جيمي كارتر: خطوة أولى من أجل سورية
تعرضت قافلة كانت تحمل مساعدات لضربة جويّة مميتة يوم الإثنين. وكالة فرانس بريس/ عمر حاج قدّور.
يعدّ الإعلان عن التوصّل إلأى اتّفاق وقف إطلاق نار جديد هذا الشهر بمنزلة الخبر الجيّد، لكنّ نقص الثقة بين الأطراف السوريّة المتحاربة وداعميهم الأجانب يعني أنّ ذلك الاتّفاق، كمثيله الذي سبقه من قبل، هشًّا و قابلًا للانهيار، و قد بدأت، مسبقًا، علامات “الإجهاد” بالظهور عليه؛ حيث قامت الولايات المتّحدة، و عن طريق الخطأ، بقصف قوّات الحكومة السوريّة، و كما أعلن الجيش السوري، يوم الإثنين، باّنه لن يحترم الاتّفاق بعد الآن، وواصل قصفه الجوي لمدينة حلب، حتّى إنّ قافلةً للمساعدات الإنسانيّة قد تعرّضت للقصف.
على الرغم من ذلك، ما زال هناك سبب للأمل، فإذا تمكّنت كلٌّ من روسيا والولايات المتّحدة من الذهاب بعيدًا في مفاوضاتهما للوصول إلى هذا الاتّفاق، فإنّه من الممكن تجاوز هذه النكسات، وينبغي أن يكون استهداف قافلة المساعدات الإنسانيّة بمنزلة الحافز لكلّ من الولايات المتّحدة وروسيا لإعادة التزام وقف إطلاق النار، خصوصًا أنّ كلا الطرفين مدرك للصّعوبات؛ حيثُ أمضيا شهرًا كاملًا من التفاوض للتّوصل إلى شروط وقف إطلاق النار.
من الممكن إنقاذ الاتّفاق إذا توحّدت جميع الأطراف، والآن، حول هدف بسيط، وذي أهميّة لا يمكن إنكارها: إيقاف القتل، ولعلّ احتماليّة تحقيق ذلك الهدف أكبر ممّا تبدو عليه.
تقدّر مصادر موثوقة عدد القتلى من السوريّين، حتّى الآن، بنصف مليون قتيل تقريبًا، مع نحو مليوني جريحًا، كما تمّ تهجير أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 22 مليونًا. على تلك الأرقام الصادمة، لوحدها، أن تُقنع كلّ المعنيّين بالأمر أنّ الحرب، بنفسها، هي الانتهاك الأكبر لحقوق الإنسان، وأنّها أشدُّ أعداء سورية.
إذا كان لوقف إطلاق النار أن يستمر، فيجب على الولايات المتّحدة وروسيا إيجاد الطرائق للعمل خارج أطر انعدام الثقة التي قوّضت وقف إطلاق النار الأسبق، وذلك في شهر شباط/ فبراير، حيث بدأ العمل بوقف الأعمال العدائيّة على طول البلاد، الأمر الذي بدأ بالانهيار في غضون شهرين بمعارك جرت في معظمها في الأرياف حول مدينة دمشق، وفي وسط وشمال سورية، وحلب. وكما أدّى استئناف النزاع إلى تعليق محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتّحدة في جنيف، وحدث ذلك في شهر نيسان/ أبريل.
مع ذلك، تمّ بذل جهد كبير، في وقتٍ مبكّرٍ من هذا العام، عندما قامت الولايات المتّحدة وروسيا بالضغط على حلفائهما لوقف القتال ومنح المفاوضات فرصة، لكنّ التوقّعات الأميركيّة والروسية بالتوصّل إلى اتّفاق فيما يتعلّق بقضايا الحكم الانتقالي، بحلول الأوّل من آب/ أغسطس، لم تكن واقعيّة. لذلك في إمكاننا الاستنتاج أنّه بعد خمس سنوات من القتل، وقبل التأسيس لأي شكل من أشكال الثقة، أنّ الدفع بالأطراف السوريّة لتقاسم السلطة قد بدا مهدِّدًا لبعضها، وغير كافٍ لبعضها الآخر؛ لذلك عادت تلك الأطراف، وعلى نحو غير مفاجئ، إلى العنف.
عندما تستأنف المحادثات في جنيف، في وقت لاحق من هذا الشهر، ينبغي أن يتم التركيز بشكلٍ أساسيّ على إيقاف القتل، ويجب تأجيل النقاشات حول جميع الأسئلة المحوريّة المتعلّقة بالحكم –على سبيل المثال متى يجب أن يرحل بشار الأسد أو ما الآليّات التي يمكن أن تستخدم لاستبداله-.
من الممكن للجهود الجديدة أن تجمّد الوضع الميداني على ما هو عليه حاليًّا، من دون أن تضطر الحكومة أو المعارضة أو الأكراد إلى التخلّي عن سلاحهم، إضافةً إلى ذلك، يمكن الاتّفاق على معايير لإحلال الاستقرار في الأراضي التي يتحكّم بها فرقاء القتال، مع إعطاء الضمانات بوصول المساعدات الإنسانيّة من دون قيد، الأمر الذي يعدّ ملحًّا بشكلٍ خاص؛ نظرًا إلى الضربة التي تعرّضت لها قافلة مساعدات قرب مدينة حلب.
لا تخلو تلك المقاربة من التحدّيات؛ حيث لن يكون اللاعبون الأجانب، والذين يعنيهم دمار سورية بشكلٍ أقلّ ممّا تعنيهم مصالحهم الخاصّة، مسرورين بالضّرورة من رؤية الخطوط الأماميّة على حالها، ساكنة من دون حراك؛ فروسيا تهتمّ بمنفذها على البحر المتوسّط، وإيران تريد صلةً مع حزب الله في لبنان، أمّا هدف تركيا الرئيس فيتمثّل بتقويض الطموحات الكرديّة، بينما تحرص المملكة العربيّة السعوديّة، في المرتبة الأولى، على منع إيران من إيجاد موطئ قدم آخر لها في العالم العربيّ، إنّ تلك المصالح تهدّد، مسبقًا، وقف إطلاق النار الهشّ.
مع ذلك، إنّ إيقاف القتل وتجميد الوضع الرّاهن على ما هو عليه سيغيّر قواعد اللعبة من “ربح-خسارة” إلى “لا خسارة”؛ حيث لن يكون على أطراف القتال التنازل عن مصالحها، أو أن تسارع إلى التعاون أو التسوية في وقتٍ يُعدّ مستوى الثقة فيما بينها وفي المجتمع الدولي منخفضًا.
في ظلّ الظروف الحاليّة، ستعدّ الحكومة السوريّة والثوار أيّ تنازل أو تسوية بمكانة استسلام، لكنّ عدم الخسارة مع إيقاف القتل قد يشكّلان اقتراحًا مُغريًا، وسيكون من الصّعب بمكان، على الأقل، رفض اقتراح كهذا.
من الواضح أنّه لن يكون في الإمكان تطبيق تلك المعايير على أجزاء سورية التي تسيطر عليها الدولة الإسلاميّة، والمنظّمات الأخرى التي تصنّفها الأمم المتّحدة على أنّها إرهابيّة، لكنّ إيقاف القتل في المناطق التي لا تسيطر عليها تلك الجماعات قد يدفع المقاتلين في صفوفها لهجرانها والانتقال للعيش في مناطق أخرى تؤمّن لهم ظروفًا معيشيّة أفضل، هذا ما قد يشكّل نقطة تحوّل فارقة في إطار الجهود المبذولة لهزم الإرهابيّين.
تُعدّ القيادة الأميركيّة-الروسيّة لتلك المقاربة حاسمةً لتحقيقها؛ فعلى كلّ طرف أن يقنع حلفائه الإقليميّين بالتعاون، لكنّ ذلك وحده لن يكون كافيًا؛ فعلى السوريّين الذين شكّلوا عتاد مدافع هذه الحرب أن يُسمعوا أصواتهم، بالتصريح بصوت عالٍ وواضح: ” أوقفوا القتل”. نشط السوريّون، في السنوات الخمس الماضية، حول منظّمات المجتمع المدني العاملة في مجال المساعدات الإنسانيّة، وفي مجال حقوق الإنسان ومبادرات بناء السلام، على تلك المنظّمات، أيضًا، أن تنهض وتصرخ: “أوقفوا القتل”، كما أنّه على المؤسسات الدوليّة أنم تدعم تلك الصرخة الجّامعة.
إنّ فيضًا من النداءات العامّة لإيقاف القتل قد يجبر فرقاء الحرب السوريّة، وأصحاب المصالح الإقليميّين والدوليّين، على الانتباه لتلك النداءات والبدء بالعمل لتحقيقها. عندما يتوقّف القتل، سيستطيع السوريّون العمل على استرداد كرامتهم الضائعة، الأمر الذي سيكون أساسيًّا لمعالجة القضايا التي سبّبت الحرب، في المقام الأوّل.
عنوان المادة الأصلي بالإنكليزية | Jimmy Carter: A First Step for Syria? Stop the Killing |
اسم الكاتب بالعربية والإنكليزية | جيمي كارتر Jimmy Carter |
مصدر المادة أو مكان نشرها الأصلي | جريدة النيو يورك تايمز The New York Times |
تاريخ النشر | 20 أيلول/ سبتمبر 2016 |
رابط المادة | http://www.nytimes.com/2016/09/21/opinion/jimmy-carter-a-first-step-for-syria-stop-the-killing.html?smid=fb-nytopinion&smtyp=cur&_r=0 |
اسم المترجم | أنس عيسى |
المصدر
هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟
تسعدنا مشاركتك ...