الوضع الراهن وضرورة التحول من مؤسسات “معارضة” إلى مؤسسات وطنية


المكتب السياسي لحزب الجمهورية

كانت الثورة السورية ثورة وطنية تهدف، في جوهرها، إلى بناء دولة ديمقراطية حديثة يتساوى فيها السوريون بمختلف انتماءاتهم الدينية والطائفية والعرقية والأيديولوجية. غير أن تعامل النظام الوحشي مع التظاهرات السلمية واستمرار عمليات الاعتقال والتعذيب، واللعب الاستخباراتي الإقليمي والدولي، أنتج قوىً أيديولوجية ترتدي ستارًا دينيًا لا علاقة له، فهمًا وسلوكًا وانتماءً، بالإسلام والمسلمين وبتاريخ السوريين، تمكنت من استغلال الظرف والترويج لخطاب متطرف وسلوك إرهابي، على أن ذلك كله لا يقارن بسجل نظام الطغمة الحاكمة في التطرف والتوحش والإرهاب الذي فاق كل خيال. هذا كله أدى إلى إحداث استقطاب حاد في المجتمع السوري، وإلى إقصاء شرائح واسعة منه بعيدًا من الثورة ومطالبها المحقة والعادلة، وساهم في جعل البلاد ساحة لصراع إقليمي ودولي.

إن وحشية نظام الطغمة لا تعفي القوى التي ادعت تمثيل الثورة السورية، بشقيها السياسي والعسكري، من مسؤوليتها بالسير في الخط الذي رسمه وخطط له هذا النظام. وقد أثبتت الحال التي وصلت إليها الأمور، بما لا يدع مجالًا للشك، ضرورة العودة إلى المسار الوطني الذي يهدِّد النظام ويساهم في زواله عبر تفكيك الركائز التي يعتمد عليها في استمرار حالة الاستقطاب في المجتمع السوري.

بكلام آخر، تقع على عاتق الثورة اليوم مهمة إعادة تقديم نفسها، بصورة البديل الديمقراطي الحقيقي الذي يضمن حقوق ومصالح جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم، بما يمكنها من كشف زيف الخطاب الذي يوجِّهه النظام إلى شرائح من المجتمع السوري، ويعمل على تحرير تلك الشرائح من براثن الديكتاتورية، بوصفها جزءًا لا يتجزأ من النسيج السوري ينبغي على الثورة تمثيله والدفاع عن حقوقه كي تؤكد أنها ثورة كل السوريين.

إن بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة يتطلب من القوى السياسية السورية الفاعلة في مواجهة النظام، العمل على بناء مؤسسات وطنية يجتمع تحت مظلتها جميع الأطياف والقوى الفاعلة في المجتمع السوري على أساس مشروع وطني، هدفه إعادة بناء الدولة السورية المختطفة من قبل النظام، بشكل يضمن تفكيك شبكات المصالح الانتهازية التي أسسها الأخير ضمن إطار من المحاصصة بين أزلامه المنتفعين من حكمه.

وإن السعي لبناء تلك المؤسسات يتطلب توافق جميع القوى السياسية والمجتمعية السورية على أساس مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة المقبلة، وتقديم الضمانات الدستورية والقانونية اللازمة بحيث يتشارك جميع السوريين في بناء جمهوريتهم الثالثة على أسس جامعة، بعيدًا من المشاريع المتطرفة، الدينية والقومية واليسارية.

وضمن هذا الإطار، ينبغي أن يكون الخطاب السياسي للقوى الممثلة للثورة مجمِّعًا لا مفرقًا، كي تتمكن الثورة من تقديم نفسها بديلًا للنظام الطائفي، عبر خطاب يتوجه إلى جميع مواطني الدولة من دون أن يمايز بينهم على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو الطائفة أو المنطقة، والابتعاد من أي خطاب يخصّ فئة من السوريين بعينها دون غيرها، بغض النظر عن عدد تلك الفئة.

من ناحية أخرى، على المؤسسات الوطنية المنشودة أن تتجنب الوقوع في فخ التصنيفات الدارجة في الإعلام العربي والعالمي، والتي تقسم الشعب السوري إلى “مكونات عرقية وإثنية” و”أديان” و”طوائف” و”مناطق” وعشائر”، بهدف إقناعنا بأننا لسنا شعبًا ولا نستحق أو نستطيع أن نبني دولة ووطنًا، وتحويلنا إلى كتل متناحرة أو مناطق نفوذ لجهات إقليمية ودولية متصارعة، ودفعنا إلى نسيان أننا ثورة عامة وجامعة تهدف إلى الانتقال من حكم الطغمة المجرمة والفاسدة إلى حكم الشعب مصدر جميع السلطات.

ليس لنا من مخرج إلا في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة التي تساوي بين جميع مواطنيها أمام قانون يهدف إلى حمايتهم، وفي ظل عقد اجتماعي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ويضمن للمواطن حقه في العيش في دولة تؤمن له عيشًا آمنًا مستقرًا كريمًا، وتعمل على رخائه الاقتصادي عبر توزيع عادل للثروة، وتمكنه من محاسبة حاكميه على تقصيرهم بوسائل سلمية قانونية ودستورية، وتضمن له حرياته الأساسية، وعلى رأسها حرية التعبير والفكر والمعتقد وحرية التنظيم السياسي، وتقطع مع عهد الدكتاتورية الذي صادر الحريات جميعها وكمم الأفواه وملأ السجون بالمعتقلين السياسيين، وفعل كل ما هو غير شرعي ليضمن تحكم العائلة الأسدية في مصير البلاد، وإخضاع مواطنيها بالحديد والنار والاعتقال والتعذيب والترهيب.

 

المكتب السياسي لحزب الجمهورية                         3 آذار/ مارس 2017

264 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *