سادساً: الديمقراطية

1- الحاجة إلى إطلاق حوار جديد حول الديمقراطية
هل يكفي زوال سلطة ما، ومجيء أخرى غيرها، لتصبح الديمقراطية واقعاً ملموساً في الدولة والمجتمع؟ أم أن الثقافة السائدة، بطبيعتها الراهنة ومرتكزاتها وعناصرها، عند النخبة وفي المجتمع، هي ثقافة مولِّدة للاستبداد، ولا تقي من ظهور استبدادات أخرى في السطح السياسي؟
الشواهد على ذلك كثيرة، وفي مستويات متعدِّدة، داخل الأحزاب السياسية، وفي علاقة الأحزاب ببعضها بعضاً، وحتى في حوارات المثقفين، وفي الموقف من الآخر والمرأة والطفل… إلخ.
ألا يحق لنا أن نتساءل حول الأرضية التي تقف عليها المعارضات السياسية، في طول المنطقة العربية وعرضها، في معارضتها للسلطات القائمة ومطالبتها بالديمقراطية، إذا كان الوضع الحالي يشير إلى أنه لا فروق جوهرية، في الرؤى والمنطلقات، بين من يحكمون ويمسكون بزمام الأمور، وبين من لا يحكمون؟
الممارسات والمواقف الواقعية تجعلنا نتجرّأ على القول إن الفارق الوحيد هو امتلاك وسائل القوة والقدرة على القمع، فإذا ما توافرت هذه الوسائل، فلا مكان عندها للآخر والديمقراطية.
كثرة الحديث عن الديمقراطية لا تعني بالضرورة وجود إيمان عميق بها، فكثيرون يطمحون إلى لعب دور الحزب الوحيد أو الحزب القائد، وتأتي الديمقراطية – كما يظهر في الممارسة – كشكل من أشكال أو عمليات تجميل البرامج السياسية. بهذه المعاني والدلالات، تكتسب إعادة فتح الحوار حول الديمقراطية والتحول الديمقراطي أهمية كبرى.

2- الديمقراطية: من الأمنيات إلى الإنجاز
تفتقر كل دعوة للديمقراطية لمحاولات بسطها في واقع معين وزمن محدد، والسائد هو لغة الدعوة والسحر، في مقابل أن ما نحتاجه هو منطق الواقع. يمكن تسمية البسط الواقعي المطلوب باستراتيجية التحول الديمقراطي، التي تنطلق من القيم الديمقراطية العالمية وتحاول بسطها في واقع وزمن محدَّدين. تنطلق من الأسس العامة وترسم خطة عملية وزمنية في الواقع الذي تعالجه، لتقوم بإنتاج تجربة ديمقراطية تشترك في أسسها العامة مع الدول والمجتمعات التي عرفت النظام الديمقراطي، وتختلف عنها ببعض الخصائص التي يفرضها الواقع القائم والبشر وتوازنات القوى ودرجة التقدم والمستوى الاقتصادي في الدولة أو المجتمع المعني.
الانتقال من حيز الدعوة الديمقراطية إلى حيز بسط الفكرة الديمقراطية يتطلب الانتقال على الصعيد الثقافي من الأيديولوجية إلى الفكر والمعرفة. الدعوة الأيديولوجية لا تتجاوز منطق التبجيل والرؤية السحرية والمعجزة. تماماً كما كانت الدعوة الاشتراكية أو الدعوة القومية في السابق. فالديمقراطية في خطاب الدعوة هي الدواء الشافي من كل داء، وهي مفتاح لحل جميع المشكلات والمعضلات، وهي الفكرة المعجزة التي ستنقلنا من حال التردي إلى عصر ذهبي متخيل. أما لغة الفكر فتتجاوز منطق الدعوة إلى دراسة الواقع واتجاهاته وميوله وإمكانياته، وتأخذ في الاعتبار البشر وطاقاتهم وأفكارهم والعقبات القائمة والآليات المناسبة، ولا تنظر إلى الخيار الديمقراطي بمنطق الحتمية العلمية أو التاريخية. الأيديولوجيا تبحث دوماً عن مناضلين وأنبياء مخلصين للفكرة ويضحون بحياتهم من أجلها، بغض النظر عن الواقع، فيما الفكر يبحث عن بشر واقعيين، وعن ممكنات واقعية، واستراتيجيات، ومراحل، وسياسيين يؤمنون بالتدرج والتفاوض والتسويات.

3- اختزال الديمقراطية وتسطيحها
غالباً ما طرحت الديمقراطية منزوعة عن جذورها الفلسفية، لتتحول في الغالب الأعم إلى محض آلية انتخابية عددية مفرغة من مضمونها الحداثي، وقد وجدت النسبة الأكبر من النخبة في هذا المنحى الاختزالي والانتقائي، مخرجاً للتنصل من مرتكزات الثقافة الديمقراطية وعناصرها، متجاهلة أن الديمقراطية ليست مجرد صيغة للحكم، بل هي أولاً ثقافة، وإن تبسيطها وتسطيحها إلى مجرد آليات شكلانية فوقية من شأنه أن يمنع أي تغيير حقيقي في الأوضاع السائدة. فالانتقال من نظام شمولي أو استبدادي إلى نظام ديمقراطي لا يحتاج فقط إلى إصلاحات أو تغييرات سياسية ودستورية، وإنما في الأساس والأهم إلى نهضة ثقافية، لذلك لا تكمن وظيفة النخبة الثقافية والسياسية في ممارسة أدوار ومواقف سياسية فحسب، بل تكمن أولاً وأساساً في إعادة تأهيل فكرها وممارساتها لتتوافق مع القيم والمبادئ الديمقراطية، وثانياً القيام بدورها في تعميم الثقافة الديمقراطية في المجتمع، لأن الديمقراطية في الأساس ظاهرة مجتمعية، فهي نظام للمجتمع إلى جانب كونها نظاماً للدولة.
من الصعب، كما هو موجود لدى قطاع من النخبة، القبول بالآليات الديمقراطية في المستوى السياسي، والتخلي عنها في الثقافة والعلاقات المجتمعية، إلا إذا كنا مغرمين بهذه الحالة الفصامية السائدة في الفكر والسياسة. هذه الفصامية تزيد من ظلامية الصورة الواقعية، فالمعارضات السائدة لا تواجه السلطات الشمولية والمستبدة من مواقع ديمقراطية حقيقية، بل تقف على الأرضية ذاتها التي تعطي للسلطات مشروعية الحكم والاستمرار، هذا إذا لم ترتكز أجزاء منها أو تنطلق من منطلقات مذهبية وطائفية.
إذا كانت الرؤية الاختزالية خطيرة في الفكر والواقع، فإن الرؤية السحرية والخلاصية للديمقراطية أخطر، لأنها تتحول آنذاك إلى مجرد شعار أو إلى أيديولوجية بديلة للأيديولوجيات الأخرى، ويكفي أن نصدح بها حتى تحل جميع الإشكاليات والعقبات ونقيم الجنة على الأرض.

4- معنى الديمقراطية والنظام الديمقراطي
الديمقراطية نظام اجتماعي اقتصادي سياسي يقيمه لنفسه شعب من الأحرار أومن المواطنين الأحرار، وهذا النظام ليس غربياً خالصاً، كما تدعي المركزية الأوربية التي تتجاهل وحدة العالم، وكونية الروح الإنساني، كونية العقل، وتضفي على الحضارة والتمدن طابعاً غربياً صرفاً، كأن التاريخ قد بزغ هنالك للتو، وكأنه يمكن أن يكون هناك غرب بلا شرق أو شمال بلا جنوب. الديمقراطية إنجاز غربي، لكنها أيضاً محرز إنساني عام، وتنبع عموميته من كونية العقل ووحدة التاريخ العالمي وكلية الكائن الإنساني، ونرى أن تجارب الديموقراطية المحققة في التاريخ تنطوي كل منها على عنصر عام يمكن أن يتكرر في تجارب أخرى.
المعنى العميق للنظام الديمقراطي هو أن لا أحد في المجتمع يملك الحقيقة السياسية، أي ما يصلح وما لا يصلح لخير المجتمع وسعادته، فالحقيقة السياسية ينتجها الجميع، وهي بالأحرى حقيقة توفيقية يصطلح عليها مؤقتاً بانتظار نتائج التجربة وتغير الأوضاع.
النظام الديمقراطي شرط لازم لأنسنة الحياة الاجتماعية، لتحرير الإنسان من جميع أشكال الاستلاب. إذ لا ديمقراطية ممكنة إلا إذا كانت المساواة حاضرة بمعانيها القانونية والفلسفية والأخلاقية. لا يمكن أن تقوم ديمقراطية بلا مساواة سياسية، هي المقدمة اللازمة أو الضرورية للمساواة الاجتماعية. ولا قيمة للمساواة إلا بالتلازم مع الحرية، أي لا قيمة للمساواة في ظل الاستبداد الذي هو إعادة إنتاج للعبودية بشكل أو بآخر. في النظام الديمقراطي، المواطنون متساوون لأنهم كل شيء، أما في نظم الاستبداد فهم متساوون في كونهم لا شيء. الحرية في أحد معانيها، هي عدم الخضوع إلا لحكم القانون وحده، والديموقراطية، من هذه الزاوية، هي الخضوع للقانون مع المساواة.

5- الثقافة السائدة والثقافة الديمقراطية
يمكن القول بوجود وحدة عامة في الثقافة السياسية عند أغلب المعنيين بالفعل العام من مثقفين وسياسيين، على الرغم من الاختلافات الظاهرة في الأهداف والتوجهات السياسية. العناصر الاساسية في هذه الوحدة، أي العناصر المشتركة، هي التي تصوغ رؤى ووجدان الجميع، بما يجعل التباينات بين هذه المستويات محدودة أو قليلة الأهمية، أو شكلانية لا تطال الجوهر والأساس المحرك.
حصيلة ذلك هي وجود خط عام مشترك ناظم للرؤى والأفكار والارتكاسات في السلطات والمعارضات والمجتمعات والحيزات الثقافية، وللأسف فإن جميع عناصر هذا الخط الناظم لهذه المستويات لا تنسجم مع الثقافة الديمقراطية.
إشكالية ضعف الثقافة الديمقراطية في المجتمع العربي إذاً ليست إشكالية هذا التيار أو ذاك، أو إشكالية حزب سياسي بعينه، أو إشكالية أيديولوجية ما دون الأيديولوجيات الأخرى، أو إشكالية سلطات مستبدة فحسب، بل هي إشكالية عامة، أو داء عام يطال جميع التيارات والأيديولوجيات والأحزاب. إنها بالأحرى إشكالية مجتمع، وثقافة سائدة مضادة للقيم والمبادئ والآليات الديمقراطية.
يفتقر البنيان الأيديولوجي للتيارات والأحزاب كافة إلى القيم التي تتوافق مع الديمقراطية، ويسود بدلاً عنها قيم مضادة وطاردة للمبادئ والأسس الديمقراطية، لا سيما ما يبرز في الثقافة السائدة من قيم إنكار الفرد وعدم الاعتراف بالآخر، وشيوع العنف كناظم للعلاقات السياسية والاجتماعية على حد سواء. إن الضعف القاتل في ثقافتنا السائدة، من زاوية الديمقراطية، يكمن في تضافر وتكامل ثلاثة عناصر، نجدها في جوهر وأساس كل موقف أو سلوك أو رأي غير ديمقراطي.
العنصر الاول هو إنكار الفرد وضمور مفهوم الإنسان كقيمة عليا، لصالح نمو حالة “كتلية” أو “جماعية” أو “بطريركية”، وهذه تتوافق مع التكوينات العشائرية والقبلية السائدة، وتنمي حالة “جماهيرية” في السلوك السياسي، بارتكازات غرائزية وانفعالية وحادة إزاء الأحداث والظواهر والتغيرات. ولا يقتصر ذلك على الساحة المجتمعية، إنما ينسحب على المظاهر الحديثة من التجمعات، كالأحزاب السياسية والمنظمات المدنية، وغيرها، حتى إننا نكاد لا نفرق سلوك حزب سياسي ما، أو منظمة حقوق إنسان معينة، عن سلوك تلك التكوينات العشائرية والقبلية.
العنصر الثاني هو إنكار الآخر ورفضه، والرغبة في إنكار وجوده وإلغائه. الآخر على خطأ دائماً وأبداً. هذا العنصر يرتبط، على ما يبدو، بتاريخنا القديم حول “الملة الناجية”، ففريق واحد هو على الطريق القويم، أما بقية الفرقاء فهم في النار.
فالسلطات مثلاً تضع معارضيها في السجون، والأيديولوجيات جميعها، قومية وإسلامية وماركسية وليبرالية، لا يأتيها الباطل من أمامها أو خلفها، والحقيقة عند الجميع واحدة وثابتة، وهذا يفسر في كثير من الاحيان فشل أغلب التحالفات والتجمعات السياسية، فكل حزب يريد للتحالف أو الائتلاف أن يكون على صورته، وكل أيديولوجية تنزع نحو فرض رؤيتها في كل موقف وحركة.
العنصر الثالث هو شيوع العنف في الحياة الاجتماعية والسياسية على حد سواء، فالنزعة لإنكار الآخر والنزعة المضادة للتعددية في ثقافتنا، تجدان امتدادهما في النزعة إلى العنف والرغبة بتحطيم الآخر بأشكال ووسائل عديدة، سواء عبر زج المعارضين في السجون وممارسة الاقتلاع السياسي لأصحاب الرأي المختلف، أو عبر حجب المشروعية عن الآخر، أو بواسطة الاستئصال البدني.

هذه العناصر الثلاثة في الثقافة السائدة متداخلة ومترابطة، وتشكل وحدة ثقافية متماسكة، لكنها معيقة ومضادة بالتأكيد لنمو القيم والمبادئ الديمقراطية. بينما تنهض الثقافة الديمقراطية على عناصر ومستويات نقيضة لما هو موجود أو سائد في ثقافتنا. الثقافة الديمقراطية تعترف بكينونة الفرد وأولويته واستقلاليته، وجدارته بحقوق لصيقة به كإنسان، وتقر له بحقوق ووظائف وأدوار مكتسبة له كمواطن، لذلك تجعل من حماية حقوقه وضمان الوفاء بها إحدى أهم وظائف الدولة الديمقراطية. الديمقراطية هي ابنة الفلسفة الفردية، فعندما يغيب الفرد، ويضمر مفهوم الإنسان، نكون أقرب ما يكون إلى الحالة “القطيعية”. الدكتاتوريات والأصوليات والأيديولوجيات، جميعها تمحو الفروق بين الأفراد لصالح ما يسمى، مكراً أو جهلاً، “المساواة”، التي لا تعني في هذا المضمار إلا “التسطيح” و”التسوية”، أي إذابة الفروق وتجميع أو صهر الإرادات في سلوك جمعي قطيعي واحد: كتل بشرية هائمة تنحو في لحظة ما باتجاه واحد، تشجب، تندد، تبكي، تولول، تصرخ، جموع بشرية هائلة تشكل رصيداً وخزاناً دائماً لإنتاج الاستبداد والتطرف والعدمية والفوضى.
تقوم الثقافة الديمقراطية على مشروعية التنوع والاختلاف وعلى نسبية الحقيقة واحتمال خطأ الذات، فالسلوك المستند إلى هذه الثقافة يعبر عن نفسه في الاعتراف بالآخر واحترام حريته وحقوقه والقبول به كما هو، وكما يريد أن يكون. لذلك يحضر فيها بقوة مفهوم الشعب بوصفه شعب الاختلاف، لا الجمهور الواحد المنصهر والمندمج، وتقوم فيها الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية على فكرة الأحزاب المختلفة، المصالح المختلفة، الآراء والخيارات المختلفة، صراع المصالح والاحتمالات والأفكار في ظل سيادة قانون عام يشارك فيه الجميع بشكل أو بآخر. كما تنمي الثقافة الديمقراطية النزعة للتنظيم وبناء مؤسسات تتمتع بحركية داخلية وخارجية (نقابات، جمعيات،…)، مختلفة عن مؤسسات الثقافات غير الديمقراطية التي غالباً ما تنشأ على تقسيمات عمودية، وتكون ثابتة وجوهرية.
الثقافة الديمقراطية تفاوضية بطبيعتها، وثمة استقرار نسبي لمبدأ التسوية السلمية للمنازعات والصراعات، فهي تشجع من دون حدود التفاوض وإعادة التفاوض وصولاً إلى التوافق والحلول الوسط. النقيض لهذا المبدأ هو حضور العنف في السياسة والمجتمع، وحالة حرب الجميع ضد الجميع. فالمواقف السياسية المستندة إلى قاع ديمقراطي لا تتبع قانون “الكل أو لا شيء”، إما أن نكون مع هذا الطرف جملة أو تفصيلاً، وإما أن نكون مع ذاك الطرف في المطلق. المواقف الديمقراطية تفصيلية، وتنحو بعيداً عن الرؤى الكلانية والتصنيفية.
لذا يمكن القول أن السيرورة الديمقراطية تتوقف على جملة من العوامل، لعل من أهمها إعادة بناء مفاهيم الأمة والوطنية/القومية والدولة القومية على أسس جديدة مغايرة لمرتكزات الثقافة الاستبدادية. وهذا العامل الثقافي لا يقل أهمية عن العوامل المادية الأخرى الدافعة باتجاه الديمقراطية.

