باسل العودات

مفاوضات بلا جدوى


باسل العودات

تعددت جلسات التفاوض بين النظام السوري والمعارضة، ففي مؤتمر جنيف الثاني اجتمعت المعارضة السورية مع النظام بلا جدوى، وفي موسكو جمعت روسيا ممثلين عن النظام مع من وصفتهم بأنهم معارضة وأيضاً بلا جدوى، ونتيجة مؤتمر فيينا والقرار الأممي 2245 ستجتمع المعارضة السورية من جديد مع النظام قبل نهاية هذا الشهر للتفاوض وكل المؤشرات توحي بأن التفاوض سيكون أيضاً وأيضاً بلا جدوى.

يتسبب بهذه (اللا جدوى) في واقع الأمر عاملان رئيسيان، الأول أن السلطة السورية تتمسك بنظامها القائم حالياً بكل تفاصيله إلى آخر لحظة وترفض أي تعديل جدّي فيه وأي إصلاح بغض النظر عن الثمن الباهظ الذي يدفعه السوريون والكارثة التي حلت بالبلد، ويقع ضمن هذا العامل إصرار روسيا وإيران حليفا النظام على أن يبقى الرئيس الأسد على رأس طاولة المفاوضات ليفرض شروطه على الشعب من جديد، أما العامل الثاني فيتعلق بالمعارضة السورية المختلفة في ما بينها، والتي يدّعي كل فصيل أو عضو فيها بأنه يمثل الشعب السوري وأنه الأحق بالتفاوض، ويصر على هذا الرأي حتى لو أدى إلى عرقلة المفاوضات.

لاشك بأن هناك عوامل أخرى ثانوية ساهمت وستساهم في إفشال المفاوضات، لكن العاملين المذكورين أعلاه هما الأكثر جدّية وفعالية، وبزوالهما يمكن الحديث عن احتمال نجاح مفاوضات توصل سورية إلى بر الأمان وتحقق للشعب السوري مطالبه التي ثار من أجلها. لا يمكن hلتغلب على معطيات العامل الأول إلا إذا اقتنع الروس والإيرانيون والدول الداعمة للأسد أن بقاءه في السلطة بات من المستحيلات بعد أن دفع الشعب السوري ثمناً غالياً وبعد أن ارتكب هو والمقربون منه ورموز نظامه كل هذا العنف والجرائم، وأنه لا يمكن التسامح معهم لا الآن ولا في المستقبل، وبالتالي فإن الوصول إلى حل سيكون أسهل من دونهم، حتى يضمنوا مصالحهم وسلامة أنصاره الذين شاركوه حربه أو ورّطهم بها، وسيكون من المقبول بالنسبة للمعارضة السورية أن يشارك في المفاوضات ممثلون عن هذه الطائفة أو تلك من خارج الدائرة التي ارتكبت الجرائم وأعطت أوامر القتل.

أما العامل الثاني المتعلق بالمعارضة فهو عامل يصعب التغلب عليه، فكثير من المعارضين السوريين البارزين في هذه الفصائل لا يُمثّلون سوى أنفسهم، وبعض المشاركين في المفاوضات لا يعرف عن سورية أكثر مما يعرف السوري عن الصومال، وبعضهم لا يعرفه أشخاص في سورية يتجاوز عددهم عدد أصابع اليدين، وهناك معارضون مستقلون كثر مُهمّشون، وآخرون يدّعون المعارضة ولا يمكن إثبات عكس ذلك، وبعضهم يقول إنه يسيطر أكثر من غيره عسكرياً والبعض الآخر يزعم أنه ذو نفوذ سياسي شعبي كبير، ويجد السوري نفسه في متاهة تقويم لا نهاية لها.

من الناحية النظرية يجب أن تكون المفاوضات بين طرفين، معارضة ونظام، معارضة تُمثّل إرادة السوريين وتتمثل مطالب ثورتهم وتحمل أخلاقها بشفافية صارمة، وتُهمّش مصالحها الشخصية وتضع نصب عينيها مصالح الوطن والشعب، ونظاماً يُمثّله بعض من قادة الجيش وبعض من رجال الحكومة وأعوان من رجال الأعمال، هدفهم تثبيت امتيازاتهم وسلطتهم أولاً وأمنهم الشخصي ثانياً وضمان المشاركة في مستقبل سورية ونظامها المقبل، لتكون النتيجة بداية مرحلة الاستقرار وانطلاق عجلة الحياة من جديد. قد لا تناسب هذه المفاوضات الثنائية الحالة السورية المُعقّدة، التي تتنازعها عشرات التيارات والقوى السياسية والعسكرية المعارضة الداخلية والخارجية، وكل يريد أن يهيمن على قرار الطرف المقابل من طاولة المفاوضات، ولهذا ستكون السلطة أكثر تماسكاً مقابل تشرذم المعارضة، وعليه ستتعرض أي مفاوضات للفشل نتيجة هذا التعقيد.

يجري حديث في (كواليس) السياسيين الغربيين عن طاولة مفاوضات سياسية دائرية، يجلس فيها المعارضون كلهم، وأنصاف المعارضين، والمشكوك بأمرهم، وممثلو المجتمع المدني، المعارضون والموالون والرماديون، وممثلون عن النظام وعن شرائح المجتمع السوري كلها، الطائفية والاجتماعية والفكرية، من دون تواجد رموز النظام، ليتفاوضوا على الحل السياسي، بمفاوضات مفتوحة يقرر نتائجها ثلثا المشاركين، وطاولة مفاوضات أخرى عسكرية دائرية، يشارك فيها ضباط الجيش من مختلف التوجهات والطوائف، ومقاتلو المعارضة الإسلامية وغير الإسلامية، والضباط المنشقون عن الجيش والمدنيون قادة الألوية العسكرية الثورية، (ليتفاوضوا) على الحل العسكري وطريقة استعادة الأمن وتحويل الجيش والمؤسسات الأمنية لمؤسسات وطنية لا تنتمي لأحد.

قد لا تُعجب الطاولة المستديرة الكثيرين، ولكن يراها البعض أحد الحلول الناجعة شرط أن يشارك رجال السلطة من دون الرئيس ومن أعطى أوامر القتل والتدمير، والمعارضون من كل التيارات، امتثالاً للواقع الذي يقول بأن سورية متعددة الشرائح الاجتماعية ومتنوعة الاتجاهات، ولا يصحّ فرض هوية واحدة على شعبها، وينبغي أن يشارك في المفاوضات فيها وحولها مجمل الفئات السورية تُمهّد للوصول إلى دولة ديمقراطية تعددية تؤمن بتطبيق معايير الدولة الحديثة بالحرية وتكافؤ الفرص وفصل السلطات وتداولها.

 

المصدر: المدن

18 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *