فيصل الأعور

اللاعقلانية في السياسة الإيرانية


فيصل الأعور

خاص بموقع حزب الجمهورية

عندما قامت الثورة الايرانية عام 1989 كنت ما ازال طالبا جامعيا. فرحنا بها ، وصفقنا لها بحرارة. كنا نتوقع ان النظام الاسلامي الجديد في ايران سيكون نظاما انسانيا، عقلانيا، وعادلا. كنا نتوقع ان تلك الثورة، وما رافقها من تحرك جماهيري عظيم، سوف تكون دعما ومساندة للعرب في قضاياهم الانسانية والعادلة ضد التطرف الغربي في مساندة اسرائيل. بنينا احلاما كبيرة على تلك الثورة. ومرت الأيام وسيطر الاسلاميون المتشددون على الثورة بزعامة آية الله ، روح الله، المدعو الخميني. ثم مضى الخميني الى حتفه بعد ان شعر بانه تجرع السم بموافقته على وقف الحرب ضد العراق، وأتى خامنئي بعد ان تمت تصفية انصار الديموقراطية والتعددية، في ايران، فمنهم من سجن، ومنهم من هرب من ايران ليعيش في بلاد الغرب.
لم يطل الأمر حتى ادركنا ان النظام الايراني الجديد لم يكن الثمرة التي كنا نتوقعها، نحن غير الايرانيين،، او يتوقعها الشعب الايراني العظيمم نفسه، بل كانت ثمرة هجينة، متورمة بالاستبداد المطعم بالطائفية المذهبية، والمركبة بروح التوسع والكبرياء والغطرسة. ولم يمر وقت طويل حتى لاحظنا ذلك الفجور لدى النظام الجديد في نشر افكاره الطائفية المذهبية فيم كان يسمى بالتشيع، في العراق، مما دفع صدام حسين للوقوف ضد المد المذهبي. وبدا الاعلام الخميني بارسال رسائل مذهبية في كل الاتجاهات. وهكذا قامت الحرب بين النظام وجيرانه. ومرت الايام، وسقط نظام صدام حسين. كنا نتوقع سقوط النظام الايراني ايضا، لما يعج به من فساد اخلاقي واستبداد سياسي، لكن النفط كان نعمة لا تقدر بثمن بالنسبة للنظام الخميني. فساعد النفط النظام على الاستمرار حتى يومنا هذا.

