

شكراً لاهتمامكم بالتبرع لدعم نشاطات الحزب، حيث يقبل الحزب التبرعات المالية الغير مثقلة بأي شروط مهما كان نوعها ومستواها.
لمزيد من المعلومات ، يرجى التواصل مع رئيس المكتب المالي على البريد الالكتروني [email protected]
كما يمكنكم التواصل مع الرئيس التنفيذي للحزب على العنوان [email protected]
أطيب التحيات.
شكراً لاهتمامكم بالتبرع لدعم نشاطات الحزب، حيث يقبل الحزب التبرعات المالية الغير مثقلة بأي شروط مهما كان نوعها ومستواها.
لمزيد من المعلومات ، يرجى التواصل مع رئيس المكتب المالي على البريد الالكتروني [email protected]
كما يمكنكم التواصل مع الرئيس التنفيذي للحزب على العنوان [email protected]
أطيب التحيات.
1- نشوء مفهوم المجتمع المدني
المجتمع المدني، بما ينطوي عليه من دلالات ثقافية وسياسية اقتصادية واجتماعية وأخلاقية، ظاهرة أوربية المنشأ، رافقت بزوغ البرجوازية كطبقة صاعدة على أنقاض النظام الإقطاعي، ولا يمكن فصلها عن التحولات العميقة التي طالت بنى المجتمع في مستويات الاقتصاد والإنتاج، كما في مستويات الثقافة والفكر والفلسفة، وذلك منذ البواكير الأولى لعصر الأنوار وما قدمه من رؤية وتصور جديد للعالم والتاريخ والطبيعة.
خلال صيرورة النمو هذه، ومع نمو ظاهرة الإنسان/الفرد، تشكلت منظومة فكرية فلسفية سياسية واسعة ومتماسكة، تضم إلى جانب مفهوم المجتمع المدني: الإنسان، المواطن، الأمة، الشعب، العلمانية، العقلانية، الديمقراطية، المواطنة، الدولة الحديثة، الرأي العام، الانتخابات، الوطن، المشاركة السياسية، المساواة أمام القانون، الشرعية الدستورية…إلخ، ليصبح من الاستحالة النظرية والعملية التعامل مع أي من هذه المفاهيم دون الأخرى.
المجتمع المدني هو التجسيد العياني للأمة، ولنقل هو الواقع المادي الكثيف للأمة، والأمة هي تجريده المثالي، أو تعبيره الثقافي، أي التعبير النظري عن وحدته التناقضية؛ وفي التجريد المثالي والتعبير الثقافي كليهما تختفي أو تكاد تختفي الفروق والتعارضات الملازمة للكينونة الاجتماعية، أو للوجود الاجتماعي المباشر. المجتمع المدني هو مجتمع الشغل والإنتاج، وميدان التعاون والتآزر والتنافس والتنازع، والمصالح المتعارضة للطبقات أو الفئات الاجتماعية، وما ينجم عنها من علاقات وتنظيمات اجتماعية، والثقافة التي تعبر بها هذه الفئات عن نفسها والطرائق والأساليب التي تعبر بها، والقيم والمعايير التي تتبناها.
2- الدولة الوطنية والمجتمع المدني
ثمة تلازم منطقي وتاريخي بين الدولة الوطنية الحديثة والمجتمع المدني، فهما طرفان جدليان لا يقوم ولا يستقيم أي منهما إلا بالآخر. وبمعنى ثانٍ هناك اتصال وانفصال في آنٍ معاً بين الدولة والمجتمع المدني، فاستقلالية المجتمع المدني عن الدولة هي استقلالية نسبية وليست مطلقة وميكانيكية. الدولة السياسية، باعتبارها أهم معالم الحداثة في مستواها السياسي، هي شكل الوجود السياسي للمجتمع، أو هي التعبير القانوني / الحقوقي للأمة بمعناها الحديث الذي يحيل على المجتمع المدني. لذلك يرتبط المجتمع المدني بالمجتمع السياسي (الدولة) ارتباط المضمون بالشكل والحرية بالقانون، على اعتبار أن المجتمع المدني هو فضاء الحرية والدولة هي مملكة القانون. المجتمع المدني مشروط إذاً بالدولة الوطنية، تماماً كما الحرية مشروطة بالقانون، وبتعبير أوضح لا وجود للمجتمع المدني دون وجود دولة وطنية، إذ لا حرية دون سيادة القانون.
المجتمع المدني، سواء في حقل النظرية الفلسفية، أو في حقل التاريخ الاجتماعي الواقعي، يتضمن التعدد والاختلاف والتناقض والتنازع، وهو أيضاً ميدان الصراع الطبقي والمواجهات بين المصالح الاقتصادية المختلفة، في حين تتضمن الدولة الحق والوحدة والانسجام، لذلك كانت هذه الثنائية الجدلية (دولة وطنية – مجتمع مدني) حلاً موفقاً للجدل والتوتر الدائم بين النظام والحرية، أو بين القانون والتعددية.
من جهة ثانية المجتمع المدني هو مجتمع العمل والإنتاج الذي ينتج الطبقات والفئات الاجتماعية والمصالح المتعارضة، وما ينجم عن كل ذلك من علاقات وتنظيمات اجتماعية وعلاقات متبادلة وإنتاج ثقافي وقيم ومعايير مختلفة، وهو لكل ذلك ميدان التلاقي والتعاون والتنافس، أما الدولة فهي تمثل المصلحة العامة أو العمومية.
لذلك تصبح الوظيفة الأساسية للمجتمع المدني لَجْم الدولة حين تحاول الخروج عن مسار دولة القانون والمؤسسات ومواجهة محاولات سلطة ما لاحتلال كل الفضاءات في الدولة والمجتمع، والضغط عليها لإيجاد الحلول للتشوهات والانتهاكات التي قد تنجم في بعض الأحيان عن ممارساتها والمنطق التعسفي لها. في حين تصبح وظيفة الدولة الحفاظ على المصلحة العمومية وعلى طابعها العام المشترك وعلى صوغ العلاقات القانونية والمحافظة على بقاء جميع مؤسساتها مؤسسات وطنية عامة. فالدولة الوطنية هي التي تعبر عن الكل الاجتماعي، دولة الحق والقانون، التي يكون فيها القانون ذاته ضامناً أساسياً للحرية، وتغدو الحرية مضمون هذا القانون وغايته.
3- منظمات المجتمع المدني وعلاقتها بالدولة
إن جميع التعاريف الإجرائية لمنظمات المجتمع المدني لا تستنفد معاني ومدلولات وتعيينات المجتمع المدني. لذا من الضروري أن نميز بين مفهوم المجتمع المدني وشبكة الجمعيات غير الحكومية، فالمفهوم في دلالاته التاريخية والاقتصادية والسياسية وارتباطاته الفلسفية بالمفاهيم الأخرى، أوسع من أن يستنفد في شبكة من الجمعيات والمنظمات. لكن يمكن القول إجرائياً وعملياً إن المجتمع المدني هو جملة القنوات والمسارب والتنظيمات والجمعيات والمؤسسات التي يعبر فيها ومن خلالها المجتمع الحديث عن مصالحه وغاياته، وتتكون بشكل طوعي واختياري، وتعمل في استقلال نسبي عن الدولة بمؤسساتها وأجهزتها (الجيش، الشرطة، الأمن….)، ولذلك فهو يحتوي على الأيديولوجية بمكوناتها المتعددة (الفلسفات، الثقافة، الدين، الحس المشترك…)، وعلى الأشكال المختلفة من الروابط الحديثة (الأحزاب السياسية، النقابات والنوادي والاتحادات، الهيئات الثقافية، الحركات الاجتماعية، غرف التجارة والصناعة، التنظيمات الحرفية والمهنية، الجمعيات التعليمية والصحية، الجمعيات التي تعنى بشئون البيئة والمرأة والشباب والطفل وحقوق الإنسان…إلخ)، وهذه التنظيمات التطوعية تنشأ لتحقيق مصالح أعضائها أو لتقديم المساعدات والخدمات للمواطنين أو لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة، أو للدفاع عن المجتمع في مواجهة الطغيان والتغول المحتملين للدولة، وهي تلتزم في وجودها ونشاطها بقيم ومعايير الاحترام والتسامح والمشاركة والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف من خلال التفاوض والتحكيم والتراضي والمساومة والتصويت والانتخابات.
