رؤية حزب الجمهورية حول أداء “الائتلاف الوطني السوري” وبيانه الأخير
تمر سورية في هذه الأيام بأحوال حالكة وبالغة الدقة، الأمر الذي سيترك آثره على وجود الوطن ومصير السوريين كشعب واحد. فقد ضحى ملايين السوريين بدمائهم وأموالهم وبيوتهم عشقاً للحرية ومن أجل بناء وطن ينعمون فيه بالكرامة الإنسانية، وكانت ثورتهم ثورة شعبية لم يفجرها أو يعلنها حزب أو تيار ما، ثورة تمثل جميع السوريين ومن أجلهم، ثورة حرية وكرامة صرخت في وجه الطاغية “الموت ولا المذلة”، وكان أهلها أنموذجاً فريداً في التضحية والفداء لم يشهد له التاريخ مثيلاً، أهلها الذين كانوا يهتفون في وجه الرصاص “الشعب السوري واحد”, ولم يستطع الطاغية أن يقسمهم أو يجعلهم ينقلبون على أنفسهم.
في الوقت ذاته، من النافل القول إن هذه الثورة العظيمة لم يواكبها تمثيل سياسي يليق بها، شجاع ومبدئي، عاقل ورزين، وهذا الأمر أصبح معروفاً عند جميع السوريين وغيرهم، لكنه بات يشكل مصدراً أساسياً لآلام وأخطاء جديدة على الدوام، فضلاً عن ما يسببه، بشكل أو آخر، وبدرجة ما، من انفضاض العالم عن الثورة السورية، تحت ذريعة عدم وجود قوى سياسية ناضجة، واضحة ومتبلورة. لا أحد يستطيع أن ينكر حجم الضرر الذي تسبب به “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” للقضية السورية، وهو التشكيل السياسي الذي تصدرته مجموعة من الشخصيات التي خلق بعضَها الإعلامُ من لا شيء، وجاء بعضها إليه بحكم علاقات شخصية تربطه بهذا أو ذاك، وبعضها الآخر بحكم علاقات غير صحية وغير واضحة مع دول عربية وإقليمية لها برامجها وسياساتها التي لا تتقاطع بالضرورة مع مصالح الشعب السوري، والأنكى اندراج بعضها في آليات مخزية من الفساد المالي، وفي عمليات شراء وبيع الذمم.
يضاف إلى ذلك سيادة حالة طفولية من الفوضى وعدم التخطيط والفشل الإداري، وترك مصير الشعب السوري لتحدِّده مجريات الحوادث التي يفعل فيها بعضٌ ممن لا يتوافر على حد أدنى من المعرفة والخبرة، أو بعض الدول التي ما فتئت تتدخل في الشأن السوري بآليات متنافرة فيما بينها، ولا تلتقي بالضرورة، أو على طول الخط، عند مصلحة سورية والسوريين. على الرغم من ذلك، لا نستطيع بالطبع إلا الاعتراف بوجود شخصيات مخلصة وعارفة داخل الائتلاف، تبذل طاقتها في سبيل تحسين أدائه السياسي وتصحيح بوصلته، وإن كنا لا نتوقع لها النجاح في هذا المسعى، بحكم غلبة العناصر والآليات المعرقلة والرديئة في داخله.
هذه الصورة التي نقدمها حول “الائتلاف الوطني” ليست خفية على أحد، وما كنا لنعيرها اهتماماً أو انتباهاً لولا اعتبار كثير من الدول للائتلاف الوطني ممثلاً للشعب السوري، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية بحكم الأداء الهزيل له، وليس مصدرها بالتأكيد أسباب لها علاقة بالمنافسات السياسية السلبية أو التنازع على مناصب ومكتسبات، بل إن مصدرها بوضوح هو بوصلتنا الوطنية فحسب، فلسنا في وارد الدخول في أي منازعات سطحية ووهمية، أو في وارد التكسب من ثورة شعبنا. فحزب الجمهورية حزب سياسي، يمارس دوره التنويري والسياسي بالاستناد إلى قدراته المتواضعة، لكن المخلصة، ولا يدعي تمثيلاً لأحد، ولا يسعى أبداً للدخول في أي تحالف أو تشكيل سياسي ما لم تتوافر لديه الثقة العارمة بحضور المصلحة الوطنية العامة ومصالح الشعب السوري كأسس ومرتكزات، وكغايات نهائية، في الوقت ذاته.
إن ما يحدث في أروقة “الائتلاف الوطني” من خصومات ونزاعات قائمة على توزيع مكاسب شخصية، ومناصب خلبية، وكراسي وهمية، وعلى منافسات ذاتية فارغة، هو ما يدفعنا اليوم، ويدفع الآخرين أيضاً، نحو تثبيت رأينا بوضوح إزاء أدائه. لكن السبب المباشر لهذه المصارحة المباشرة التي نقوم بها هو ذلك البيان السياسي الذي صدر مؤخراً عن “الائتلاف الوطني”، بتاريخ 24 تشرين الثاني / نوفمبر الجاري، والذي يتناول مقترحات السيد “دي مستورا” للحل السياسي في سورية.
تكمن خطورة هذا البيان في أنه أخذ القضية السورية بعيداً من جوهرها الحقيقي، المتمثل بكونها قضية شعب أطلق ثورة عظيمة ضد الاستبداد، ويطمح إلى بناء دولة وطنية حرة بمواطنيها الأحرار، وليس كما جاء في البيان الذي حولها، جهلاً أو مكراً، إلى مجرد قضية إنسانية تتعلق بالإغاثة فحسب. فعلى الرغم من إشارة البيان إلى أن أي عملية سياسية يجب أن تستند إلى “ما ورد في مبادئ جنيف1، والفقرات الخاصة بإنشاء هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات كاملة، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”، فإن البيان في فقرتيه الثانية والرابعة، يربط عملية الانتقال السياسي في سورية بالقرارين 2165 و2170، وهذان القراران يتعلق أحدهما بقضية دخول المساعدات الإنسانية، والثاني بقضية مكافحة الإرهاب. وقد زاد الأمر خطورة عندما وافق الائتلاف في بيانه على مبادرة “دي مستورا” للتهدئة الموضعية كما سماها، مشترطاً استنادها إلى القرار 2165 الصادر عن مجلس الأمن، وهو القرار الخاص بدخول المساعدات الإنسانية، متجاوزاً بذلك القرار رقم 2042 لعام 2012، الذي يتعلق بوقف شامل لإطلاق نار، وسحب الجيش من المراكز السكانية، والإفراج عن المعتقلين، ودخول المساعدات. وما يزيد الأمر سوءاً تزامن كل ذلك مع مشاريع مريبة تمولها جهات أجنبية لعقد مؤتمرات طائفية لما يدعونه “مكونات” الشعب السوري، من دون أي اكتراث من جانب “الائتلاف الوطني”.
إننا، في حزب الجمهورية، نؤكد على أن السوريين الذين خرجوا من منازلهم كمواطنين رافضين للاستبداد، لن يعودوا إليها على هيئة طوائف وإثنيات، بل كمواطنين سوريين أحرار، وليبنوا وطناً موحداً وحراً، يقوم على المواطنة المتساوية من دون أي تمييز على أساس الدين أو المذهب أو الطائفة أو العرق أو الجنس. لذا، فإننا نحمل مسؤولية هذا العبث السياسي إلى “الائتلاف الوطني السوري”، الذي ساهم بقدرٍ ما في إيصال الثورة السورية إلى ما وصلت إليه من وضع بائس وخطر. ونطالب السوريين جميعاً بضرورة رفع الصوت عالياً لرفض أدائه وممارساته، والدفع في اتجاه صوغ مشروع وطني سوري جامع، ملتزم بمبادئ الثورة السورية المتمثلة بالتخلص من نظام الاستبداد الرازح فوق صدور السوريين، ويلبي طموحات السوريين في الحرية والكرامة، ويحترم تضحياتهم ودماء أبنائهم.
عاشت سورية حرة أبية
حزب الجمهورية – سورية
اللجنة التنفيذية
28 تشرين الثاني / نوفمبر 2014
هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟
تسعدنا مشاركتك ...