ينطلق مسار فيينا من نقطة أساسية وهي أن الصراع في سورية لم يعد صراعا بين أطراف سورية بل هو مجرد صراع إقليمي بين دول إقليمية تحاول إعادة تموضع نفوذها في ظل اضطراب كبير يشمل كامل مساحة الإقليم من ليبيا إلى اليمن مرورا بمصر وسورية ولبنان والعراق وإيران، نقطة البداية أو الأساس التي ينطلق منها مسار فيينا تختلف اختلافا جوهريا عن نقطة البداية في بيان جنيف، ولعل هذا هو الفارق الأكبر بين جنيف 2012 وبين بيان فيينا، فبيان جنيف انطلق من مسلمة واضحة وهي أن جوهر المشكلة في سورية هو النظام السياسي الواجب تغييره عبر خارطة طريق متوافق عليها ولذلك كان الحل سوريا وفق بيان جنيف وعبر تحقيق عملية انتقال سياسي تراعي مطالب السوريين بينما في فيينا سيكون الحل إقليميا يراعي حاجات الدول الإقليمية وفق معايير موازين القوى الحالية بينها، وهذه النقطة يجب أن تكون بمثابة الإطار العام لمقاربتنا لبيان فيينا وترتيب سلوكنا السياسي بما يفيد في إعادة تموضع الحل على الأساس السوري وليس وفق مصالح الإقليم فقط.
ولإيجاد حل سياسي يتسم بالواقعية ويتمتع بفرصة نجاح لا بد من توافرعناصر ضرورية أهمها :
1- وجود الإرادة والقدرة عند طرفي الصراع:
هذا العنصر ما زال غائبا فمن ناحية النظام ما تزال مقاربته لمجمل الوضع في سورية تتسم بالعناد وإن كانت معالم الضعف التي مُني بها قد ساهمت في تخفيض سقف مايريد من إعادة السيطرة على سورية إلى مجرد المشاركة الفعّالة والجوهرية في القرار السوري مستقبلا وهذا يتحقق بالنسبة له بأكثر من سيناريو منها حل سياسي متوافق عليه ومنها أيضا مشروع فيدرالي باتت معالمه ترتسم في الأفق كحل بديل، إذن النظام لا يملك حتى اللحظة الإرادة اللازمة للمضي في حل سياسي شامل ووطني وموثوق به، وكذلك بالنسبة للطرف الآخر فإن المشكلة الأكبر هي أنه طرف موجود وغائب في نفس الوقت، فهو موجود كقوى مبعثرة لكنه غائب كإرادة وكفعالية منظمة قادرة على إدارة الشق المتعلق بالمعارضة من الحل السياسي، وفي المدى المنظور ومن خلال اصطفافات القوى يتعذر إيجاد هذه الآلية اللازمة لوجود طرف عن المعارضة يملك الإرادة والقدرة على المشاركة في حل سياسي كند وكشريك في رسم مستقبل سورية.
2- وجود توافق أقليمي على شكل الحل وليس على ضرورة “وجود حل ” :
شكل الحل ما زال بعيدا جدا عن تحقيق اي توافق إقليمي حوله بسبب التنقاضات الكبيرة بين كل القوى الإقليمية، فالجميع متفق على ضرورة وجود حل لكن الاختلاف كبير في مخرجات هذا الحل وتأثيره على تموضع القوى الإقليمية المختلفة والمتناقضة.
3- واقعية الحل:
تنطلق فكرة واقعية الحل من خلال تحقيق الحد الأدنى من مطالب ومصالح الأطراف، والحل وفق فيينا قد يكون بعيدا جدا عن تحقيق متطلبات الحد الأدنى القابل للحياة والبناء عليه مستقبلا.
ورغم تهافت الفرص الحقيقية لنجاح مسار فيينا رغم كل الصخب الإعلامي حوله فإنه يحمل مخاطر اندلاع حروب جديدة بدلا من وقف الحرب وهذه المخاطر تتمثل في فكرة تصنيف القوى العسكرية المعارضة قبل إيجاد آلية للحل واضحة المعالم وفيها ضمانات التنفيذ وفق جدول زمني يتم التعهد باحترامه مما يشكل فرصة لها للفوز ببعض أهدافها ويسمح لها بالانخراط في مسار فيينا ،وغموض مسار فيينا وعدم تقديم ضمانات كافية للحل ولا سيما ما يتعلق بمصير بشار، قد يؤدي لرفض هذه القوى للانخراط في مسار مجهول النهاية ،وبالتالي تصنيفها كقوى متطرفة معادية للحل السياسي، مما سيقودنا لحرب بين أطراف سورية في الصف المعارض مع مشاركة فعالة من دول الإقليم في هذه الحرب، وهذا يعني أن مسار فيينا قد يقود لجولة جديدة وطويلة من الحرب مع تغير أطراف هذه الحرب واصطفافاتهم وتحالفاتهم.
ورغم هذه المخاطر فإن التجارب التاريخية في الحالات المشابهة علمتنا أنه لا جدول زمني يمكن أن يشكل إطارا قابلا للتنفيذ الحرفي كما يرد فيه، فكل الأزمات التي تم حلها استغرقت أضعاف الجدول الزمني المفترض لها وبالتالي الحديث عن ثمانية عشر شهرا هو فقط لتحديد نقطة بداية لكن لا أحد يستطيع أن يدعي أن الحل يمكن إنجازه بعد عامين أو خمس سنوات، وكذلك فإن المبادئ التي ينطلق منها أي حل تفاوضي لا يتم الالتزام بها في أغلب الحالات لأن مسيرة التفاوض وتغير موازين القوى على الأرض يفرض باستمرار تغييرا في هذه المبادئ، وقد تكون نقطة النهاية بعيدة جدا عن النقطة التي بدأ منها التفاوض، وهذه المسلمات البديهية تملي علينا جميعا أن نبدأ بالتفكير بالإطار السياسي القادر على إدارة ملف التفاوض، وللأسف إن تشكيل هذا الإطار وفق ما يطرح إعلاميا من أن الدول الفاعلة كل منها سيرشح مجموعة أسماء وبعد ذلك يتم الاتفاق على قائمة أسماء ترضي جميع الدول الفاعلة في الملف السوري، إن هذا الطرح بحد ذاته يعني أن عوامل فشل فيينا يتم بناؤها الآن، لأن الأسماء المقترحة غير متفقة أصلا على رؤية محددة وغير متفقة على شكل الحل، بل إن بعضها يحمل عداء لتيارات المعارضة المسلحة أكبر من عدائه للنظام نفسه، هذه العوامل ستؤدي بالضرورة لإطالة أمد التفاوض ولتحقيق مطالب النظام بشكل كامل، والحل هو في التفكير بشكل جدي الآن وليس غدا في إطار سياسي يعبر عن السوريين ومصالحهم وليس عن الدول ومصالحها، فمن سيفاوض باسم السوريين يجب أن يكون سوريا وليس مجرد مندوبا للدول الأجنبية يتحدث باسمها ويحفظ مصالحها، دون هذا الإطار سيكون مسار فيينا أشبه بحالة انتحار جماعي ستؤدي فعلا لتفكك سورية إلى الأبد.
المصدر: أورينت نت
هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟
تسعدنا مشاركتك ...