unnamed (1)

جذور الإرهاب


غسان الجباعي

خاص بموقع حزب الجمهورية

ثمة عوامل كثيرة خارجية تتصل بالصراع بين الشرق والغرب، لم يكن الاستعمار المباشر أهمها، بل وكلاء الاستعمار المتمثلين بأنظمة حكم العسكر الاستبدادية، التي تعتمد في حكمها على الدين والأيديولوجيا الشمولية، وتكرس بيئة من التخلف والأمية والانغلاق والتفكك، تكون بيئة حاضنة لاستمرار حكمها، وتستطيع من خلالها السيطرة على المجتمع، والتلاعب بالحياة السياسية. كما إن رجال الدين “الإكليروس″ وجدوا من المناسب تكريس هذا الواقع البائس، الذي يؤمن مصالحهم الدنيوية. فتحولوا من علماء الأمة إلى جهلائها وسفهائها، الذين لم يرتقوا لمستوى نبل الأديان السسماوية وشرائعها السمحة، بل تحولوا إلى طفيليات تقتات على الأحقاد الطائفية والتمايز الديني البيئة والعقيدة الدينية! ومما لا شك فيه أن الظلم والاضطهاد الجماعي والفردي، والقسوة المفرطة في قمع حركات الإصلاح والتغيير، بالإضافة إلى الفقر والتخلف والقهر وفقدان الأمل بحياة حرة كريمة، لعبت وما زالت تلعب دوراً أساسياً في التطرف والجنوح نحو العنف وممارسة الإرهاب.! وهذا أمر يعرفه الجميع وكتب عن الكثيرون. ولا أريد الخوض فيه الآن.

فالإرهاب وُجد مع وجود الإنسان! وقد مورس في البداية بيولوجياً “غريزياً”، ضد الحيوانات المفترسة والوحوش التي تهدد وجوده. ثم تطور ليُمارس من قبل الإنسان ضد أخيه الإنسان الذي يزاحمه على الملكية والتمتع بالحياة.. فمنذ الجريمة الأولى لهابيل بحق أخيه قابيل انطلق العنف والقتل، لتحقيق كسب أو منفعة، في ضل الاحتراب على الخيرات المادية وحيازة الملكية الخاصة والسيادة على الآخر. وجاءت الديانات السماوية “الإيمان” و”العقائد المقدسة” لتؤجج هذا العنف وتعطيه الحق والشرعية والغطاء. فجميع الديانات الوثنية وكذلك التوحيدية: اليهودية والمسيحية والإسلام.. دعت إلى العنف وقتل الكفار والمرتدين.
ولم يترك رجال الدين الأمر لرب العالمين ويوم الحساب، بل مارسوه على الأرض نيابة عن الله وباسمه، رغم أن الله نهى عنه في جميع شرائعه وكتبه. لكن ذلك لم يكن إلا في الظاهر فقط! أما في الباطن فهي مجرد حركات سياسية تتستر بالدين وترتدي مسوحه، كي تحقق الاستحواذ على الملكية وتسود على الآخرين باسم الدين ورب العالمين. وأكبر دليل على ذلك أن جميع الكتب والشرائع السماوية تدعو، في الوقت عينه، للتسامح والمحبة وقبول الآخر وتحريم قتل النفس، حتى من قبل صاحبها.! “من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً”. “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”.
ما أريد قوله أن الدين أو “الأيديا” المقدسة، سواء كانت سماوية أو ترابية، هي أساس التعصب والتكفير وممارسة العنف ضد الآخر المختلف عنا. وهي أي الأيديا، من أهم الأدوات التي يستخدمها السياسيون ورجال الدين لتحقيق مآرب أرضية. وهي مغلّفة بالأساطير والعقائد السماوية الميتافيزيقية الراسخة الأزلية، التي لا تنتقد ولا تدحض من قبل البشر. إنها سلاح فتاك وقاتل للفكر والاجتهاد والإبداع والتغيير. وهي هدية كبيرة من السماء لأنظمة الحكم القاتلة والفاسدة، سواء كان هذا الاستبداد سياسياً عسكرياً حزبياً، أو دينياً متعصباً مغلقاً. وهي لا تعطي الحق للسادة من الطرفين، بممارسة الاضطهاد والظلم والقهر فقط، بل تبرره، وتدعو الناس لطاعة أولي الأمر منهم. حتى أنهم اعتبروا وما زالوا يعتبرون الطاغية المستبد ظل الله على الأرض. وعندما يفشل الناس في تحقيق العدالة بالحوار والطرق السلمية، ويفقد الأمل في التغيير، يولد التطرف والإرهاب من رحم العنف الذي تمارسه السلطات الحاكمة، سياسية كانت أم دينية أم حزبية.
ولو عدنا إلى التاريخ ودرسنا الحروب الدينية التي خاضها اليهود في العصر اليوناني، والحروب المسيحية اليهودية في العصر الروماني، والحروب المذهبية الطاحنة بين المسيحيين المنقسمين على أنفسهم، والذين يدينون بدين المحبة والسلام. لوجدنا أن تاريخ هذه الديانات هو تاريخ عنف وجهاد! لنتذكر فقط أن المسيح قد صلب، وتمت معاقبة تلامذته ومريديه بالقتل والحرق وقطع الرؤوس. ولنتذكر فقط أنه قتل في العصور الوسطى وحدها، الملايين من المسيحيين المختلفين، على يد الكنيسة ومحاكم التفتيش، تحت شعار الهرطقة والكفر. وهذا ما تكرر في تاريخ الإسلام. ألم يقتل في فجره ثلاثة من الخلفاء الراشدين بالخناجر!؟ ألم يقطعوا رأس الحسين ويقتلوا نساءه وأطفاله! ألم يحرق السلاجقة قرى بكاملها لأن أهلها من الاسماعيليين النزاريين! ألم يدفعوا حسن الصباح إلى تشكيل “الفداوية” واستخدام الخناجر ضد أعدائه!؟ ألم يقتلوا العلماء والمفكرين والفلاسفة تحت شعار الزندقة والكفر!
إن تاريخ الديانات “الأرضية”، هو تاريخ الإرهاب الدموي، الديني والمذهبي.
وهذا لا يعني أن العيب في الديانات السماوية. فهي مليئة بالقيم الأخلاقية والإنسانية التي تدعو إلى الخير والعدل والمساوة، واحترام حياة الإنسان وكرامته وتقف ضد الظلم والتمييز والقهر. إنما العيب في استغلال الدين كأداة لتحقيق أغراض سياسية دنيوية. ومن هنا بات من الضروري أن نعطي “ما لقيصر لقيصر وما لله لله” وأن نفكر في حماية الدين من السياسة وحماية السياسة من الدين! ولا يتم ذلك إلا بفصل الدين عن الدولة وإخراجه من سوق التداول الرخيص، والتدخل السافر في الشأن العام، وعودته بكل احترام وإجلال إلى مكانه الطبيعي الذي وجد من أجله: أي الكنيس والكنيسة والمسجد والمعبد.. وغيرها من دور العبادة المعروفة..

44 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>