الرسالة الروسية


أبو حلب الحموي

 

تنذر التطورات الأخيرة بتغير خطر قد يؤدي إلى اختلال التوازنات القائمة حالياً على الأراضي السورية. فالقصة  لم تعد  مجرد توقعات وتسريبات، بل تحولت إلى واقع ملموس بعد أن صرحت روسيا بذلك علانية على لسان وزير خارجيتها لافروف بعد يوم واحد من  نفي وزير الإعلام السوري عمران الزعبي لهذه الأخبار جملة وتفصيلاً، فالروس ليسوا مضطرين بعد اليوم لإخفاء دعمهم للنظام، فاتفاقية الدفاع المشترك تتيح لهم كافة أنواع الدعم بما فيها التواجد على الأراضي السورية والدفاع عن النظام الحاكم .

كان الروس دائما متواجدين على الأراضي السورية، لكنهم اليوم متواجدون لأهداف أخرى. أحد هذه الأهداف هو دعم حليفهم التاريخي وقيادة المعارك نيابة عنه بشكل مباشر، خاصة في اللاذقية وادلب وسهل الغاب على سبيل المثال. العتاد الحربي بكل أنواعه بدأ فعلياً بالتدفق على مدينة اللاذقية وربما طرطوس أيضاً، ما سيوفر للنظام دفعة قوية ويؤثر على سير المعارك كنتيجة أولية لعدم تكافؤ القوى في ظل وجود الطيران منتهزاً وضع الموقف الدولي البارد والمرتبك وغير الفاعل.

نتذكر دون عناء أن روسيا صرحت قبل ثلاثة أعوام إبان الضربة العسكرية التي لوح بتنفيذها أوباما في ذلك الوقت أنها لن تخرج قواتها للدفاع عن أحد خارج حدودها. لكن روسيا اليوم، وبعد أن قرأت المشهد جيدا هاهي تغير من مواقفها وترسل فعليا وعلى الملأ كل أنواع الدعم لنظام الأسد.

عندما صرحت روسيا بعدم نيتها التدخل في ذلك الوقت كانت تدرك جيداً ضعف موقفها، وبالتالي احتمال تلقيها خسارة، أقلها معنوية، في وقت كانت تحاول فيه ألا تتعرض في سورية لما تعرضت له في ليبيا وتخرج من الساحة خالية الوفاض، أضف إلى ذلك المحاولات الحثيثة التي تقوم بها لاستعادة دورها كقوة عظمى. روسيا، بهذه الخطوة توجه رسالة شديدة الوضوح إلى العالم أجمع مفادها أننا موجودون وأن أي حل للمسألة السورية لا يمكن أن يمر من دون موافقتنا وقبول شروطنا ولن نسمح لأحد أن يمس مصالحنا أينما كانت.

الحال تبدل، وهناك اليوم إجماع دولي على ضرورة تكاتف الجهود بوجه الإرهاب، وبالتالي يمكن تحت الشعار نفسه أن تلعب روسيا دورها الذي تريده في أماكن وأزمنة تختارها وحدها وبملء إرادتها مدركة تمام الإدراك أن تدخلها السافرفي سورية لن يقابل بأكثر من رفض وتنديد أو تهديد لفظي في أقصى الحالات.

إن الواقع يثبت من دون أي شك أن مصالح النظام التقت مع مصالح تنظيم الدولة في مناسبات كثيرة وهاهي تدمر تشهد على ذلك. وإذا كانت محاربة داعش هي الأولوية بالنسبة لدول التحالف من خلال عملياتها الجوية، فالأولوية بالنسبة للروس هي دعم نظام الأسد وإبقاؤه على رأس الحكم، وهذا لا يعني مواجهة داعش بل المجموعات التي تقاتل النظام فعلاً، أما محاربة داعش، فقد تأتي لاحقاً فيما لو شكلت تهديداً فعلياً للنظام، وقد لا تأتي أبداً طالما هناك تحالف دولي يقوم بالمهمة.

التحركات الروسية الأخيرة جاءت في ظل انشغال عالمي غير مسبوق بوضع مئات الآف اللاجئين السوريين وغيرهم على حدود الدول الأوروبية والبحث عن آلية لإيوائهم من خلال إيجاد صيغ يتم التوافق عليها بين جميع الدول المعنية. يبدو أن صورة جثة الطفل آلان الكردي أيقظت ضمائر الكثيرين ما جعلهم يرفعون الصوت عالياً مطالبين بإيجاد حل إنساني لمشكلة اللاجئين. تدرك كل هذه الدول أن انعدام الإرادة المستمر وضبابية المواقف والتأخر في حسم المسألة السورية كان باهظ الكلفة على الجميع، فتدفق اللاجئين يزداد يومياً والمشكلة أكبر بكثير من مجرد استقبال أو إيواء اللاجئين. ليس أكيداً أن النظام العالمي القائم قادر على إيجاد حل لأكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث. الأنظار كلها متجهة نحو إيجاد حل للنتائج التي وصلنا إليها دون النظر إلى أصل المشكلة. الحل الحقيقي يتطلب البحث عن أصل الداء وعلاجه وهذا يتطلب النظر إلى الموضوع من زاوية أخرى وباتجاه آخر.

هل سيبقى العالم والغرب بشكل خاص وعلى رأسه الولايات المتحدة متفرجين على واقع جديد يتم فرضه من قبل روسيا  على الأراضي السورية بطريقة استفزازية ومتغطرسة غير عابئة بأحد؟

ما هي انعكاسات هذا التدخل والهيمنة الروسية الإيرانية المحتملة على المنطقة على التحالفات القائمة سواء كانت إقليمية أو دولية؟ وكيف ستكون خارطة توازن القوى بالمنطقة في ضوء كل هذه التغيرات؟

هل سيترك السوريون اليوم كما تركوا من قبل في مواجهة هذا المصير وحدهم؟

الأيام القريبة القادمة وحدها كفيلة بالإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها وإن غداً لناظره قريب.

 

61 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *