عبد الناصر العايد

وزير خارجية للمعارضة!


عبد الناصر العايد

أورينت نت – 18 نوفمبر 2014

في هذه المرحلة من عمرها، تشهد الثورة السورية تراجعاً في الزخم السياسي الدولي الذي رافقها طوال السنوات الماضية.
لم يعد بالإمكان العمل على مسارات طويلة الأمد، بسبب تعقد الظروف المحيطة بها وضبابية الرؤية، وأفضل أساليب العمل لإبقائها حيّة على المسرح العالمي، في هذه الحالة هو العمل بمبادرات قصيرة تكتيكية، متتابعة وكثيفة، وهو أسلوب العمل الأقرب إلى الدبلوماسية الدؤوبة النشطة، وحسناً أن الحكومة المؤقتة اليوم تبحث في تعيين وزير خارجية، يمكنه أن يضطلع بهذه المهمة بشكل مؤسساتي وشرعي، ولكن شخص ذلك الوزير يجب أن يُنتقى بعناية، بعيداً عن المزاد والاستقطابات الحادة داخل أجنحة المعارضة التي تساوم بعضها البعض على المقاعد الوزارية.
يستطيع وزير خارجية نشط متحرك أن يقوم بمساع دبلوماسية داعمة للثورة السورية لدى مختلف الأطراف المؤثرة والحيادية، وحتى لدى بعض الأطراف المناهضة لها، دون أن تتحمل الثورة كقضية مبدئية أي أعباء أو اشتراطات ملزمة، لكن الوزير الذي سيتم اختياره يجب أن يكون من ذوي الخبرة في أساليب التفاوض ونواظم العلاقات الدولية وقوانينها، وإن كان ينقصه جانب من التخصصات المهنية المعروفة في مجال العمل الدبلوماسي سواء منها الدبلوماسي أو السياسي أو الاقتصادي أو الإداري أو الإعلامي، فإنه يجب أن يستعين بمساعدين له، من خيرة الكفاءات المتوفرة، ضمن فريقه الخاص.
كما يفترض بالمرشح لهذا المنصب أن يكون ذو إلمام كاف بتاريخ الثورة السورية وقضاياها وهمومها الكبرى، كالشهداء والمعتقلين والمهجرين، وقواها الرئيسية، ومتابع عن كثب لأحدث هذه التطورات، إذ أن المعلومات والمعرفة على هذا الصعيد هي سلاحه الوحيد الذي يستطيع من خلاله إحداث التأثير والاختراق المطلوبين لدى الأطراف الداعمة والرافضة للثورة السورية، وعليه يجب أن يكون الشخص المنتقى لهذا المنصب ممن واكبوا وعايشوا يوميات الثورة على مدى الأعوام السابقة.
سيتعين على الوزير المحتمل أن يكون ذو قدرة على التعبير عن رأيه بشكل مقنع ومتوازن وفعال، خاصة أنه سيكون واجهة الثورة أمام الإعلام العالمي، الذي سينقل تأثير ذلك الشخص من دائرة الغرف الدبلوماسية المغلقة إلى الرأي العام العالمي، الذي يشهد تراجعاً في دعم قضية السوريين، إن لم يكن انقلاباً عليها في الكثير من المجتمعات بسبب عمل النظام الدؤوب من خلال مبتعثيه ونشاطه الإعلامي الخفي.
ويجب أن تتوفر في الوزير المزمع تعيينه القدرات الرئيسية لوزير أو دبلوماسي، مثل القدرة على ضبط النفس والتحكم بالأفعال في المواقف والمآزق الحرجة، والقدرة على التكيف الثقافي، وتحليل المعلومات السريع، لاتخاذ المبادرات والقرار المناسب، والتخطيط لمهمته وتنظيم نشاطه، والإبداع عندما يقتضي الأمر للخروج بحلول للمشاكل العويصة، كما يجب التحري عن خلفيته السياسية والاجتماعية، فالوزير هذا يجب أن لا يكون من حاملي جنسية أخرى لبلد طرف في النزاع، وليس له مصالح أو أقارب يمكن الضغط عليه أو ابتزازه عبرهم، والتأكد بما لا يقبل الشك من انتمائه الجذري للشعب السوري الثائر وقضيته.
بالمقابل، يجب أن تمنح الحكومة ومؤسسات الثورة لمن يضطلع بهذه المسؤولية الحساسة، حرية الحركة، بعيداً عن المركزية المعتادة، فوزير خارجية ثورة ليس وزير خارجية دولة تعتبر أن الشأن السياسي الخارجي شأن سيادي تقرره أعلى سلطة في البلاد، وأن يكون أعضاء الهيئة السياسية العامة، متقبلين لبعض مغامراته ونشاطاته التي قد لا ترضيهم، وانتظار نتائجها، كما يجب على قيادات و”زعامات” المعارضة، المعروفين بتنافرهم وتحاسدهم، أن يعضوا على نواجذهم ويصمتوا وهم يرون ذلك الوزير موضع احتفاء قوى كبرى، وتحت أضواء وسائل إعلام عالمية، ففي النهاية يجب أن يقوم شخص ما بهذا الدور، وهو عمل ووظيفة لا يحسد عليها صاحبها في هذه الظروف العاتية.
أكتب هذا، بعد أن حضرت بالصدفة، جزءاً يسيراً من عملية تفاوض بين معارضين ومعارضات من كتلتين مختلفتين من كتل الائتلاف، حول الشخص المرشح لهذا المنصب، وكان الحوار بعيداً كل البعد عن المؤهلات والمزايا المطلوبة لشغل هذه الوظيفة، على نحو يدعو للإحباط!

35 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>