F01_01-21_10_2015_786029_large

الغوطة الشرقية.. توحيد الجهود خيار وجودي


فادي كحلوس

كان مطلب توحيد الفصائل العسكرية الثورية ولا يزال يتربع على سلم اولويات الثورة السورية، فعلى الرغم من النداءات الواسعة والمتكررة من قبل ابناء الثورة الا ان نداءاتهم لم تلق حتى اللحظة اذان صاغية. ولعل أكثر النداءات حظاً هي تلك التي لقيت صدى بسيط عند بعض الفصائل ضمن ظروف ومعادلات مؤقتة ما لبثت أن عادت الفصائل الى تشتتها وتشرذمها بانتهاء ذلك المؤقت.

وعلى الرغم من ذلك ولاسباب عديدة اخرى لم يحقق الاسد في الفترة الماضية اي تقدم يذكر تجاه ما حُرّر من سيطرته ولعل اولى هذه الاسباب هو ضعف الاسد والميليشيات الطائفية التابعة له.

وما تشهده الثورة السورية اليوم من تطورات عسكرية دراماتيكية متمثلة بدخول روسيا وبشكل مباشر فيها بمشاركة الاسد في قتل المدنيين وتدمير ما نجي من براميله، تقف الثورة بجناحها العسكري اليوم أمام خيار وجودي محض حيث لا يمتلك مساحة او وقتاً لنطلق عليه خياراً بوصفه مطلبيا فقط فروسيا ليست ميليشيات الاسد من حيث عبثها وفوضاها. فالطيران الروسي وبتفحّص محطات اجرامه سيرشدنا بأن كل محطة تأتي في سياق مخططٍ مدروسٍ وهدفٍ محددٍ ، فاستهداف المدارس والنقاط الطبية والمشافي الميدانية والاسواق الشعبية كخطوة اولى ، تأتي لانهاك مجتمع ثوري محاصر لعدة سنوات ما يضيف الى مصائبه كوارث أخرى نوعية، فما تم استهدافه هو بمثابة ما تبقى من شرايين حياة هذا المجتمع المنهك، لتأتي بعدها خطوة استهداف القادة العسكريين أصحاب السيطرة الاوسع في ذلك المجتمع أيضاً لزعزعة استقرار تلك الفصائل داخلياً وادخالها في إشكاليات من شأنها اضعافها تجاه جبهاتها وتأخيرها عن المبادرة في أي عمل عسكري وابقائها في موقع المنفعل لا الفاعل. وهذا يشير الى ان هناك خطوات اخرى لاحقة لا تقل خطورة عن الخطوتين السابقتين واذ نتحدث هنا عن الشق العسكري فإنما لمعرفة توظيفه السياسي روسياً، ونقول روسياً بسبب غياب ادوار عسكرية مباشرة لقوى دولية أخرى سواء أميركية أم اوروبية.

وانطلاقا من المبدأ السياسي القائل : الحرب اداة من ادوات السياسة , تعمل روسيا وعلى المسارين السياسي والعسكري لتطبيق فحوى هذا المبدأ ، فالعسكري هدفه اضعاف المناطق المحررة وصولا الى اخراجها من ساحة العمل الثوري وسياسيا توظيف ذلك في فرض حل سياسي يتناسب ورؤيتها ومصالحها في المنطقة وهذا ما لا ينسجم مع رحيل الأسد، والمتابع لمسار التدخل الروسي المباشر سيجد بأن اولويات روسيا هما غوطتي دمشق ولاسيما الشرقية وعوامل هذا التركيز واضحة المعالم والعوامل أيضا، فجميعنا نعرف جغرافية المنطقة واهميتها وقربها من العاصمة دمشق ومداها الذي يصل منطقة القلمون مع ريف حمص وما تمتلك من قوى عسكرية هامة وغيرها من العوامل، الا انه وحسب اللحظة السياسية الحالية هناك عامل اخر يضاف الى تلك العوامل  لاسيما واننا أمام عدوٍ لا يستهدف العبث وهذا العامل هو تشتت وتشرذم فصائل الغوطة الشرقية ان لم نقل تصارعها فيما بينها.

على مدى سنوات الثورة السورية ورغم كل ما تعرضت له الغوطة الشرقية من قتل للمدنيين وتهجير وتدمير وحصار ووصولاً الى مجزرة الكيماوي وما بعدها، وعلى مدى هذه السنين وخارج الغوطة الشرقية أيضاً و بدءا من بابا عمرو ومرورا بالقصير وحمص القديمة ووصولا الى الزبداني، لم تدرك الفصائل العسكرية الثورية عامة والفصائل العاملة في الغوطة الشرقية على وجه الخصوص بعد بأن وجودها اليوم – ما بعد التدخل الروسي المباشر – سواءً كقوى أم كمناطق محررة، أصبح الآن مرتبطاً بتوحدها وان الاستمرار بعقلية السنوات الفائتة لن يصل بنا الا الى تكرار تلك الهزائم وبالتالي اضافة انتصارات لصالح الاسد ومن وراءه، وهذا ما سينتج عنه ايضا إطالة سني الثورة ومضاعفة أعداد الشهداء والمعتقلين ولن يخرجنا هذا من التوظيف السياسي الروسي ايضا .

بعيدا عن المال السياسي ومصالح دول عربية واقليمية ودولية تدّعي صداقتها للشعب السوري، وقريبا الى ذاتنا الثورية كعسكريين ومدنيين، فان مهمة توحيد الجهود ومسؤوليتها تقع على عاتقنا جميعا كعسكريين وكشارع ثائر ومجتمع مدني ومثقفين وسياسيين داخل سوريا وخارجها ونحن جميعا أمام امتحان أخلاقي- وطني اولاً فإما ان نشارك ونساهم وندعم عملية التوحيد هذه ومن خلال الفعل ايضاً لا عن طريق النقد والتنبيه والنصح ” رغم أهميتهم” وإما نحن أمام كارثة بكل ما تحويه الكلمة من معاني.

تطورات عديدة واكبت الثورة السورية من تدخل ميليشيوي الى تدخل اقليمي وصولا الى التدخل الروسي، وفي المقابل لم نجد ما يوازي تلك التطورات في الساحة الداخلية السورية الثورية وهذا ما لن يعد مقبولا البتّة وأصبحنا للاسف في واقع نافل القول فيه اما التوحيد او الانتهاء، ويتأتى الامتحان الأخلاقي – الوطني من خلال تجاوزهذا الواقع المشتت والانتقال الى واقع يليق بما قدمته الثورة السورية من شهداء ومعتقلين وجرحى ومهجرين وكل معاناة من معاناتنا خلال السنوات الخمس الماضية حتى لاتذهب تلك المقدسات ادراج الرياح.

67 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *