النقد مفتاح الفرج
انطلق موقع حزب الجمهورية في الأول من تشرين الثاني / نوفمبر، وكله أمل أن يشكل جسراً للتواصل مع أبناء شعبنا، يتعرفون من خلاله على الحزب ووثائقه وآرائه السياسية، ويقدمون بالمقابل آراءهم وانتقاداتهم الشخصية أو المعبرة عن هيئاتهم السياسية والمدنية، بالطريقة التي يرونها ملائمة، وباللغة التي يحبونها أو يتقنونها، وأياً تكن الأهداف المعلنة أو الخفية.
من البديهي القول إن أي تنظيم سياسي حتى يكون قابلاً للحياة والتطور ينبغي له أن يكون منغرساً في الواقع بتفاصيله وجزئياته كافة، يحاول قراءتها، يؤثر فيها، ويتأثر بها، لذا يغدو من المهم أن يكون العقل الجمعي لأي مجموعة سياسية منفتحاً على التطور والتغير بشكل دائم، ومن دون ذلك تتحول إلى حالة متبلدة، معاقة ومعيقة في الآن ذاته، وإلى عبء على الواقع وبشره.
ولا شك أن أسباب تبلد القوى السياسية وتخثرها عديدة، منها: حضور الأيديولوجيا على حساب الواقع، وسيطرة رغبة عارمة في إلباس الواقع المتغير أيديولوجيات ماضوية من أي لون، وهي الحالة التي تتوافق مع نمط التفكير السلفي في الجوهر والمنهج، فالسلفية بالمعنى الواسع للكلمة هي كل نمط تفكير ينظر إلى الواقع والحاضر بالاستناد إلى معتقدات أنتجت في الماضي وتوقفت عن النمو، أو كل رؤية تعتقد بوجود عصر ذهبي في الماضي أو في خيالات الأيديولوجيا وأوهامها، وتريد فرض هذه الرؤية على الواقع وبشره، لذلك ليس من الغريب أن نجد سلفيات متنوعة، سلفية إسلامية وسلفية ماركسية وسلفية قومية وسلفية ليبرالية، ومنطق الواقع والتاريخ يقول إن السلفيات كافة تسهم في تزوير الواقع وإرادة البشر، وتنتج حلولاً وهمية لإشكالاته، فضلاً عن الارتباط الوثيق بين الانغلاق العقائدي والاستبداد السياسي.
لا يعني ذلك بالطبع أننا لا نحتاج إلى أوليات فكرية لدى كل اقتراب من الواقع بهدف تشخيصه واجتراع الحلول المناسبة لمشكلاته، بل على العكس، لا سياسة صائبة ومنتجة من دون الفكر، لكن الفكر ليس الأيديولوجية. الفكر هو عقل الواقع، أي الرؤى التي تتكون من خلال القراءة الدائمة للواقع وموجوداته وتغيراته، وهي القراءة التي تسمح أيضاً بنقد بديهيات ومبادئ ومرتكزات الفكر ذاته لتتوافق مع تغيرات الواقع ومنطق التاريخ، بينما الأيديولوجيا بشتى صنوفها تظل تجتر منطلقاتها ومرتكزاتها، وتعمل في كل لحظة على تطبيقها في الواقع الذي لا تراه ولا تبصر تحولاته.
ثمة خطر دائم يكمن في احتمال تحول الفكر إلى أيديولوجيا، بحكم عوامل عديدة، منها عامل “السلطة”، إذ يتحول الفكر معها إلى فكر السلطة، وتصبح المهمة المركزية هي الدعاية لفكر السلطة، وتحشيد وتعبئة البشر حوله، بدلاً من المهمة البديهية، أي قراءة الواقع، وإعادة إنتاج الأفكار والتصورات باستمرار استناداً إلى تغيراته. عامل آخر يتمثل في الكسل الفكري، والركون إلى زوادة الفكر المتوافرة، والاطمئنان إلى الحالة الفكرية القائمة، والشعور المثقل بعبء التغير أو الخوف منه.
الآلية الرئيسة لمنع تحول الفكر إلى أيديولوجيا هي النقد، وهذا معناه شرع الأبواب جميعها للنقد، من داخل وخارج الحزب، النقد من دون أي شروط أو صفات ملحقة على شاكلة “البناء” و”المفيد” و”الواعي”، فأهلاً بالنقد كيفما كان، وكيفما جاء، وليعلم الناقد أنه يقدم لنا أكبر خدمة، كي لا نتحول إلى كائنات أيديولوجية، عمياء وعاجزة.
رئيس التحرير
[email protected]
إن قراءة الواقع بصورة صحيحة هو الخطوة مهمة والاهم إيصال الصورة واضحة للعالم فالكلمة والصورة سلاح أيضاّ وقادر على تبديل معالم الموقف العالمي وتوضيح الرؤية لمن يختبئ خلف الخوف من التغيير .
“… لكن الفكر ليس الأيديولوجية. الفكر هو عقل الواقع، أي الرؤى التي تتكون من خلال القراءة الدائمة للواقع وموجوداته وتغيراته، وهي القراءة التي تسمح أيضاً بنقد بديهيات ومبادئ ومرتكزات الفكر ذاته لتتوافق مع تغيرات الواقع ومنطق التاريخ…”
لكن هذه القراءة للواقع، والتي يناط بها أيضا نقد مباديء ومرتكزات الفكر ذاته.. هذه القراءة تحتاج إلى أسس ومرتكزات، ولا تأتي من فراغ، كيف نصل إلى أن نقرأ بعقل نقدي حر واع حتى نفهم الواقع كما هو وننقد مباديء ومرتكزات الفكر ذاته؟؟ القراءة بهذه المواصفات، والتي يطلب منها مثل هذه الإنجازات، تحتاج إلى تأسيس سليم… كلنا يقرأ ويفهم ويحلل عبر عقل ساهمت بصناعته سنوات طويلة مزدحمة بالتجارب والخبرات والأحداث والأشخاص والقراءة والإعلام…كل ذلك يشكل الأساس والخلفية التي نقرأ ونفهم من خلالها… كيف نصحح التشوهات التي لحقت بعقولنا عبر تاريخنا كبشر، والتي، بلا شك، ستؤثر على طريقتنا في القراءة وفي فهم وتحليل ما نقرأ؟؟