305351_188935337851769_1323082729_n

اكتشاف الحديقة


خضر الاغا

27 سبتمبر 2011
هكذا، كأنني للمرة الأولى أحبك
أو كأنني للمرة الأولى أحب
كأنني لم أكن أعرف أن الرافدين بقعٌ داكنةُ على جسدي
وأنني كنت، طيلة الوقت، أتنافس معهما عليك!
وعندما صار جلدي أخضر
وظلّي
وثيابي خضراء
ولغتي
وشهوتي، حتى شهوتي صارت خضراء!
كنت أستغرب!
كأنني لم أكن أعرف نخيل العراق!
***
هل قرأت عن ذلك الشخص الذي ينظر إلى الأشياء حتى يتصلب؟
كنت أنا ذلك الشخص: تصلّبت وأنا أنظر إلى غيابك
وفي الحكايات ثمة من ينتظر حتى تبهت ألوانه ثم تزول
لشدة ما انتظرتك صرت، هكذا، بالأبيض والأسود
في غيابك
كأنك لم تغيبي
كنتِ كحقنة السّم تسرين في جسدي
كنتِ مثل ندبة تحت الجلد
لا أراها، وتوجعني
كنتُ كالوحش الجريح
لا يشفى ولا يموت
هكذا
فقدتك، دفعة واحدة، كسن يقلعه الطبيب
لو أنك طلبت من غيابك أن يصمت قليلاً
أن يتوقف عن الصخب
أن ينتزع فؤوسه ومعاوله من جسدي
لكنتُ، ربما، وضعته في أصص البيت
وربّيته، كما يربي القتيلُ، في الحكايات القديمة، قاتلَه
***
في غيابك
كأنما كان أحد ما يخبئ حياتي
فكنت أعيش، هكذا، بلا حياة
كنت أجلس وحيداً ونائياً عني
أنظر إلى حياتي مرمية ككيس من الخردة
أنظر إليها ثقيلة بين أرجل الأطفال ككرة من القماش
أنظر إليها يتقاذفها الآخرون، ويبعدونها عنهم كأنها الطاعون
في غيابك بدا المشهد هكذا:
غابة وقد غزاها البرابرة!
جسدٌ عارمٌ وقد سقطت أعضاؤه دفعة واحدة!
كاتدرائية من العصور الكبرى وقد تعرضت لزلزال!
***
كيف لي، إذاً، أنني لم أكن أعرف
أن العشب الذي ينبت على جسدي كان في تربتك
أن أملاح جسمي من مائك
أن أظافرك عميقة، كل هذا، في لحمي
وصوتي يخرج من حنجرتك أنت
ولوني، ولون ثيابي، وخطواتي من بشرتك أنت
كأنك القاسم المشترك بين الأنهار
***
تذكرين
كم سخرت منهم عندما قالوا: الأنهار تشبه الناس؟
لم يكونوا يعرفون أنك أنت فقط تشبهين الفرات:
كلاكما ينتمي للماء
وكلاكما يقرّر لون البشرة
***
هل كان علي أن أسأل المارّة:
يا مارّة، هل تعرفون البنت العراقية التي ترتدي الرافدين،
وتحمل كيساً صغيراً؟
يا مارّة، داخل الكيس قلبي
وفي الرافدين أجعل من روحي قماشة وأغسلها
***
كان علي أن أوشمك على جسدي
كي لا تكوني إلا فيه
أو
كان علي أن أتأكد أن جسدي ليس إلا وشماً هو أنت
***
كان عليك أن تعلمي، منذ البداية، أنك الماء الأخير لسمكة صغيرة
هي قلبي
***
وها أنذا
بزهو الفاتحين في العصور الكبرى
استعدتك
مثل أعمى استعاد البصر
مثل مشلول استعاد الحركة
مثل من استعاد كلمة السر ليدخل إلى حياته
مثل من استعاد أصابعه ليتحسس العشب النابت، توّا، على جسد الطبيعة
استعدتك كي تعودي، كما كنت، صوتي الفادح عندما أصمت

7 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <s> <strike> <strong>