يمكن القول بالتالي إن أهم خصائص ومميزات تنظيمات المجتمع المدني هي:
1- الطوعية أو المشاركة الاختيارية الحرة، وهي تميزها عن مختلف التكوينات والروابط الاجتماعية المفروضة أو المتوارثة في المجتمع التقليدي أو المجتمع الديني (وليس المجتمع المتدين، ذلك أننا نجد مجتمعات مدنية سكانها متدينون)، وعن تلك المبنية على التراتبية والطاعة العمياء والانضباط الصارم في المجتمع العسكري (الجيش)، لذلك تكون العلاقات في المجتمع المدني أفقية، وليست رأسية أو عمودية مثل العلاقة بين شيخ العشيرة وأتباعه، أو بين الأجير والمؤجر، أو بين الضابط والعسكري، أو بين رجل الدين ومريديه، أو بين رئيس الحرفة والصانع.
في منظمات المجتمع المدني تلتقي الحرية الفردية مع الحياة الجمعية، فمن جهة لكل فرد الحق في أن يدخل أو يترك أية رابطة من الروابط التي يشارك فيها طوعاً، ومن جهة ثانية يشكل الانتماء لجمعية ما شكلاً من أشكال تجاوز المفهوم السلبي للفردية. لعل من أهم التطورات التي يقدمها المجتمع المدني هي العلاقة بين الفرد والمجتمع، انطلاقا من قاعدة ترى في تطور وازدهار حرية الفرد أمرا لا يتعارض مع الجماعة، فالجماعة الصحية هي تلك التي تتيح لأفرادها أوسع قدر من الحرية، في الوقت الذي ترى فيه أنه لا وجود لجماعة صحية تعامل أفرادها كرعايا أو كأرقام لا حول لها ولا قوة.
2- الاستقلالية النسبية عن الدولة، وهي ما تسمح بتكون رأي عام غير رسمي، أي لا يخضع لسلطة الدولة، فهذه المنظمات تختلف عن تلك الموجودة في المجتمع السلطوي أو في المجتمع الشمولي الاستبدادي، حيث البشر لا رأي لهم.
3- المؤسسية، العمل المؤسسي هو أحد مميزات تنظيمات المجتمع المدني، ويشير إلى علاقات تعاقدية حرة في ظل سيادة القانون.
4- التخصص المرتبط بالغاية والدور، إذ تتشكل هذه التنظيمات حسب الميول والرغبات والأهداف والمصالح.
إن هيئات المجتمع المدني هي مؤسسات ذاتية التأسيس والاشتغال، وحينما تفقد أي مؤسسة استقلاليتها عن الدولة، فإنها تفقد بذلك العنصر الجوهري الذي يميز المجتمع المدني، لكن استقلال المجتمع المدني عن الدولة لا يعني بالضرورة أنه نقيض أو خصم لها، أو لا توجد بينهما أي صلة، وإنما تعني أن علاقته بها لا تتسم برابطة التبعية، وعندما تكون هناك أعمال مشتركة تساهم فيها الدولة والمجتمع المدني في نفس الوقت، فإن طبيعة العلاقة في هذه الحالة تكون مبنية على الشراكة والتعاون. بالمقابل، فإن انفصال الدولة عن المجتمع المدني يعني استقلال الدولة عن المصالح الطبقية أو الفئوية أو المحلوية، أو حيادها إزاءها، وحيادها إزاء الدين وإزاء المذاهب الفكرية والنظريات السياسية، وهذا ما يمكنها من أن تكون أداة لتنظيم التعارضات الاجتماعية والصراعات الطبقية وإدارتها. وهذا يعني في المآل أن هذا الانفصال أو الاستقلال ليس انفصالاً ميكانيكياً، ولا استقلالاً مطلقاً، بل هو بالأحرى ما يجعل من الدولة والمجتمع المدني قطبين جدليين في وحدة تناقضية.
4- المجتمع المدني والمجتمع الأهلي
لعل أكثر الالتباسات شيوعاً تلك التي تحاول الموازاة بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي. السبب في ذلك ربما قرب تعبير المجتمع المدني من الخبرة أو التجربة العربية التي عرفت “المجتمع الأهلي”، بالإضافة للإيحاءات الدينية الإسلامية لهذا الأخير.
تشتمل علاقات المجتمع الأهلي على السمات التي تميز المجتمعات التقليدية، من عائلية وعشائرية وقبلية وطائفية، كما تنطوي على التراتبات الاجتماعية الكلاسيكية التي تنظم وتضبط العلاقات بين البشر، وهي علاقات اجتماعية تراتبية قسرية تستند إلى روابط القرابة والدم. المجتمع الأهلي أو المجتمع الطبيعي العضوي يقوم أساساً على الروابط والعلاقات الموروثة أو الأولية (العلاقات العضوية أو رابطة الدم) التي ينتمي إليها الفرد لحظة ولادته من دون توافر حرية الاختيار. وهذا يسمح بالقول إن المجتمع الأهلي هو تراصف جماعات إثنية ودينية ومذهبية مغلقة ومتحاجزة ومتفاصلة كالزيت والماء، وتبني فيه هذه الجماعات علاقات تناحرية وتنازعية على السلطة والثروة استناداً لموازين القوى القائمة، ولا يشكل مجموعها أمة أو شعباً، ولا تنتج من علاقاتها المتبادلة دولة.
يضاف لأشكال التماسك الاجتماعي هذه أيضاً روابط أخرى كانت تجمع أهل الحرف والمهن، وتنظم العمل والعلاقات داخل قطاع الإنتاج الحرفي الذي عرفته مدن عربية عديدة في فترات متباينة من تاريخها، فالانتظام الحرفي (أو ما يسمى الطوائف الحرفية) اعتمد تراتبية مماثلة للروابط التقليدية القرابية، ابتداء من “المريد” إلى “الصانع” إلى “المعلم” إلى “شيخ الحرفة” إلى “شيخ السوق”، وهذه المراتب تقوم على أعراف وطقوس وأخلاقيات تميز بين مرتبة وأخرى في المعرفة والقيمة، أي وفقاً لدرجات تحصيل أو معرفة “سر المهنة”.
تميز المجتمع الأهلي عبر التاريخ باستقلال نسبي عن الدولة التقليدية التي كانت قائمة في فترة السلطة العثمانية، مما سمح له القيام بأدوار التنظيم الاجتماعي، كتقديم بعض الخدمات التعليمية الدينية وبعض الخدمات الصحية والاجتماعية من خلال مؤسسات متجذرة في التاريخ، كالزكاة والوقف والزوايا الدينية والتكايا والمستشفيات. هذا الاستقلال النسبي وتلك الأدوار التي قام بها عبر التاريخ سمحت للبعض بالقول إن في تاريخنا ما يوازي المجتمع المدني الذي نشأ في الغرب.
هذا التشابه في الشكل وبعض الوظائف بين المجتمع الأهلي والمجتمع المدني لا يعني التطابق ولا يبرر التماثل بينهما، فالمجتمع المدني يتجاوز المجتمع الطبيعي العضوي، وينتقل بالروابط إلى مستوى العلاقة السوسيولوجية، إذ تحل الروابط المدنية الحديثة (الطبقة، الحزب، الثقافة، النقابة، الجمعية… إلخ) محل رابطة الدم العضوية، وتنبني هذه الروابط على الإرادة الطوعية والاختيار الحر. من هنا تختلف منظمات المجتمع المدني عن منظمات المجتمع الأهلي في كونها تقوم على مبدأ “المواطنة” والولاء للوطن كانتماء أساسي، وكبديل للانتماءات التقليدية التراتبية بأشكالها المختلفة.
على الرغم من التمايز المعروف بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي، فإن هذا لا يفترض خلق علاقة تضاد محتومة بينهما، فانغلاق مؤسسات المجتمع الأهلي وعصبويتها يعودان أساساً للسلطة الاستبدادية وممارساتها التي منعت تطورها وانفتاحها، بالإضافة إلى أن المطلوب من نشطاء المجتمع المدني هو النفاذ إلى البنية الاجتماعية، وليس تحويل المفاهيم الحديثة (المجتمع المدني، الديمقراطية..) إلى شعارات أيديولوجية يجري بناء عليها تصنيف البشر وإقصاؤهم.
5- المجتمع المدني والدين
في المجتمع المدني يعاد بناء الانتماءات الأولية (كالانتماء إلى أسرة معينة أو إلى دين محدد أو إلى جماعة إثنية أو لغوية أو ثقافية) من جديد، وهذا أمر طبيعي، فالانتماءات الجديدة (أي الانتماء إلى الوطن أو الدولة السياسية أو المجتمع المدني أو الأمة) تحتوي الانتماءات السابقة وترتقي عليها، بحكم أنها انتماء للكل الذي يكسب الانتماءات الجزئية مضامين جديدة غير معيقة للتطور.
المجتمع المدني هو مجتمع تتاح فيه الحرية لجميع الأديان والمذاهب والأيديولوجيات في التعبير عن نفسها والفعل والتأثير، لكن تبقى دولته السياسية محايدة تجاه الجميع، وتستمر معبرة عن الكل الاجتماعي، الأمر الذي يسمح لنا بالاستنتاج أن المجتمع المدني لا يلتقي أو يتوافق مع دولة الاستبداد وحكم الفرد ودولة الحزب القائد للدولة والمجتمع ودولة العشيرة ودولة الفئة أو الطغمة سواء أكانت دينية أم علمانية.
لا يعارض المجتمع المدني الدين أو المتدينين، لكنه يعارض سلطة رجال الدين، ولا يتوافق مع دولة دينية، كما لا يضع المجتمع المدني نفسه في مواجهة الروابط والعلاقات الأولية، ولا ينفيها نفياً سلبياً، لكنه بحكم علاقاته وروابطه الحديثة ينفيها نفياً جدلياً، أي يجعل الأولوية والمحورية للانتماءات الحديثة وللروابط التي تفرضها، والتي تستند على شكلين من العلاقات: العلاقات الضرورية، أي العلاقات الاقتصادية وعلاقات عملية الإنتاج الاجتماعي والمصالح والمنافع المتبادلة، والعلاقات الاختيارية أو القائمة على الإرادة الحرة، كالانضمام للأحزاب والجمعيات والمؤسسات المختلفة.
وتعتبر المؤسسة الدينية واحدة من مؤسسات المجتمع المدني التي تناط بها وظائف اجتماعية وأخلاقية، ولكنها مؤسسة غير حاكمة، وهذا ينسجم مع الدولة السياسية المتناسبة مع المجتمع المدني، والتي تكون محايدة حياداً تاماً إزاء جميع الأديان والمذاهب والمعتقدات والأيديولوجيات، ومنها الأيديولوجيات العلمانية. فمفهوم المجتمع المدني الحديث يستبعد الدولة الاستبدادية بجميع مظاهرها وآليات عملها، أي يستبعد الدولة الدينية بقدر ما يستبعد دولة الطغمة ودولة العشيرة ودولة الحزب الواحد.
6- المجتمع المدني والسوق
يختزل البعض المجتمع المدني إلى “السوق الاقتصادية”، وهي الرؤية التي تلتقي مع توجهات الليبرالية الجديدة. إذ يجري النظر إلى المجتمع المدني باعتباره مجرد بنية فوقية للنمط الإنتاجي أو للقاعدة الاقتصادية، وتكون نتيجة ذلك هي المساواة بين مفهوم الحرية وحقوق الإنسان وبين الحريات والحقوق التجارية والاقتصادية. إن اختزال المجتمع المدني إلى سوق وافتراض قيام السوق “خارج الدولة”، أي في استقلال عنها، هما من أبرز سمات الليبرالية الجديدة، التي تقوم على رؤية اقتصادوية تختزل الإنتاج الاجتماعي إلى سلع وخدمات يتبادلها الناس ويتداولونها في السوق، فتغدو مجالات الحياة الاجتماعية غير الاقتصادية مجرد هوامش للسوق أو زوائد ملحقة بها أو نافلة يمكن الاستغناء عنها.
يبدو اختزال ميادين الحياة الاجتماعية المختلفة إلى مجرد هوامش للسوق أمراً غير منطقي، لأنه ما زال من غير الممكن قيام السوق من دون الدولة، وحتى ما يسمى “السوق العالمية” لا تزال تعتمد بشكل أساسي على وجود الدول.
المجتمع المدني حقل متمايز، لكنه مرتبط جدلياً بالدولة والسوق، ومن هنا تجري تسميته بالقطاع الثالث في المجتمع، وهو يعمل لإلزام كل من الدولة والسوق بممارسات صحيحة تقوم على احترام قواعد دولة الحق والقانون، وإيجاد الحلول للتشوهات والانتهاكات الناجمة عن المنطق التعسفي في بعض الأحيان لكل من السلطة ورأس المال.
هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟
تسعدنا مشاركتك ...