اتفاق لـ “خفض التصعيد” أم لإنهاء حلم السوريين بالحرية والكرامة؟!
ناقش المكتب السياسي لحزب الجمهورية اتفاق “خفض التصعيد” الذي توصلت إليه الدول الراعية لمفاوضات “أستانا 4” (تركيا وروسيا وإيران) في يوم 4 أيار/ مايو 2017، ويقضي بإقامة أربع مناطق آمنة لخفض التصعيد في سورية (محافظة إدلب وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة، مناطق معينة من شمال محافظة حمص، الغوطة الشرقية، مناطق معيّنة من جنوب سورية في درعا والقنيطرة) لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد؛ وقد أكد المكتب السياسي ترحيبه، من حيث المبدأ، بأي اتفاق يخفِّف من العنف، ويساهم في إيقاف القصف على السوريين وتحقيق شيء من الأمن والأمان في سورية؛ لكنه، في المقابل، أكد على عدم ثقته بالدورين الإيراني والروسي، وبقدرة روسيا على ضبط الميليشيات الإيرانية وحزب الله.
وفي التفاصيل، ثبّت المكتب السياسي للحزب النقاط الخمس عشرة التالية، محاولة منه لوضع مقاربة شاملة، في اللحظة الراهنة، للوضع السوري والإقليمي والدولي، ومؤكدًا أن أطرافًا عديدة، سورية وإقليمية ودولية، تدعم مسار تشظي سورية وشعبها، بوعي أو من دونه:
1- سورية غير قابلة للتقسيم؛ فإما أن تكون دولة واحدة أو تذهب، هي وشعبها، في اتجاه مزيدٍ من التفسخ والتشظي، وهذا يختلف عن التقسيم الذي تنتج منه دول أو دويلات؛ ما يعني أن هذا المسار سيؤدي إلى ولادة كيانات وإمارات هشة وفاشلة ومتحاربة على أنقاض سورية.
2- سورية كلها منطقة آمنة واحدة؛ إذ لا يُعتد بأي حديث أو خطاب أو عمل يركّز على إيجاد مناطق آمنة محدّدة وجزئية وانتقائية؛ فالسياسات الإقليمية والدولية التي لا تأخذ في حسبانها النظر إلى سورية كلها بوصفها منطقة آمنة واحدة، لن تجر إلا الخراب وتعميق مسار التفسخ والتشظي.
3- اتفاقات جزئية، مؤقتة وفاشلة، غايتها قتل مسار جنيف؛ فمن المهم التأكيد على أن الاتفاقات الجزئية المتعلقة بالوضع السوري، تلك التي تعقدها دول إقليمية، إلى جانب روسيا، في لحظات سياسية مختلفة، تهدف بشكل رئيس إلى إنهاء مسار جنيف وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، خصوصًا القرار 2254 الذي ثبّت بوضوح مسألة الانتقال السياسي. جميع هذه الاتفاقات والمسارات (أستانا) مؤقتة ولا تمثل السوريين حتى لو شاركت فيها مجموعات سياسية وعسكرية سورية، خصوصًا أن هذه المجموعات لما تعتمد بعد خطابًا وطنيًا سوريًا واضحًا، وما زالت ممارساتها ما دون وطنية.
4- إرهاق السوريين بالمصطلحات الفارغة؛ فمعظم المقاربات السائدة دوليًا وإقليميًا في النظر إلى القضية السورية، تصب في إطار “لعبة المصطلحات” التي تنقلنا كلاميًا من مصطلح إلى آخر من دون مسار عام لحل حقيقي عادل وشامل ودائم؛ وما المصطلحات التالية: “مناطق آمنة”، “مصالحات”، “مناطق خفض التصعيد”… إلخ، إلا أمثلة على إدخال السوريين في متاهة الكلمات والالتفاف على مطالبهم المشروعة، والتنكر لمشكلتهم الجوهرية.
5- دول تتصارع على حساب الدم السوري؛ لا يمكن نفي تأثير مصالح الدول وصراعاتها في الوضع السوري ومستقبل سورية، لكن لا بدّ من الانتباه إلى ألّا يكون السوريون لعبة أو أداة في يد هذه الدولة أو تلك، والنقطة المركزية في التعاطي مع هذه المصالح والصراعات هي البحث عن نقاط التقاطع في المصالح لا تطبيق أجندة أي دولة وخدمة سياساتها ومصالحها.
6- إيران وروسيا دولتان معتديتان؛ وليستا دولتين ضامنتين أو موثوقتين في أي اتفاق؛ فالتاريخ القريب يظهر بوضوح أن روسيا كانت طوال السنوات الست الماضية في صفّ المجرم، ومنعت في مرات عديدة تقديمه إلى العدالة والمحاسبة؛ أما بالنسبة إلى إيران، فإن “نظام الملالي” فيها موغلٌ في دم السوريين، ويقدم لنا التاريخ القريب أن كل منطقة دخلها أو تدخّل فيها “نظام الملالي” تتحول إلى بيئة فاشلة ومتعفنة وطائفية وميليشياوية: العراق، لبنان، اليمن، سورية.
7- أدوار إقليمية محكومة بمخاوفها، وبلا رؤية واضحة؛ خصوصًا الدور التركي الذي بات يتعامل -فحسب- مع الوضع السوري من بوابة المخاوف التركية من ميليشيا “قوات سورية الديمقراطية”؛ وأيضًا الدور الخليجي الذي حشر نفسه في التعامل مع الوضع السوري انطلاقًا -فحسب- من مخاوفه من إيران وطموحاتها وأطماعها. بعض هذه الأدوار لا تلتقي -اليوم- مع مصلحة الشعب السوري في بناء دولته الوطنية الديمقراطية الحديثة.
8- الإرهاب عملة عالمية يتداولها الجميع؛ من المهم الانتباه إلى أن الإرهاب كثيرًا ما يستخدم، دوليًا وإقليميًا ومحليًا، لتعزيز المخاوف بين السوريين بقصد إقناعهم بحتمية مسار التقسيم؛ وإلى أن كل مقاربة لمسألة الإرهاب لا تنطلق من النظر إلى “النظام السوري” بوصفه نظامًا إرهابيًا ومنتجًا على طول الخط للإرهاب، هي مقاربة مضلِّلة وخادعة. إنّ الإرادة الصادقة في إيجاد حل ناجع ومستدام لمشكلة الإرهاب تتجسد حصريًّا في قطع جذرها وتجفيف منبعها الأصلي الذي بات واضحًا للجميع.
9- إدانة مطلقة لجميع الضالعين في عمليات التغيير الديموغرافي؛ إذ لا بدّ من الإقرار بأن كل عملية تغيير ديموغرافي في سورية، مهما كانت جزئية، تصبّ في اتجاه تعزيز مسار التشظي والتفسخ؛ ولهذا يجب إدانة كل جهة، سورية أو إقليمية أو عالمية، تعقد اتفاقات تؤدي إلى إخراج السوريين من بيوتهم وأرضهم بقصد تمهيد الطريق لتوزيع مناطق النفوذ إقليميًا ودوليًا.
10- نهاية عهد الطغمة الحاكمة؛ لا بدّ للسوريين كافة من الإقرار والاقتناع بأن عهد الطغمة الحاكمة قد انتهى سياسيًا وقانونيًا منذ زمن، وأنه لا مستقبل لها؛ وإن استمرار وجودها خاضع فحسب إلى قدرتها على ممارسة القتل من جهة، وإلى وجود توازنات إقليمية ودولية تسمح لها بالبقاء مؤقتًا؛ فهي تستطيع أن تقتل، لكنها لا تستطيع أن تحكم، وكل لحظة تمضيها في الحكم تساهم في تعميق مسار التشظي.
11- خطاب سياسي فاشل ومنتج للكوارث؛ كل خطاب أيديولوجي مغلق أو ديني أو طائفي أو قومي شوفيني هو إسهام فعلي في دعم مسار التقسيم وإنهاء الوجود السوري دولة وشعبًا؛ فهذه الخطابات كلها تعبِّر – في حدٍّ أدنى – عن نقص حقيقي في الوعي والوطنية، وللأسف هي شائعة لدى “قوى” و”تيارات” و”فصائل” تحسب نفسها في صفّ الثورة السورية.
12- وضع الحديث عن الفدرالية -اليوم- في سياقه الصحيح؛ فكل حديث عن فدرالية أو فدراليات يتجاوز حقل الإدارة والتنظيم -اليوم- لا يصبّ إلا في إطار تعميق مأساة السوريين ودعم مسار التشظي؛ فالحديث عن نظام فدرالي ممكن ومشروع في اللحظة الراهنة في إطار البحث -فحسب- عن نظام حكم أكثر عدالةً وديمقراطيةً وتنظيمًا، لكن عندما يتجاوز حقل الإدارة والتنظيم إلى حقل “التمثيل” على أساس عرقي وإثني، فإنه سيكون كارثة على الجميع.
13- الفصائل والفصائلية كارثة مضافة؛ فقد صادرت الفصائل المسيطرة البعد الشعبي والمدني والوطني للثورة السورية، واستحوذت على المشهد السوري بكليته، ومارس بعضها جرائم وموبقات عدة في حق الشعب السوري، باسم “الشرعية الدينية” تارة، أو “شرعية سلطة الأمر الواقع” تارة أخرى، أو باسمهما معًا؛ ما منع إمكانية حدوث تقدّم على صعيد بناء وتعزيز الوطنية السورية، فضلًا عن الصراعات القائمة أو المتوقعة فيما بينها، تلك التي يُهدر فيها دم سوري من جهة، وتتسبب في تعميق خوف السوريين من المستقبل من جهة أخرى.
14- سوق “المنصات” لا طائل منه؛ فقد سمح مسار الواقع، المحلي والإقليمي والدولي، خلال السنوات الماضية، بتظهير مجموعات “سياسية” و”عسكرية” سورية، وتحويلها إلى “منصات معارضة” على الرغم من هشاشة بناها، فكريًا وسياسيًا، ما جعلها مندرجة حكمًا، سواء أراد أعضاؤها أم لم يريدوا، في سياسات إقليمية ودولية لا تعتمد المصلحة الوطنية السورية منطلقًا ومستقرًا؛ لذلك فإن هذه “المنصات”، على اختلافها، تساهم أيضًا، بوعي أو من دونه، في تعزيز مسار التشظي والتفسخ.
15- النجاة غير ممكنة من دون دور رئيس للسوريين؛ من البديهي التأكيد مجدّدًا أن تغيير المسار الانحدار غير ممكن من دون أن يكون السوريون طرفًا رئيسًا في أي حل؛ وليكونوا كذلك لا بدّ لهم من التوافق، في حدٍّ أدنى، على نقطتين مركزيتين؛ الأولى: لا دور ولا مستقبل للطغمة الحاكمة في سورية، والثانية: بناء دولة وطنية ديمقراطية حديثة بمستلزماتها كافة، السياسية والقانونية؛ وحينذاك يمكن القول إننا وضعنا أقدامنا في بداية طريق صحيح.
في الختام، أكد المكتب السياسي على أن إرادة السوريين ستتحقق مهما طال الزمن، وأن إصرارهم على الخلاص من الثلاثي الكارثي، الطغمة الحاكمة والاحتلال والإرهاب، لن يحيد؛ فعزمهم، كما يُظهر تاريخُهم، على استعادة الأمن والاستقرار وبناء دولتهم المستقلة الحرة، ليس له حدود؛ وإن مساعدتهم على تحقيق ذلك حكمة ومصلحة للعالم بأسره وانتصار لقيم الحرية والعدالة والإنسانية.
عاشت سورية حرة وأبية
المكتب السياسي لحزب الجمهورية 9 أيار/ مايو 2017
هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟
تسعدنا مشاركتك ...