سرعان ما انكشفت نوايا النظام الجديد. وذلك بعد ان بدأ يسخر اموال النفط في العبث بأمن الدول العربية، وكان اول سمومه يوم ارسل بعض عملائه الى الحج في السعودية فقاموا بالمظاهرات وبالاتفاق مع بعض المتطرفين السعوديين حازولوا احتلال الحرم المكي، فكان لا بد من موقف حازم من قبل السلطة السعودية. عندها ادرك السعوديون ان النظام الايراني قد بدأ حربا شعواء في الخفاء ضدهم. ولم يطل الامر كثيرا حتى بدا النظام الايراني يشتري ذمم بعض السعوديين الفقراء من اجل نشر الفوضى والفتنة بين افراد الشعب السعودي.
لم يكتف النظام الايراني بذلك، بل بدأ يعد الخطط لنشر الفوضى والهيمنة على بقية الدول العربية. أثبت النظام الايراني انه يفتقد الى العقلانية بشكل واضح، فبدلا من استغلال النفط من اجل التنمية بكافة اشكالها، ورفع سوية المجتمع الايراني ، اتجهت السلطة المذهبية الى استخدام النفط في كل عمل يؤدي الى نشر العداء والكراهية داخل ايران ضد الخصوم الليبراليين المنادين بالحرية، من جهة، وضد الجيران العرب، وذلك كنوع من الثأرية التي تتطلبها فلسفة المظلومية الدينية المتمثلة بالانتقام من قتلة الحسين من العرب، وخاصة السنة منهم، من جهة أخرى. ثم ركبوا القضية الفلسطينية ، وارادوا ان يجعلوا المسلمين في العالم اجمع يعتقدون بانهم (الايرانيون) أحرص من بقية المسلمين على استرجاع الاقصى عبر تحرير القدس. واخذوا يدعمون حزب الله اللبناني الى ان اصبح مهيمنا على لبنان، وتسبب الحزب للبنان بحرب اودت بالآلاف ودمار بالمليارات، وكانت نهايته ان اصبح اداة اجرامية طيعة في يد النظام الاسدي ، وظفها في قتل شعبنا السوري بحجة عدم اسقاط منهج المقاومة والممانعة. ودعم النظام الايراني الاخوان المسلمين في مصر مما اودى بهم على يد النظام الجديد، فتحولوا في مصر الى قتلة سفاحين يريقون الدماء خلف مقولة ثارية لما يدعون من افعال السلطة المصرية بانصارهم في ميدان رابعة العدوية. ودعموا اخوان فلسطين فكانوا سببا في تشرذم القضية الفلسطينية، وتسببوا بحربين على غزة، اكلتا الاخضر واليابس وقضت على آلاف الفلسطينيين.
ثم تلاعبوا بعقل بشار الاسد وحولوه الى دمية يتسلون بها، ويسخرونها لخدمة مآربهم في السيطرة على سوريا. ونجحوا فيم فشلوا فيه ايام حافظ الاسد. وحولوا سوريا الى مسلخ لذبح السوريين على مذبح اطماعهم ومصالحهم بالتعاون مع عميلهم حسن نصرالله وحزبه الطائفي، متجاهلين رغبة السوريين وطموحهم لاقامة دولة حرة وشعب حر بعيدا عن الاستبداد الاسدي والذي جمّد سوريا لاكثر من اربعين سنة بعيدا عن مناحي التطور التي عبرتها دول كثيرة كانت اقل تطورا من سوريا في ذلك الحين. ولم يقتصر الامر على سوريا، بل دفعوا الحوثيين، والذين وصلوا الى ما يريدون من تامين حقوقهم في اليمن عبر مؤتمر وطني عقد منذ شهرين، ليتحول بعدها الحوثيون الى محتلين، فسيطروا على صنعاء، وبداوا يمدون نفوذهم الى بقية المدن اليمنية، مما دفع اليمن الى حرب اهلية بدات تظهر بوادرها.
ادرك القادة الايرانيون من اتباع نظام الولي الفقيه ان العرب بحد ذاتهم لا يشكلون تهديدا لنظامهم بعد سقوط نظام صدام حسين. وعرفوا ان خصمهم الند، هو اسرائيل بالذات. فتوجهوا نحو تطوير ما كان شاه ايراني قد بداه منذ وقت بعيد، ألا وهو العمل على الحصول على السلاح النووي. لم يفلح الشاه في الوصول الى صناعة القنبلة النووية. فكان لا بد لقادة ايران الجدد من انصار الولي الفقيه، المتطرفين، ان يبداوا بالعمل على صناعة السلاح النووي، علهم يقومون بتدمير اسرائيل كقوة اقليمية مهيمنة. وربما انهم يفكرون بتدمير العرب جميعا للثار من قتلة الحسين. فاتجهوا الى شراء المفاعلات النووية بكثرة حتى انهم ظنوا ان بامكانهم صناعة قنابل نووية كثيرة في الآن نفسه. لكن حساب البيدر لم يتوافق مع حساب الحقل، فقد كان الغرب بالمرصاد، والذي يدرك مدى تخلف وهمجية الفكر الذي يحمله نظام الولي الفقيه، فبدأ المواجهة والعمل على تعطيل المشروع الايراني، والذي يتجه نحو خلق حرب كارثية في الشرق الاوسط لما يحمل من احقاد تاريخية ولاعقلانية في سياساته الخارجية والداخلية على حد سواء. فكان الحصار المالي والقتصادي والتقني ضد ايران، فانهار الاقتصاد وقسمة العملة الايرانية، وحرمت ايران من بيع اللنفط، ثم انخفضت اسعار النفط، وبدات الميزانية الاسرانية تعاني الامرين، ولجأ النظام الى اعادة هيكلة المدخلات والمخرجات الايرانية.
و اليوم يصر النظام الايراني على المزيد من سفك الدماء العربية، والحصول على مبتغاه من صناعة نووية عسكرية. ونسأل ماذا يرتجي النظام الايراني والذي لديه امة كبيرة، وحدود آمنة، ولديه وفرة اقتصادية ونفط غزير، ماذا يريد من صناعة نووية عسكرية؟ لا شك انه يطمح الى اسعباد الشعوب التي حوله، واثارة حروب كارثية في المنطقة، او ان يستخدم ذلك السلاح كقوة استراتيجية تمكنه من اخضاع واحتلال الدول المجاورة! لكن هل المسالة بتلك السهولة التي يراها بها قادة ايران المتعصبين دينيا؟ هل سيسمح الغرب لايران بامتلاك سلاح نووي؟ ان الامر يبدو كمن يسمح لطفل بحمل سكين والذهاب لمقاتلة الاطفال في شوارع الحارة. وبكلمات اخرى، فقد يغض الغرب النظر لو كان الامر يتعلق بالدول العربية، لكن من المستحيل ان يتجاهل الغرب وجود اسرائيل على مقربة من سلاح نووي بيد متطرفين دينيين اسلاميين. وهناك البعض ممن يتحدث عن ان ايران تستخدم الموضوع النووي من اجل الضغط على امريكا للحصول على موافقة بالنفوذ في منكطقة الشرق الاوسط.؟ مع ذلك فهل ترضة اسرائيل بذلك النفوذ؟ وهل ترضة اسرائيل بان يكون هناك اكثر من حزب الله واحد، في لبنان وفلسطين واليمن والبحرين والكويت، وربما في الاردن والسعودية وغيرها من الدول العربية. في السياسة كل شيء ممكن، بحيث ان ايران لو امتلكت القدرة لصنعت العشرات من حزب الله كي تحافظ على نفوذ سياسي، كما تفعل اليوم في لبنان؟ ولو فرضنا ان الغرب سمح لاسرائيل (ظاهريا) بمد نفوذها على الشرق الاوسط الاوسط بشرط تسليم كل المعلومات اللازمة عن مشروعها النووي، ووضع ذلك المشروع تحت المراقبة الدولية، فهل تضمن ايران ان الغرب لن يغير رأيه بعد ان يعرف كل المعلومات اللازمة ويفشل المشروع سياسيا او عسكريا، هل سيلتزم الغرب بماوعدها به من ترك الحبل على الغارب؟ ام أنه سيتخلى عن علاقاته القوية والتاريخية بدول الخليج العربية كرمى لعيني الولي الفقيه المشبع بالحقد التاريخي والجشع السياسي والمكر الثعالبي!
الغرب اوعى وادرى بعقلية الاستبداد واللاعقلانية في السياسة. فقد خبرها لآلاف السنين، وعرف كيف يتخلص منها، ولن يسمح لمراهقين جدد في السياسة يحملون فكرا موغلا في التخلف والهمجية ان يمتلكوا سلاحا نوويا، او أن يمارسوا هيمنة على جيرانهم، مما يزيد في بؤر التوتر عالميا، فهو(ذلك الغرب) في سوريا أعجز من أن يحل المشكلة، فهل يدع للولي الفقيه ولاعقلانيته في العلاقات الدولية، الفرصة لان يخلق عشرات البؤر الجديدة؟ استبعد ذلك!
انها اللاعقلانية في السياسة الايرانية؟

33 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>