عزام

لماذا يصوت بعض الفرنسيين من أصول مغاربية أو شرقية لبنانية وسورية لليمين المتطرف في فرنسا ؟


عزام أمين

 

بالرغم من عدم نجاح أي مرشح من مرشحي حزب الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبن في الانتخابات الإقليمية الفرنسية التي جرت مؤخراً إلّا أن نتائج الدورة الأولى من هذه الإنتخابات، حيث حل حزب الجبهة الوطنية في الطليعة في 6 أقاليم من أصل 13 إقليم، تشير إلى تقدم واضح على الساحة السياسية لهذا الحزب اليميني المتطرف.
المعروف عن هذا الحزب هو معاداته للمهاجرين العرب والسود وللفرنسيين من أصول يهودية ويدعو بشكل مباشر وغير مباشر للتخلص منهم وإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية وإغلاق الحدود والخروج من الاتحاد الأوربي، ومن النادر أن تمر مناسبة أو أن يحصل لقاء صحفي مع مؤسسه وزعيمه التاريخي جون ماري لوبن أو ابنته مارين لوبن رئيسة الحزب الحالية دون سماع تصريحات أقل ما يمكن أن يُقال عنها أنها عنصرية تحض على الكراهية والحقد. خطاب الحزب بشكل عام هو خطاب شعبوي عاطفي يعتمد بشكل رئيسي على التخويف من الآخر المختلف والتلاعب بالألفاظ والتهريج السياسي والتخوين واتهام الآخرين بالتآمر، فلا يمكننا أن نجد فيه أي حلول علمية وعملية أو واقعية للمشاكل التي يعاني منها المجتمع الفرنسي بشكل عام كالبطالة والفروق الطبقية وأزمة الضواحي.
الظاهرة المثيرة للدهشة هي أن بعض الفرنسيين من أصول مغاربية أو شرقية لبنانية وسورية صوتوا لهذا الحزب بالرغم من عدائه للمهاجرين! كيف يمكننا فهم تصرف هؤلاء المهاجرين المتناقض في ظاهره وجوهره مع مصالحهم بشكل عام؟ بطريقة أخرى، ما هي الأسباب التي تدفعهم للتصويت لصالح حزب عنصري معاد لهم ؟ ظاهرة تستحق التوقف عندها و إن كانت محصورة بعدد قليل نسبياً من المهاجرين حتى الآن.
الأسباب كثيرة ومتنوعة ومتشابكة ولا يمكن حصرها بجانب واحد فقط ولا يكفي أن نقول أن السمات الشخصية كالغباء وعدم القدرة على التحليل والأنانية أو العنصرية والانغلاق الفكري هي وراء هذه الظاهرة.
على الصعيد السياسي والاقتصادي بشكل عام ، يتقاسم السلطة في فرنسا حزبان هما الحزب الاشتراكي اليساري والحزب اليميني الجمهوري منذ أكثر من نصف قرن وبالرغم من اختلافهما بالشكل فإن بعض الفرنسيين بدأ ومنذ فترة لا يرى فرقاً جوهرياً بينهما وخاصة أنهما اعتمدا بشكل كبير على سياسات اقتصادية ليبرالية متقاربة نوعاً ما ولم تؤد إلى حلول جذرية لمشكلة البطالة والفقر والأمن. فالكثير من المحللين السياسيين يعتبر أن التصويت لليمين المتطرف في مناطق كثيرة في فرنسا لا يمكن أن يقال عنه إلا أنه أمر طبيعي لكل ما جرى ويجري على مستوى السياسات الاقتصادية ولا يمكننا أن نعتبره فوزاً لليمين المتطرف بقدر ما هو نوع من الاحتجاج على السياسات التقليدية لليمين واليسار الليبرالية.
على الصعيد الإعلامي، يُشير الاختصاصيون إلى أنه ومنذ وصول مارين لوبن إلى رئاسة الجبهة الوطنية في عام 2011 عمد اليمين المتطرف إلى تغيير خطابه وخاصة أن قطاعاً واسعاً من الفرنسيين يرفضون النهج العدائي الذي يعمد إليه الحزب في التعبير عن أفكاره وآرؤه السياسية وهذا ما دفع بالكثير من مرشحيه إلى التخفيف من اللهجة العنصرية والحادة تجاه المهاجرين واليهود، لا بل إن مارين لوبن في الفترة الأخيرة وفي أكثر من مناسبة حاولت التقرب من الفرنسيين من أصول مسلمة وهذا ما يحاول القيام به مستشارها الشخصي أيمريك شوبراد المتزوج من لبنانية مسلمة عن طريق تنظيم لقاءات مع شخصيات إسلامية معروفة في عدة دول إسلامية كمصر والإمارات والمغرب. استراتيجية التقارب هذه ومحاولات تحديث الحزب وإظهاره أكثر اعتدالاً مع المهاجرين لاقت صدى عند بعض الفرنسيين من أصول عربية حتى وإن لم يغير الحزب شيئاً من جوهره الإيديولوجي العنصري.
على الصعيد الشخصي والنفسي، أشارت المقابلات واللقاءات التي أُجريت مع هؤلاء الفرنسيين من أصول مغاربية أو شرقية لبنانية وسورية الذين صوتوا لهذا الحزب إلى أنهم يلجؤون إلى “التماهي” مع المجتمع الفرنسي والهوية الفرنسية من أجل التكيف الاجتماعي. وآلية التماهي تختلف تماماً عن الاندماج الاجتماعي التي يستطيع من خلالها المهاجر المحافظة على ثقافته الأم وهويته الأصلية أو جزء منهما وبالتالي التكيف الاجتماعي مع المجتمع الفرنسي، بينما في حالة المهاجر المتماهي مع الهوية الفرنسية يتخلى فيها تماماً عن ثقافته الأم وهويته الأصلية ويحاول بكل الوسائل تبني الهوية الثقافية الفرنسية وعلى الأغلب ما يكون لدى المهاجرين في هذه الحالة صورة سلبية عن ثقافة بلدهم الأصلي ويعيشون نوعا من التبخيس الذاتي والإحساس بالنقص والخجل أمام المجتمع الفرنسي ولكي يتهربوا من هذا الواقع النفسي القاسي يصبحون “ملكيين أكثر من الملك نفسه” ولذلك وبشكل لاشعوري يعتبرون تصويتهم لحزب الجبهة الوطنية دليلاً على فرنسيتهم وهم يتفخارون بهذا السلوك.
إحساسهم بالدونية تجاه الفرنسيين كونهم من أصول مهاجرة وعدم ثقتهم بأنفسهم، وإن أظهروا العكس، يدفعهم لاتخاذ مواقف عدائية تجاه المهاجرين الواصلين حديثاً وخاصةً أن هؤلاء يذكّروهم بوضعهم المزري الذي عاشوه سابقاً، فحالهم يقول: كي تكون فعلاً فرنسيا يجب عليك أن تُظهر عنصريتك قليلاً تجاه العرب والسود. التماهي بالمجتمع الفرنسي والتوحد بالهوية الفرنسية يحقق لهم نوعا من الصورة الإيجابية عن الذات المجروحة أساساً.
أضف إلى ما سبق أن تصرفات بعض أبناء المهاجرين غير المسؤولة وغير المقبولة في المجتمع الفرنسي، وإن كان  غير ممكن تعميمها، تؤدي إلى نوع من الإحساس بتأنيب الضمير والخجل اللاشعوري عند بعض الفرنسيين من أصول مهاجرة وكوسيلة دفاع أولية يلجأ بعضهم للتصويت لمارين لوبن كي يثبتوا أنهم ناجحون ومختلفون عن هؤلاء المهاجرين الغير متكيفين ، من وجهة نظرهم، بالرغم من التشابه الظاهري معهم.
ما تم عرضه في هذا المقال من أفكار لا يعدو كونه تحليلاً سريعاً بسيطاً لظاهرة معقدة ومهمة لها عوامل فردية ونفسية واجتماعية متشابكة ومتداخلة، ربما تحتاج هذه الظاهرة إلى دراسة بحثية معمقة تعتمد على مقابلات ميدانية مطولة مع عينة من هؤلاء الفرنسيين من أصول مهاجرة والذين يصوتون لليمين المتطرف.

240 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *