورية إلى مغادرة البلاد، وتأسيس حياة جديدة في البلاد التي وصولوا إليها، وخسارة هذه النخب هي كارثة إضافية، إذ لا يمكن بأي حال تعويض هذه النخب حتى لو افترضنا سيناريو وقف العنف والقتال، فقد أصبح لهذه النخب حياة جديدة كلياً.
واللافت أنه رغم كل هذه الحقائق المرعبة، ما زال معظم السياسيين السوريين بعيدون كل البعد، عملياً وليس لفظياً، عن هول الكارثة وأبعادها، وهو ما يفسر غياب توافقات الحد الأدنى بين القوى السياسية المعارضة (رغم هشاشتها وضعفها)، كل ذلك في الوقت الذي تزداد فيه المأساة حجماً وعمقاً، حتى أن أي حل لاحق قد لا يكون قادراً على وقف التدهور الكارثي.
لا يبدو أن المعارضة هي وحدها غير المدركة لحجم المأساة، وإنما أيضاً الدول الإقليمية والدولية، إذ أن استمرار الوضع السوري على ما هو عليه سيكون له ارتدادات على المحيط الإقليمي، وهو ما تمّ التحذير منه غير مرة، وقد تناولته دراسات عديدة، لكن لا يبدو أن الدول الإقليمية الفاعلة راغبة بوضع حد لمأساة السوريين، مع أن بعض تلك الارتدادات بدأت تظهر بوادرها في غير مكان من الإقليم.
وفي الشق السياسي ، فإننا نشهد عملية تدوير للأزمة، ولا يبدو أن مبادرات الحل السياسي تمتلك الحد الأدنى من مقومات النجاح، وآخرها مبادرة المبعوث الأممي للأزمة السورية ستيفان ديمستورا، والتي يصعب تصور نجاحها في ظل موازين القوى الداخلية نفسها، وفي ظل انعدام التوافقات الإقليمية.
المعارضة السورية، في جزء كبير منها، غارقة في أزماتها الداخلية، وبدلاً من أن تكون فاعلاً تحولت إلى طرف منفعل، لا سيما أن هذه المعارضة لا تمتلك قدرة فرض إرادتها السياسية على الفصائل المقاتلة، خصوصاً أن ما تسمى القوى المعتدلة لا تشكل قوة يعتد بها قياساً إلى القوى الإسلامية المتشددة من مثل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وأحرار الشام، وبالتالي فإن المعارضة السياسية لا تشكل بهذا المقياس وزناً يعتد به في أي حل للأزمة السورية.
لقد بلغت الحالة السورية مستوى عالٍ من التعقيد، ولم يعد لمستوى من المستويات كافٍ بالتعبير عن أبعادها، فهي لم تعد فقط أزمة سياسية، وإنما أيضاً أزمة إنسانية، وأزمة قوى متطرفة، وأزمة سياسات إقليمية ودولية، وهو ما يتطلب وعي جديد للأزمة السورية من قبل النخب السياسية، وإيجاد مقاربات من طبيعة مغايرة لما تبنته القوى السياسية في قولها وعملها، وممارسات تختلف كلياً عن الممارسات السابقة التي كانت جزءاً لا يتجزأ من استفحال الأزمة، ووصولها إلى ما وصلت إليه.
إن سورية اليوم لم تعد تشبه تلك القائمة في أذهان معظم السياسيين، فحدودها تماهت وتداخلت مع حدود الدول المجاورة، ودولتها المركزية صارت في خبر كان، وعوضاً عن الجيش أصبح لدينا ميليشيات، وبدلاً من الشعب بات لدينا نازحون ولاجئون، وعوضاً عن الجيش الحر أصبح لدينا قوى لا علاقة له بمبادئ الانتفاضة السورية، وعوضاً عن المناضلين الوطنيين أصبح السياسيون مقاولون في أزمة بلادهم، وهكذا فإن ما يرد عن سورية في خطابات السياسيين لا يشبهها.

12 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>