عمر حداد

هل نستحق الديمقراطية؟


عمر حداد

أعتذر للقارئ عن طرح مثل هذا العنوان، لكني ولكثرة شيوعه آثرت استعماله.
يطرح الكثيرون هذا السؤال “هل نستحق الديمقراطية؟” ويجيب كثيرون أيضاُ بالنفي، أو بالإيجاب، أما من يجيبون بالنفي، فيمكن تصنيفهم في فئات ثلاث انطلاقاً من خلفية إجابتهم.
الفئة الأولى تطرح السؤال باستنكار، وتجيب عليه نفياً، انطلاقاً من خلفية خبيثة، هدفها الأساسي هو تبرير الاستبداد القائم، والترويج للأنظمة المستبدة، فبما أننا شعب لا تليق به الديمقراطية، إذن لا بد من بقاء البسطار العسكري حاكماً لنا، لا بل علينا أن نقدم له فروض الشكر، والامتنان، ونقيم له النصب التذكارية في ساحات مدننا، فهو من يحمينا من ذواتنا التي ستنفجر إجراماً وتخلفاً إذا تمكنّا من الحصول على حريتنا، واخترنا نظامنا السياسي الديمقراطي، وأصبحنا أصحاب القرار في اختيار ممثلينا السياسيين.
الفئة الثانية تطرح السؤال أيضاً، وتجيب نافية، انطلاقاً من فوقية ثقافوية مقززة، فالنظرة الاستعلائية على الشعب، تمنحها شيئاً من الاستقرار النفسي، لتعوض خيباتها، وفشلها الفكري، والسياسي. بدلاً من أن تعترف بضعفها وهشاشتها، وعدم قدرتها على التغيير، والتفاعل مع الواقع، تلقي باللوم على المجتمع، وتمطره بوابل من الاتهامات بالتخلف وقلة الوعي وانعدام الثقافة. وإن كانت محقة في بعض توصيفاتها فهو الحق الذي يراد منه الباطل. هذه الفئة ببساطة منفصلة عن الواقع وتعيش في قوقعتها “الثقافية” لا تملك إلا بث اليأس والخنوع في المجتمع، حتى أصبحت متكلسة، وهرمة، وغير قادرة على أي تأثير إيجابي، ونجدها رغم شعاراتها المناهضة للاستبداد أحيانا، إلا أنها متصالحة معه عملياً، ولا تستطيع التحرك إلا في الهامش الذي يتيحه لها.
الفئة الثالثة، فئة انهزامية، تتميز بعدم الثقة بالنفس، مصابة بمازوشية عالية، تتمتع بجلد الذات، منهارة بسبب صدمة الحداثة الغربية، ومفتونة بالغرب المتطور دون رؤية سلبياته، لا تستطيع تلمس إنسانية، وعالمية الحضارة والفكر، تظن أن الحضارات جزر معزولة عن بعضها، لا تتأثر ولا تؤثر، وعلى كل منطقة أن تعيد اختراع العجلة من جديد، يحبطها الفارق الحضاري بيينا وبين المجتمعات الديمقراطية، فترى أننا بحكم تخلف منطقتنا، غير قادرين على أي إنجاز حضاري أو قيمي أو سياسي. هذه الفئة لا تجد ملاذاً إلا باللطميات أو الهجرة، والهروب. هي فئة أشبه بالعبيد الذين قاتلوا لاستمرار العبودية ضد ثورات تحرير العبيد.
رغم اختلاف الخلفيات بين الفئات الثلاث السابقة في إطلاق احكامها، لكنها لا تشترك بالنتيجة التي وصلت إليها فحسب، بل تشترك أيضا بالجهل بشكل أساسي، فالسؤال عن استحقاق أي شعب للديمقراطية هو بحد ذاته سؤال خاطئ، مرده الجهل بمعنى الديمقراطية أولاً. هذا المفهوم الذي أصبح من أكثر المفاهيم حضوراً في الساحة الفكرية، والسياسية، والمجتمعية، إلا أنه ما زال يستخدم بطريقة ببغائية، لا تدل إلا على جهل مستخدميه. فالديمقراطية ليست منتجاً استهلاكياً كلعبة الكترونية، أو نوع من السجائر يخصص للبالغين، أو لفئات اجتماعية تتمع بمستوى محدد من العلم والمعرفة، بل هو ثقافة مجتمعية، ونظام سياسي، واجتماعي، واقتصادي، وهو حق من حقوق الأفراد، والمجتمعات، مواز لحق الحياة. الديمقراطية هي المعادل السياسي للحرية وكل من استحق الحياة، استحق الحرية.
لا يمكن فهم الديمقراطية بمعزل عن احترام حقوق الإنسان، وبناء المجتمع المدني، كما لا يمكن فهم الحرية بمعزل عن القانون. الديمقراطية منظومة كاملة ومتكاملة، لا يمكن تجزئتها أو اختزالها، وهي ليست منتجاً نهائيا جاهزا للتصدير والاستيراد، بل الية تمنح المجتمع القابلية للبقاء في حالة من الحركة المستمرة نحو تطوير ذاته. الديمقراطية التي تتطلع إليها المجتمعات النامية، لا يمكن أن ينظر إليها إلا من خلال مرحلة التحول الديمقراطي، وهي مرحلة هدم للبنى المجتمعية ما قبل الوطنية، وبناء لعلاقات إنسانية حديثة أساسها المواطن الحر، كما هي هدم للبنى السياسية الاستبدادية لدولة الطغمة، وإعادة إنتاج مؤسسات سياسية حرة، على أسس فكرية متينة.
إن التحول الديمقراطي هو مرحلة حتمية، ستمر بها المجتمعات، والدول المتطلعة إلى الحرية والديمقراطية، هذه المرحلة قد تطول، أو تقصر، تبعاً لعوامل عديدة، لكن ولوجها يحتاج إلى جناحين،الأول هو القطع النهائي مع الاستبداد، وعدم قبول التصالح معه، فكريا وسياسيا، والثاني هو الثقة بالذات وبقدرة الشعوب على التطور، والإيمان بالمستقبل.

139 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>