6- الديمقراطية والحداثة الليبرالية
الديمقراطية ليست هدفاً وطريقاً وأداة في العمل السياسي فحسب بل هي أيضاً موقف في نظرية المعرفة. لذا فإن الديموقراطية من دون الحداثة، قد تتحول إلى استبداد الأكثرية بالمعنى الإثني أو الطائفي .بمعنى آخر، الديمقراطية ليست مجرد شكل سياسي وعلاقة خارجية بين الحاكم و المحكوم، بل هي تتضمن الحداثة الليبرالية وتتخطاها معرفياً وتاريخياً.
فالديمقراطية، كما يقول إلياس مرقص، هي الليبرالية مضافاً إليها مفهوم الشعب، وهو غير النزعة الشعبوية، هو مفهوم سياسي بامتياز يشكل حداً على الحداثة الليبرالية، ويمنع تحولها إلى أوليغارشية نخبوية، كما أن الحداثة الليبرالية تشكل حداً على الديمقراطية، وتمنع تحولها إلى مسار لطغيان جماهيري. الديمقراطية هي موقف اعتراف بجماهير هي كتل كبيرة ومهمشة ويجب أن تتحول إلى ذات تاريخية وسياسية .
كما ينبغي عدم الانجرار وراء الليبرالية التي خفضت إلى حرية المشروع الاقتصادي وحرية السوق، والتي يجري تصديرها إلينا اليوم في صيغة ليبرالية اقتصادية جديدة قطعت كل علاقة كانت تربطها بجذورها النهضوية التنويرية الإنسانوية، وأصبحت غطاء للظلم ولعدم التكافؤ والهيمنة.

7- الديمقراطية والمجتمع المدني
الديمقراطية هي مضمون الدولة الوطنية الحديثة التي يشعر جميع مواطنيها بالانتماء إليها، ويحترمون قوانينها ويدافعون عنها، وإذا لم تفهم الديمقراطية على أنها المضمون السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي للوطنية، فإنها تتحول إلى مجرد آليات ديمقراطية شكلانية. إن بناء المجتمع المدني يمثل عملية تطور الديمقراطية ذاتها، والديمقراطية هي الفضاء الطبيعي الذي يتيح للمجتمع المدني أن يعيش وينمو ويتطور.
ثمة ترابط جدلي بين العمل من أجل التحول نحو مجتمع مدني وبين بناء الدولة الوطنية الحديثة/الدولة الديمقراطية، أي أن التحول نحو مجتمع مدني يمثل عملية تطور الديمقراطية ذاتها وعملية بناء الدولة السياسية (دولة الحق والقانون)، إذ لا وجود للمجتمع المدني خارج إطار هذه الدولة الديمقراطية، وبالمقابل يشكل المجتمع المدني البيئة المناسبة التي تنمو فيها الديمقراطية وتتطور مؤسساتها وآلياتها.

30 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *