الرهان الأكبر
مع إطلالة آذار، منذ ست سنوات، تنشّقَ السوريون نسائم الحرية التي انطلقت الحناجر الحبيسة لتصدح بها، بعد أن استلبتها سلطة البعث عقودًا. كانت الساحات والميادين تغص بالشباب الحالم، المتطلع إلى غدٍ أجمل.
لم يتقبل “النظام السوري” بتركيبته الأمنية حراك الشارع، إذ قرر منذ اللحظة الأولى فرض خياره الأمني. توهم السوريون أن يكون مصير السلطة في سورية كما هو الحال في مصر، فيقف الجيش إلى جانب الشعب ليفرض على “الرئيس” التنحي. لم ننتبه إلى أن ولاء “الجيش السوري”، منذ أن بدأت فكرة الجيش العقائدي”، ليس للوطن بل للسلطة، وهو الجيش ذاته الذي أطلق أحد قادته، في حزيران/ يونيو 1967، العقيد محمد المير، قائد لواء الدبابات، عبارته الشهيرة: “إن جنازير دباباتنا مشتاقة لشوارع الشام كي تحمي منجزات الثورة”، بعد أن مُني بأكبر هزيمة.
راهن كثيرٌ من المعارضين على الحلّ الليبي، بحدوث تدخل عسكري من “حلف النيتو” يقضي على النظام السلطوي، لكنه كان رهاناً فاشلاً وواهماً: فالعالم وقف متفرجاً حتى حين استخدم النظام السلاح الكيماوي ضد أبناء الغوطة الشرقية، واكتفى مجلس الأمن بمصادرة سلاح الجريمة.
لم تكن “المعارضة السورية” المتشرذمة، السياسية والعسكرية، على مستوى المسؤولية، فقد استجاب بعضها للوثة وهستيريا الطائفية والعصبوية رداً على الشحن الطائفي والقومي الذي يمارسه النظام، فبات خطابها السياسي والإعلامي منفراً وبعيداً عن قيم الثورة، ولم يكن خطابا وطنياً جامعاً، فضلاً عن خطاب الكراهية الذي تبنّته الجماعات الإسلامية المتطرفة، تلك التي أنشأت محاكم حسبة، وحاربت كل حراك مدني، محاولة إعادتنا إلى القرون الوسطى، ما أساء للثورة السورية، وأعطى ذرائع جديدة لمجتمع دولي متقاعس أيضاً تجاه الجريمة الواقعة بحق السوريين على يد نظام الأسد.
اليوم، تُعدّ مأساة الشعب السوري من أعقد القضايا الإنسانية والسياسية في العالم، لكن يبقى الرهان الأكبر الذي يجب العمل لأجله، هو رهان السوريين على السوريين؛ فالحاجة ملحة إلى بناء قوى وطنية حقيقية، تحمل على عاتقها خطاباً وطنياً جامعاً للسوريين، وتعمل على بناء وبلورة الهوية الوطنية السورية، وعلى صوغ وثيقة عهد وطني بين فئات وقوى وتيارات الشعب السوري، تؤسِّس لعقد اجتماعي جديد يصون حقوق جميع السوريين من دون أي تمييز على أساس طائفي أو عرقي أو مذهبي أو جنسي، وتحتفي حقاً بالتنوع الثقافي والاجتماعي، لتكون سورية دولة حقٍّ وقانون، ووطناً لجميع أبنائها.
هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟
تسعدنا مشاركتك ...