

شكراً لاهتمامكم بالتبرع لدعم نشاطات الحزب، حيث يقبل الحزب التبرعات المالية الغير مثقلة بأي شروط مهما كان نوعها ومستواها.
لمزيد من المعلومات ، يرجى التواصل مع رئيس المكتب المالي على البريد الالكتروني [email protected]
كما يمكنكم التواصل مع الرئيس التنفيذي للحزب على العنوان [email protected]
أطيب التحيات.
شكراً لاهتمامكم بالتبرع لدعم نشاطات الحزب، حيث يقبل الحزب التبرعات المالية الغير مثقلة بأي شروط مهما كان نوعها ومستواها.
لمزيد من المعلومات ، يرجى التواصل مع رئيس المكتب المالي على البريد الالكتروني [email protected]
كما يمكنكم التواصل مع الرئيس التنفيذي للحزب على العنوان [email protected]
أطيب التحيات.
كشفت سنوات الثورة السورية عمق الإشكالية المترسخة في العقل الجمعي للسوريين حول هشاشة مفهوم الدولة ، فالاجتماع السياسي السوري لم يستطع أن يؤسس لدولة مطابقة للمتخيل الراسخ في وعيه لذاته أو لمفهوم الوطن ، فلقد كانت سورية على الدوام تعبيرا ثقافيا حضاريا أكثر منه تعبيرا عن الجغرافية ، ولهذا السبب بقيت حدود سورية في المتخيل الجمعي سائلة وغير منضبطة ولم تستقر حتى عام 1936 في الحدود الموجودة الآن .
هذا المد والجزر لحدود الكيان المرجو ،كان يستتبع بالضرورة مد وجزر في الحامل الاجتماعي له ، أي أن تعريف السوريين وتحديد من هم كان تعريفا متغيرا على الدوام ولم يستقر بشكل نهائي حتى هذه اللحظة ، الأمر الذي أدى لعدم إنتاج هوية وطنية جامعة يتفق السوريون على محدداتها الرئيسية وبالتالي عدم إنتاج دولة وطنية تكون معبرة ومجسدة لهذه الهوية .
لذلك تمحور اجتماع السوريين السياسي على مفهوم السلطة بشكلها البسيط ( الحاكمية ) باعتبارها تملك وسائل القهر والجبر وليس على مفهوم الدولة المجردة والتي تنبع منها وتتجمع فيها كل السلطات ، لقد فشل السوريون بنقل مفهوم السيادة من الحاكم إلى الكيان الجمعي الجديد المسمى بالدولة السورية ، وهذا الفشل ليس فشلا مجتمعيا وحسب بل تأسس في ظل القانون العام الجديد الذي أعقب المرحلة العثمانية إن على مستوى القانون الدستوري أو الإداري الذي غاب عنه مفهوم الدولة باعتباره نقطة التمركز والتكثيف الذي تنطلق منه السلطات ، ومراجعة الدساتير السورية المتعاقبة ولا سسيما تلك الصادرة في عهد البعث يجد هذا الغياب بشكله الفج والواضح .
لقد كان العقل السياسي للسلطة في سورية يرى الدولة أحد أدواته للسيطرة وليس العكس ، فلم تكن السلطة في سورية في أي يوم سلطة الدولة بل كانت الدولة على الدوام هي دولة السلطة المجسدة في فئة أو في زعيم أوحد كما حدث في عهدي حافظ وبشار الأسد ، فاي معارضة للحاكم تعني حكما خروجا على الدولة ومعاداة لها ، لأن عملية الفصل بين الحاكم والدولة غير موجودة في ذهن الحاكم كما في ذهن المحكومين ، وبمراجعة خطاب السلطة في الأعوام الخمسة الماضية وما قبلها نجده يركز على أن المعارضين هم مجموعة معادية للدولة وخارجين عليها وليس على نظام الحكم مما يجعل سورية أقرب لمفهوم الإمارة البعثية منه لمفهوم الدولة المجردة المتعالية عن السلطة .
والمتتبع لسير الحوادث اليومية في مناطق سيطرة النظام يجد أن الدولة قد انهارت بشكل شبه كامل لصالح مجموعات تحكم هذه المناطق وفق قوانينها الخاصة بمنطق الإمارة التي يكون الأمير فيها هو التجسيد الوحيد للدولة والقانون معا .
وللأسف هذا الخلط بين مفهومي السلطة والدولة كان موجودا أيضا وبنفس الدرجة في أذهان المعارضين لسلطة الحكم ، حتى تحولت معارضتهم لها معارضة لكل أجهزة الدولة ، فهم يرفضون علم الدولة لأنه علم السلطة ويرفضون القانون لأنه قانون السلطة ويرفضون الأجهزة الإدارية ايا كانت لأنها أجهزة السلطة ، وهذا أدى إلى أن انتزاع الأرض من تحت سيطرة السلطة لم يرافقه انتزاع للدولة بل رافقه انهيار شامل لكل بنى وأجهزة ومؤسسات الدولة على كل المستويات حتى الخدمية منها .
لقد عجزت المعارضة بكل أشكالها العسكرية والسياسية وبكل أيديولوجياتها الدينية أو المدنية عن إدراك الفيصل الذي يجب أن يكون موجودا بين الدولة وبين السلطة ولذلك عملت على تهشيم وإلغاء كل أجهزة الدولة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام واستبدالها بأجهزة أخرى لا يحكمها القانون العام السوري باعتباره الوسط الذي تنمو فيه الدولة السورية ، وهذا أدى إلى ظهور إمارات بشكلها البسيط حتى وإن لم نطلق عليها هذا الإسم ، وتجربة حلب أو إدلب تثبت غياب مفهوم الدولة لصالح مفهوم الإمارة .
لقد انتزعت المعارضة المسلحة مدينة إدلب من النظام ، وكان من الطبيعي أن تعود أجهزة الدولة للعمل وفق القوانين التي كانت تحكمها ، لكننا رأينا شيئا مختلفا تماما ، لقد تم إلغاء كل شيء وتأسيس الهيئة الشرعية في إدلب التي باتت هي السلطة الجديدة وهذه السلطة اسست مكاتب لها قضائية وخدمية أخرى وفق نموذج مختلف ووفق قوانين أخرى غير القانون السوري مما يجعلنا إزاء إمارة وليس محافظة سورية تم تحريرها من السلطة الحاكمة .
لقد قامت الهيئة الشرعية في حلب ومنذ بداية عام 2013 بإلغاء القانون السوري ولا سيما قانون العقوبات واستبدلته بتطبيق ما يسمى ” القانون العربي الموحد ” في بعض المناطق ، وأحكام الشريعة في مناطق أخرى ، وهذا ينطبق على كل القوانين وليس فقط على قانون العقوبات ، وكذلك ألغت جهاز القضاء السوري واستبدلته بنظام قضائي مختلف متناقض مع القضاء السوري تحت اسم القضاء الموحد ، أو الهيئة القضائية العليا ، ووصل الأمر إلى حد تعيين قضاة ليسوا من دارسي القانون بل من خريجي كليات الشريعة وذلك بعد خضوعهم لدورة قصيرة لمدة اسبوعين .
إن مجمل هذه الحوادث تجد اساسها النظري المؤسس لها في ذلك الغياب الشامل لمفهوم الدولة ، فالصراع الآن بات يأخذ مداه بشكل واضح كصراع بين إمارات حكم وليس بين سلطة ومعارضة .
فالسلطة التي كانت عبارة عن إمارة بعثية وأسدية في مرحلة لاحقة من وجودها ، تتصارع الآن مع إمارات تحاول أن تبلور وجودها ونظام حكمها وفق ايديولوجيا إسلامية تتباين في مناهج تطبيقها بين اقصى التطرف أو محاولة الظهر بمظهر الاعتدال ، لكن جوهر هذه الإمارات جميعها االأسدية والإسلامية واحد وإن تباينت الايديولوجيا الناظمة لها .
إن هذه الوقائع تتطلب من السوريين الآن إعادة توطين مفهوم الدولة في العقل الجمعي السوري ، وهذا يتطلب عملا شاقا من النخب الفكرية والسياسية كما يتطلب كما أكبر من الصراحة في مواجهة الذات والابتعاد عن الحلول التلفيقية التي تحاول تصوير ما يحدث في سورية سواء كان في مناطق سيطرة النظام أو في مناطق سيطرة المعارضة على اساس أنه حالة مؤقتة وستزول بزوال أسبابها ، وهذا أمر خاطئ لأن شبكة كبيرة من المصالح نمت على جوانب هذه الإمارات وهذه الشبكة شتدافع عن مصالها بشراسة أكبر في اي محاولة لتفكيكها ، إن طريق الحل موجود وممكن وواقعي وهو أن نبدأ منذ اليوم كقوى وطنية وكأفراد باستعادة مفهوم الدولة على المستوى النظري كمرحلة أولى بحيث نقيس كل الحوادث ونضع تقييما لها من خلال مدى اقترابها أو ابتعادها عن مفهوم الدولة .
إن محاكمة مجمل التطورات وفق هذا الثابت الذي يجب أن يكون محل إجماع لدى السوريين هو فقط القادر على إعادة بناء رأي عام سوري يستطيع دفع الأمور في سورية لتتطور في اتجاه يسمح للسوريين بإعادة إنتاج ذاتهم الوطنية وتحديد محدداتها وفق أسس الدولة الوطنية الجامعة لكل السوريين .
هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟
تسعدنا مشاركتك ...