النسيان عدو القضايا العادلة


شادي الشوفي

أن تحيي ذكرى أليمة كأنك تنكأ جرحاً لم يشف، وأن تستحضر ذكرى جريمة من جرائم العصر البشعة يعني إصراراً في البحث عن عدالة ضائعة، ورفضاً لأن يصبح النسيان عدواً لذواتنا، يقهرنا ببقايا صور تظهر كالأشباح بين الحين والآخر من زوايا ذاكرة عفَنها الألم، وأتخمها الموت، لتقضم بقايا الأمل فينا بأن يعاقب المجرم على جرائمه يوماً. فيسارع القاتل إلى ارتكاب مجزرة أخرى تقهرنا بمزيد من بشاعة أفعاله، وكأنه يقصد حتى دثر ذكرى آلامنا.

هذا حال السوريون اليوم في الذكرى الثانيّة لمجزرة الكيماوي التي ارتكبها نظام الطغمة في ذاك اليوم المشؤوم 21 آب | أوغسطس 2013، حيث قامت قواته بارتكاب ثلاث مجازر استهدفت المدنيين في إدلب ودرعا وأبشعها في دوما. والضحية شعبٌ لا يكاد يستوعب هول مجزرة حتى يسفيق على أبشع منها.

كما تتزامن مجازر آب، مع قرار مجلس الأمن رقم (2235)، والقاضي بتشكيل آلية تحقيق مشتركة لتحديد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية. لكن إصرار القاتل على تكرار الجريمة، وذاك الاستعماء العالمي يثير الشكوك عن معنى هذا القرار، فهل يهدف القرار إلى تحقيق العدالة، أو أنه سيكون امتداداً لتمييع الحقيقة شأنه شأن قرار مجلس الأمن السابق بخصوص نفس الجريمة، رقم (2118) الصادر بتاريخ 27/9/2013 الذي أكتفى بإدانة استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية، وطالب “الحكومة السورية” بتسليم مخزونها من هذه الأسلحة، دون الإشارة إلى الجهة التي نفّذت الجريمة؟.

لقد كانت مصالح الدول بديلاً عن التحقيق، وتحديد القاتل ومحاسبته. أميركا قبضت ثمن الصفقة بتسليم النظام السوري لمخزونه من السلاح الكيماوي، مقابل تجنيب النظام ضربة عسكرية مفترضة، في حين كسب النظام من خلال هذا الإتفاق مزيداً من الوقت علّه يستطيع أن ينهي الثورة، ويلتف على عزلته الدوليّة، ويصبح شريكاً دولياً، حيث فشل في تحقيق أياً منها.

كما أن موافقة روسيا على هذا القرار تثير الريبة، بعدما استثمرت في حياة أطفال الغوطة في محاولة لمنع معاقبة حليفها في دمشق حتى لو لحين. فهل المقصود في القرار إرسال رسالة نظام الأسد بأنه عليه أن يلتزم بقرارات الكبار في هذا الحلف، فكان رده بارتكاب مجازر جديدة.؟ أم هو وسيلة للبحث عن كبش فداء، أو أنه تمهيداً لتسجيل الجريمة ضد مجهول يريح كاهل القوى العظمى من عار الصفقة؟

أياً تكن المآلات النهائية للغوغائية الدوليّة، تبقى المسؤوليّة الأساسيّة في كف يد القاتل، وملاحقة القتلة وتقديمهم للمحاكمة، على عاتق السوريين أنفسهم؛ فهذه جرائم حرب، لاتسقط بالتقادم، ولا بمرور الزمن، ولابالصفقات الدوليّة.

والحال كذلك، يتقدم ذاك السؤال القديم الجديد، الذي سيشكل مدخلاً لوقف الجريمة. كيف لنا أن نستعيد قرارنا الوطني؟.

أهميّة السؤال والضرورة الوطنيّة الملحة للإجابة عنه، مع وعي حقيقة أن السورريين_ رغم حجم المأساة التي يتعرضون لها_ لايزالون حتى هذا اليوم يمثلون تلك الإرادة المانعة لفكفكة قضيتهم العادلة في مواجهة طغمة لاحدود لإجرامها، ومصالح إقليميّة ودوليّة تعتاش على مآسينا؛ ستصنع الأمل بوقف المجزرة، وأن لا تصبح نعمة النسيان عدواً لقضية شعب تحدى المستحيل.

69 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *