1445717890

طائرة روسية تنهي حياة “نبراس الثورة”


محمد الفيصل

كان لقائي الأول به قبل حوالي السبع سنوات في السكن الجامعي بجامعة حلب، وكنت أعرفه بكنية (أبو كاظم) وبعد عدة لقاءات تعرفت بإسمه وبلده.

“وسيم أحمد العدل” إبن معرة النعمان (27 عام) كان يدرس اللغة  الفرنسية آنذاك، شاب مجتهد خلوق وشهم، صفات جعلت محبته تدخل قلبي وبات من أقرب الأصدقاء إلي.

قضيت معه ثلاثة أعوام وبعدها أنهيت دراستي ولكنني بقيت أتتبع أخباره بشكل مستمر، وبعد حوالي العام أخبرني بأنه إلتحق بخدمة العلم لينهي هذا الكابوس الذي يمكث على صدور كل شاب سوري في مقتبل عمره.

إنطلقت ثورة الكرامة وبدأنا بالمظاهرات وتشكيل التنسيقيات، كان وسيم على إتصال دائم معي ومع الكثير من التنسيقيات بشكل سري حتى وهو في قطعته العسكرية، فكان يزودنا بأخبار تحركات قوات النظام .

وعندما بدأ نظام الأسد بالتصعيد العسكري والإفراط في قتل المتظاهرين إنشق وسيم عن قوات النظام وأخبرني أنه وصل معرة النعمان .

إلتقيته بعد فراق طويل، سررت جداً بأن وسيم كان عند حسن ظني به، بدأ وسيم مسيرته الثورية في مجال الإعلام، فعمل بداية مع عدة فصائل ثورية في معرة النعمان، وبعدها عمل مع الهيئة العامة للثورة السورية، ثم تركها ليعمل كناشط مستقل، فكان يغطي الأحداث التي تجري في مدينته من معارك وقصف، كما غطى وسيم معارك تحرير معرة النعمان بكاميرته، ثم كان ملازم للفصائل الثورية في معارك طريق الموت ووادي الضيف والحامدية، وأصيب حينها في معركة البنيان المرصوص، كنت ملازم له في الكثير من المعارك، وخاصة معارك التي بدأت بتحرير وادي الضيف.

صوٌر معي وسيم معارك تحرير الحامدية ووادي الضيف فكان شجاعاً مقداماً لايهاب الموت، كنت أرى السعادة في عينيه في تلك المعركة وكان متشوقاً لأن يزف أخبار الإنتصارات، وكان الشوف يأخذه في كل لحظة إلى منزله الذي لم يره منذ ثلاث سنوات فقد كان مجاور لمعاقل النظام.

دخلنا وادي الضيف حينها وسجدنا سوياً سجدة شكر على تلك السواتر التي إرتوت بدماء الشهداء .

لم يقف وسيم عند وادي الضيف بل تابع مسيره في معارك تحرير المحافظة كلها، بدأ من مدينة إدلب وصولاً إلى معارك الغاب مرورا بالمسطومة والقرميد وجسر الشغور وأريحا ومحمبل وغيرها من المناطق التي حررها جيش الفتح، عندما دخلنا إدلب كانت عيونه ترنوا إلى فرع أمن الدولة فهو يعلم أن والده معتقل داخل ذاك الفرع، وصلنا أمن الدولة فلم يجد والده وهرع يسأل الثوار هل رأيتم رجلا عمره 55عام يحمل أوصاف كذا وكذا، وبقي يبحث حتى أجابه احد المقاتلين بعد أن شاهد صورته على جوال وسيم بأن هذا الرجل قد خرج حياً من الفرع وهو بصحة جيدة.

لم ينتظر وسيم حتى ينتهي النهار بل تركني حينها وعاد مسرعاً إلى بيته ليلتقي والده الذي غاب عنه لأكثر من 3 أشهر .

إستمر وسيم بالعمل الإعلامي فكان يغطي أحداث ريف إدلب عموماً.

في ذات حاولت قوات النظام إقتحام بلدة “كفرنبودة” في سهل الغاب وأن الثوار يتصدون لها، فاخبرني وسيم بأنه سيتوجه للجبهة ولم ينتظرني حتى فقد كان لزام عليه تغطية الصمود الأسطوري لأبطالنا على حد وصفه.

أصيب وسيم بعدة شظايا صوارخ من راجمة قوات النظام في تلك المعركة، ونقل على إثرها إلى مشفى المعرة، وأجري له عمل جراحي لإخراج الشظايا التي كان أخطرها في وجهه تحت عينه اليسرى.

في ثالث أيام إصابته أعلن “جيش الفتح” عن بدأ معركة تحرير حماه، كان وسيم متحمساً جداً لبدأ المعركة ولطالما تواعدنا بأمور كثيرة عند دخولنا حماه كان نأخذ (سيلفي) أمام النواعير لتكون صور لصفحاتنا على فيس بوك، وأن نأخذ صور أخرى داخل مطار حماه الذي لطالما أوغل في دماء أهلنا، وفي مساء يوم الخميس الموافق 22/10/2015 اتصلت بوسيم وأخبرته بأن يجهز نفسه لننطلق لتغطية معارك ريف حماه الشرقي، ولكن ظروف قاهرة منعته من مرافقتي أو أنها مشيئة الله، وطلب مني أن أستطلع وضع الجبهة والعمل واتواصل معه ليلحق بي.

في صباح اليوم التالي ( الجمعة) توجهت أنا وزميلي المصور(سعد زيدان ) وباقي أعضاء فريقنا إلى ريف حماه، وبعد عصر ذاك اليوم اتصل بنا أحد الزملاء ليبلغنا أن وسيم قد استشهد بقصف للطيران الروسي على قرية بينين في جبل الزاوية، حيث قامت إحدى المقاتلات التابعة للعدوان الروسي بإستهداف القرية بغارة جوية، سارع وسيم إلى المكان لتوثيق الغارة، فعاودت الطائرة قصف المكان، ليسقط وسيم أرض بعد أن إمتلأ جسده بشظايا الحقد واخطرها شظية كبيرة إخترقت خاصرته وعموده الفقري وإلى جانبه رفيقة دربه وسلاحه الذي لطالما حمله في وجه الإستبداد والظلم ( الكاميرا).

نقل إلى إثر الإصابة إلى مشفى المعرة ليتم تحويله إلى المشافي التركية وتوافيه المنية في مشفى باب الهوى .

صعقني خبر وسيم وبقي عندي الأمل بأن الخبر ربما يكون كاذب، توجهنا إلى معرة النعمان على طريق لا أذكر مشهد واحد منه، فكل ماكان يدور في ذهني هي كلمات ومواقف مع صاحب الإبتسامة الدائمة.

وصلنا المعرة ليصحبني أحد الأصدقاء إلى داخل باب منزل دخلت فيها إلى غرفة وإذا بأناس يبكون، لا أذكر أي شخص من الحضور، كان عيوني عن شخص واحد.. نعم إنه وسيم، ممدد على الأرض مغمض العينين، على وجهه ندبة دماء حمراء مكان الإصابة السابقة، إقتربت منه لإلمس وجهه البارد، ناديته كثيراً فلم يجيب، خلال لحظات قليلة مرت بذاكرتي سنين مضت، نعم استشهد رفيق الدرب، استشهد أبو كاظم.

جلسنا ننتظر حتى جاء أهله من تركيا فقد كانوا مقيمين في أنطاكيا هربا من القصف، جاؤوا ليلقوا نظرة الوداع على فلذة كبدهم الذي لم يلمحوه منذ شهور طويلة خلت، وبعد الوداع وتحت جنح الظلام شيعنا وسيم إلى مثواه الأخير، كان الحشد كبير ولكن عيني لم تلمح غيره.

وداع يارفيق الدرب، وداع يا شجاع وداع ياصادق، وداع ياطيب القلب والنية، وداع يا ابن الثورة السورية، ستبقى دماؤك نوراً لدرب الثائرين، وناراً تحرق عروش الظالمين .

 

المصدر: أورينت نت

119 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *