عمر قدور

تلفيق المعارضة السورية


عمر قدور

لم يعلن بعد عن أسماء المعارضين السوريين الذين ستستضيفهم الرياض بداية الشهر القادم. من المرجح أن الدعوة ستشمل “ائتلاف قوى المعارضة” و”هيئة التنسيق” و”إعلان القاهرة”، بالإضافة إلى مستقلين يُرضي وجودهم الجهات التي لا ترى حضور التنظيمات الثلاثة كافياً. القرار المُتخذ قبل الاجتماع هو توحد الحاضرين في وفد يفاوض النظام، ويُفترض أن يحمل رؤية موحدة لعملية التفاوض ولسقف التنازلات المقدمة خلالها. طبعاً القرار مُتخذ دولياً وإقليمياً، ولا يعكس تقارباً ضمن أوساط المعارضة نفسها.

نظرياً، لو كانت المعارضة ستطور خطاباً منسجماً لحدث ذلك منذ مؤتمر جنيف2، أي عندما قبِل الائتلاف الذي يصنّفه البعض راديكالياً بالحل السياسي. وكما نعلم فشل العديد من محاولات التقارب بين الائتلاف وهيئة التنسيق إثر جنيف، وسرعان ما جرى الانقلاب على تفاهمات بينهما من قبل قوى فاعلة في الطرفين. نظرياً أيضاً، يفترض الخطاب المعلن أن أطر المعارضة تتفق على ضرورة الانتقال الديمقراطي، ولم يعد من معنى لاختلافها على الوسائل، طالما أن الأخيرة ليست في متناول طرف منها، وطالما أن بيان فيينا قد وضع جدولاً زمنياً لن يُخترق إلا من قبل واضعيه أنفسهم.

إذاً، قد يجوز وضع خلافات المعارضة في حيز طموح كل طرف إلى حصة أكبر في العملية التفاوضية وما يليها. ومع ابتذال مثل هذه الطموحات إزاء المقتلة السورية المستمرة يمكن القول بأن ذلك يحدث دائماً في حقل التنافس السياسي. لكن هذا التفسير لا يصمد وحده، ما لم يكن مشفوعاً بتهافت الأداء السياسي، وبعدم قدرة كافة القوى على تطوير خطاب سياسي متكامل؛ ولا يصمد مع انفصال الجميع عن الواقع العسكري والمدني الذي تعيشه المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. بهذا المعنى، المعارضة كلها خارجية، لا بحكم ارتباطاتها الخارجية فحسب.

المفارقة أنه طوال الوقت الذي كان يُقال بعدم وجود بديل عن الحل السياسي، كانت القوى الدولية والإقليمية تستثمر في الجانب العسكري، من دون أن تعير اهتماماً للمستوى السياسي ولعملية التغيير المتوخاة. وإذا هبطت عملية فيينا فجأة، لأسباب لا تخصّ السوريين أصلاً، صار ضرورياً تلفيق المستوى السياسي على عجل. وتسهل ملاحظة أن الطرفين اللذين سيجلسان إلى مائدة التفاوض غير جاهزين لها، فلا النظام يملك سوى أن يرسل موظفيه عسى أن يعرقل العملية السياسية ويستهلك الوقت، ولا المعارضة طورت خطابها أو درّبت كوادرها على عملية التفاوض المقبلة.

لقد وُجهت انتقادات كثيرة بسبب غياب السوريين عن جلسات فيينا. وإذا شئنا الإنصاف لم يكن حضور النظام أو المعارضة ليغيّر شيئاً في مسارها، لا لأن كلاً منهما ممثل بواسطة القوى الدولية والإقليمية الحاضرة، وإنما لأن أياً منهما غير متهيّىء لعملية سياسية حقيقية تضع البلد على سكة التحول. هذا لا يمنح القوى الراعية للطرفين أحقية أخلاقية، ولا ينفي مساهمتها في الوضع المزري الذي وصل السوريون إليه. لكنه على الأقل يفرغ تلك الإشارة التي تنص على عملية سورية بقرار سوري من معناها، إذ لن تسير عملية التفاوض في أي وقت قادم إلا بتدخل دولي وبقرار دولي، ولن يكون للمفاوضات التي قد تجري بين النظام والمعارضة أي وزن فعلي، باستثناء دلالتها على اختلاف القوى الخارجية أو اتفاقها.

إن ما يتداوله السوريون عن انشغالهم بالسياسة لا يصمد أمام حقيقة حرمانهم واستقالتهم منها. وإذا كانت الاستقالة مبررة أيام القبضة الحديدية للنظام فهي غير مبررة بالقدر ذاته بحجة الحرب. ما يُلاحظ على هذا الصعيد وفرة المتحدثين في السياسة وشحّ عدد ممارسيها، بل إن المفهوم الذميم لممارسة السياسة الذي تكرس عبر عقود من حكم النظام لا يزال سائداً، ولا زلنا نرى “تعففاً” عن ممارستها لدى الشريحة الأعظم من جمهورها، على رغم الادعاء بأن إحدى أولويات الثورة إعادة السياسة إلى المجتمع.

لن يكون من القسوة القول بعدم وجود معارضة سورية، وبأن هذا التعبير مجازي يُستخدم لاعتبارات الضرورة ليس إلا، إذ لا توجد مؤسسات معارِضة طورت أداءها وحافظت على صفة تمثيلية منذ بدء الثورة حتى الآن. ما هو موجود أفراد، بصرف النظر عن كفاءة كل منهم، تنقّلَ قسم لا يستهان به منهم بين هيئة وأخرى، وتناوبوا بين انشقاق وآخر، وفقد معظمهم الحد الأدنى من المصداقية أمام أولئك المستنكفين عن المشاركة التنظيمية، مثلما فقد الكثيرون منهم مصداقيته أمام الجهات الخارجية الراعية له. وأن تأتي الآن عملية تلفيقهم ضمن وفد واحد فذلك لا يجعل منهم منسجمين، إلا بقدر ما تفرضه الضغوط عليهم، ومؤقتاً فحسب.

لقد ألغت الرياض من قبل المؤتمر المزمع عقده الآن، لأن نجاحه لم يكن مضموناً آنذاك. المعارضة لم تتغير خلال الأشهر القليلة الماضية، ما تغير هو وجود توافق على إلزامها بالتنسيق الآن. والطريف البائس أن أحداً منها لن يقدم أدنى تنازل في حالة التوافق بسبب عدم وجود نهج واضح لديه؛ وأن أحداً منها لن يكون مطالباً بتقديم توضيحات لجمهوره بسبب الافتقار إلى هذا الجمهور أصلاً. علاوة على ذلك، لن نعدم تسويق كل طرف للاتفاق بوصفه انتصاراً لرؤيته، وهو الأمر الوحيد الذي يدلل على قدرة المعارضة على المشاركة في السلطة، طالما أنها قادرة، مثل الأنظمة، على إنكار تهافتها وتسويقه كإنتصار.

 

المصدر: المدن

27 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *