محمد صبرة

الرئيس التنفيذي للحزب يوجه رسالة لجميع الأعضاء بعنوان ” لماذا نحن جمهوريون”

وجه الرئيس التنفيذي للحزب المحامي الأستاذ محمد صبرا مذكرة داخلية إلى جميع الأعضاء معلناً البدء بإصدار تقارير موجزة عن أعمال اللجنة التنفيذية ومكاتبها خلال الفترة الماضية، وقد دعى السيد صبرا السادة أعضاء الحزب إلى مراجعة تلك التقارير والتي ستصلهم تباعاً وتزويد أمانة سر اللجنة التنفيذية بملاحظاتهم واقتراحاتهم منوهاً إلى أن تقارير العمل التفصيلية ستكون متوفرة خلال المؤتمر العام الأول للحزب.

هذا وقد استهل السيد الرئيس التنفيذي عملية إصدار تقارير اللجنة التنفيذية برسالة وجهها إلى جميع أعضاء الحزب ننشر نصها :

لماذا نحن جمهوريون ؟

أولاً : مقدمة :

بدأت التجربة الحزبية في سورية في بداية القرن العشرين وربما أبكر قليلاً ، وهذه البداية المبكرة كانت تعبيراً عن تطور الوعي السياسي للسوريين الذين أدركوا أن مشاركتهم في الشأن العام ، تتطلّب منهم الانخراط ضمن تيارات سياسيّة تتصارع ضمن وسط سياسي مولود حديثاً ، لقد كانت التجربة السياسية الأولى التنظيمية هي تجربة جمعية “العربية الفتاة ” التي تأسست في مطلع القرن العشرين وتبعها مجموعة من الأحزاب في الفترة العثمانية ومن ثم في الفترة ” الفيصلية ” .

نضجت الأحزاب السياسية في فترة الانتداب الفرنسي واصبح الحراك السياسي في سورية منظماً في مجموعة من الأحزاب التي زاد عددها على الثلاثين حزباً ، توزعت على أغلب الاتجاهات الفكرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار .

وفي فترة الاستقلال ومع صدور قانون الجمعيات في عام 1949 تبلورت الاتجاهات السياسية واصبحت أكثر جماهيرية بحيث انخرطت شريحة كبيرة من السوريين ضمن هذه الأحزاب ، التي خاضت تجارب الانتخابات النيابية واثبتت نجاحها في ممارسة العمل السياسي وإيمانها بالتداول السلمي للسلطة في سورية ما بعد الاستقلال .

ومنذ صدور قرار حل الأحزاب في فترة الوحدة بين سورية ومصر ومن ثم انقلاب البعث وإعلان حالة الطوارئ ، انكفأت الحياة السياسية لتتحول من حراك سياسي شعبي إلى مجرد تيارات فكرية ينتظم بها مثقفون وسياسيون ، بحيث ذهبت أغلب الأحزاب لممارسة العمل السري نتيجة الملاحقة والاضطهاد أو أنها اختارت التحالف مع حزب البعث في إطار ما يسمى بـ ” الجبهة الوطنية التقدمية ” التي تأسست في عام 1972 .

تميّزت هذه المرحلة بانقسامات حادة شهدتها أغلب الأحزاب السياسية ، في ظل غياب شبه كامل للعمل السياسي القائم على تموضع المواطنين في تيارات سياسية يعبرون من خلالها عن رؤاهم وتطلعاتهم ، لقد استولى حزب البعث على الساحة السياسية السورية بالكامل واستحوذ على الجامعات ” الخزان البشري الأصيل للأحزاب السياسية ” وعلى النقابات والروابط المهنية ، ومنع أي حزب آخر من العمل بين هذه الشرائح .

ثانياً : الثورة وانكشاف الواقع :

لقد كشفت الثورة السورية الواقع السوري المسكوت عنه عقودا طويلة ، فمن ناحية أبرزت أن السلطة في سورية لا تحمل مفهوم السلطة الاستبدادية بالمعنى الذي يمكن تحديده من خلال العلوم السياسية والاجتماعية والقانونية ، فالسلطة الاستبدادية تحكم قبضتها على مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتتغوّل على الدولة حتى تسيطر عليها بشكل كامل ، لكننا واجهنا في سورية نوعاُ آخر من السلطلة هو مزيج بين مجموعات مافيوزية متوحشة وبين تداخل عوامل طائفية في بنيتها فضلا عن تفكيكها الكامل لمفهوم الدولة ذاته الذي لم يستطع الصمود بمجرد خروج أول تظاهرة في مدينة درعا ، لقد انتهى عام 2011 بنهاية فاقعة كان لابد من مواجهتها من جميع السوريين ، وهي أنه لا وجود لدولة سورية بالمعنى التقليدي ، فأساس وجود الدولة هو احتكارها الكامل لوسائل القهر والجبر ” القوة العسكرية ، مضافا إليها القدرة على فرض القانون بالقوة ” ، لكن ما واجهناه في سورية هو انهيار هذا المعنى بشكل فج عندما استعانت السلطة بمجماميع مدنية لا تنتظم بأي إطار قانوني وسمحت لها بحمل السلاح لممارسة عمليات القتل والاعتقال والتعذيب خارج القانون وبالتضاد معه ، وهذه المجاميع المدنية لم تكن سورية فقط بل كانت خليطا من عدة جنسيات لا يجمعها سوى الاشتراك بالنتماء لطائفة معينة ترى أن راس السلطة هو امتداد لهذه الطائفة ، إن مجرد هذه الاستعانة والسماح لقوى أخرى على أساس طائفي  أن تشارك الدولة بحمل السلاح هو نهاية لمفهوم الدولة لصالح مفاهيم أكثر بدائية وسابقة على الدولة في وجودها ، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل أخذ الانهيار طريقه إلى بنية المجتمع السوري بحيث رأينا عبر سنوات الثورة تآكلا كاملا لمفهوم الهوية الوطنية وعودة الجميع لانتماءاته البدائية السابقة على الدولة ، والعودة هنا لم تكن بالمعنى المجتمعي الأهلي ، بل كانت ضمن إطار هوياتي كامل حاول البعض أن يجعل منه قطيعة كاملة مع الهوية الوطنية السورية الجامعة ، لقد بات السؤال الأبرز لدى السوريين ، من نحن ؟! وهل نشكل شعبا واحدا في ظل انفلات كامل للغرائز العرقية و المذهبية .

كذلك من ناحية أخرى كشفت الثورة الواقع البائس للأحزاب السياسية السورية وللبنى المدنية للمجتمع السوري ، فهذه الأحزاب كانت غائبة بالكلية عن فعاليات الثورة التي تركت تتفاعل في الشارع وحيدة دون أن تستطيع هذه الأحزاب الإمساك باللحظة التاريخية السانحة ، وبغض النظر عن أسباب عجز الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني عن القيام بأي دور يؤطر الثورة ويجعل منها حركة مجتمعية لها أهداف واضحة وبرنامج عمل قابل للتطبيق ،  فإن هذا العجز نفسه ساهم مع عوامل أخرى بإنتاج حالة غريبة ومختلفة عن الحالة التي خرج السوريون بها في بداية ثورتهم ، سمتها الأساسية خفوت صوت الوطنية السورية لصالح أصوات أخرى اتخذت من التجييش المذهبي أو العرقي اساسا لمشاريعها التي تريد فرضها على واقع السوريين .

إن هذا الواقع الشديد السواد يحمل في طياته أيضا فرصة سانحة للسوريين لإعادة بناء هويتهم الوطنية على أسس صحيحة مطابقة للكيان السياسي وتقوم على مفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان واحترام الحريات الفردية ، وهذا يحتاج لقوى سياسية حاملة لهذا المشروع وقادرة على التنظير له والسعي لتحقيقه .

ثالثاً : حزب الجمهورية بين المغامرة والمقامرة :

أدى ذهاب الطغمة الحاكمة في سورية باتجاه الحل العسكري الشامل بكل وحشية في نهاية عام 2011 إلى وضع جديد في سورية يختلف عن الوضع الذي نشأت الثورة فيه  ، فارتفاع صوت السلاح باعتباره هو الطريقة الوحيدة لحسم مجريات الأمور من قبل النظام وتسهيله لموضوع عسكرة الثورة أدى لظهور قوى جديدة على الساحة منظمة بشكل جيد وتمتلك موارد مالية كبيرة ولها أهداف أخرى مختلفة عن أهداف الثورة السورية ، فنقطة التقاطع الوحيدة بين هذه القوى والثورة السورية هو في فكرة إسقاط النظام فقط .

إن ظهور هذه القوى ذات الأيديولجية الراديكالية التي يغلب عليها الطابع الديني والمعادية لفكرة الديمقراطية ،  أدى لوقوع اي حراك سياسي في سورية بين قمعين ، قمع النظام في المناطق التي يسيطر عليها وقمع هذه القوى في المناطق التي تسيطر عليها .

إن العمل المدني الوحيد المتاح في الداخل السوري اليوم هو العمل الإغاثي المختلط بموقف سياسي ، وهذا أدى ايضا لإفراغ المجتمع السوري من تأثير وأهمية العمل المدني الأهلي لصالح الموقف السياسي ، فالجمعيات المدنية التي نشأت في المناطق التي يسيطر عليها النظام اختلطت سياستها بسياسة النظام نفسه لأنها مضطرة للعمل تحت سقفه وضمن الهوامش التي يسمح لها بالعمل من خلالها ، وكذلك المنظمات التي نشأت في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام ، اختلطت سياسة هذه المنظمات بسياسات القوى المسيطرة في المناطق التي تمارس نشاطها فيها ، بحيث بتنا أمام تشوه جديد في البنية المجتمعية تمظهر بشكل منظمات مجتمع مدني معارضة وأخرى موالية .

لم يقف الانقسام عند الداخل السوري بل شمل ايضا تلك المنظمات التي نشأت في الخارج ودخلت في إطار هذا التصنيف الثنائي الاستقطابي الحاد .

في ظل كل هذه التعقيدات في المشهد السوري فإن ذهاب مجموعة من الأفراد باتجاه تأسيس حزب سياسي هو نوع من أنواع المغامرة التي يجب أن يدرك كل حملة هذا المشروع حدودها وشروطها وآليات العمل فيها .

ومن دون تحليل عناصر الواقع وإيجاد الطرق المناسبة المتوائمة مع الشروط الذاتية والموضوعية التي سيعمل الحزب من خلالها ، سيبقى الحزب مجرد فكرة نبيلة راودت أذهان البعض .

إن الانتقال من طور المغامرة الفكرية إلى طور التموضع المجتمعي ممكن إذا تحققت جملة من الشروط ، منها ما يتعلق بتطوير المفاهيم الذاتية لدى المجموعة المؤسسة ” وهي تشمل كل أعضاء الحزب خلال هذه الفترة ” ومنها أيضا ما يتعلق بالشروط الموضوعية العامة التي باتت تحكم حركة المجتمع السوري .

إن قدرتنا على التكيف مع شروطنا الذاتية والموضوعية هو الشرط الأساس لنجاح هذه التجربة ، وأساس النجاح هو في فهم شروط البنية التنظيمية في ظل التعقيدات التي تعيشها سورية.

رابعاً : فرط التوتر بين البنية الفكرية والبنية التنظيمية :

إن أهم سمة تطبع حزب الجمهورية هو ذلك الفرق العالي بالكمون بين البنية الفكرية التي تجمع أعضاء الحزب وبين البنية التنظيمية ، فمن ناحية لدينا بنية فكرية متماسكة وقوية بوضوحها وببنائها على أسس التفكير العلمي الحديث ، ومن ناحية أخرى لدينا بنية تنظيمية ضعيفة وعاجزة حتى اللحظة عن حمل هذه الفكرة .

إن تحليلنا لواقع البنية التنظيمية يجب أن يكون تحليلا شفافا يراعي الظروف الموضوعية التي تنمو فيها هذه البنية ،  وكذلك تحليلا يتحدث بكل صدق وشفافية عن غياب العوامل الذاتية الحاملة للبنية التنظيمية ، وهو الأمر الذي سأحاول أن أبينه في تقرير الرئيس التنفيذي عن المرحلة السابقة والذي سينشر غدا ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التقرير النهائي المفصل سيكون أمام المؤتمر الأول .

خامساً : عقلانية الفكرة وجنون الواقع :

لم تكتف وثائق الحزب الحالية ببيان تحليل الواقع ، بل سارت خطوة مهمة إلى الأمام باتجاه تقديم ما تراه حلولا واقعية للانتقال من المجتمع السوري القائم على فكرة الولاءات العرقية أو الدينة أو الأيديولوجية إلى مجتمع جديد يكون أساسه المواطن الفرد باعتباره ليس مجرد قيمة معنوية أو شعار يتم التغني به ، بل باعتباره منظومة حقوقية مؤطرة في عقد اجتماعي واضح يكون هو طرفه الأساس وغاية وجوده أيضا ، ولهذا السبب لا ينظر الحزب لقضية الديمقراطية أو حقوق الإنسان باعتبارها مسائل جميلة وحديثة ، بل ينظر لها باعتبارها الأساس في بناء الشخصية الوطنية السورية المتعالية على الانقسامات العصبوية العمودية في المجتمع .

إن الدولة الوطنية القائمة على المواطن الحر الفرد والخادمة لضرورات الاجتماع الإنساني بشكل محايد عن الجميع ليست شعارا أيديولوجيا يتبناه الحزب ، بل هي منظومة من الحلول التي يمكن ان تشكل نقطة التشارك الوحيدة بين كل افراد الوطن السوري ، ولهذا السبب يعرف الحزب نفسه بأنه حزب غير أيديولوجي بمعنى أن منظومة التفكير السياسي لدى الحزب لا تنطلق من مجموعة من المقدمات النظرية التي يراها أصحابها بأنها تمثل الخير المطلق للمجموع ” المعتقدية الدوغمائية ” ولا ينطلق الحزب من تفكير رغبوي بالبحث عن أنساق سلوك معرفي أو اجتماعي وسياسي حديث ، بل ينطلق الحزب من نقطة أساس وهي اعتبار الإنسان القيمة الأسمى في الانتظام الاجتماعي العام ، ومن هنا كان فكر الحزب بعيدا عن الايديولوجية المغلقة لأنه تعبير عن منظومة حلول يرى إمكانية تجسدها في الواقع من خلال تحليله لكل عناصر هذا الواقع والقوى الكابحة لعملية التغيير .

إن أهمية وجود الحزب كمنظومة فكرية تكمن في هذه النقطة بالضبط ، مع الأخذ بعين الاعتبار أننا لسنا مجموعة تبشيرية مهمتها التبشير بالغد الأفضل ، بل نحن مجموعة سياسية تقدم حلولا من وجهة نظرها لمشاكل الواقع السوري ، وتنتظر أن تتفاعل هذه الحلول المقدمة من قبلها وأن يتم اختبارها في أرض الواقع ، وهذا يحتاج لعمل كبير من كل أعضاء الحزب ويحتاج ايضا لتوفر القناعة الذاتية بهذه الحلول والعمل وفق هذه القناعة .

إننا جمهوريون ليس لرغبتنا بتشكيل حزب جديد أو تيار سياسي فكري يحاول التميز عن الباقين ، إننا جمهوريون لأن النظام الجمهوري في سورية هو الأكثر واقعية ، وعندما نتحدث عن النظام الجمهوري فإننا نقصد به النظام الذي نعرفه وفق رؤانا الفكرية وليس وفق التطبيقات المشوهة والمناقضة أصلا لبنية النظام الجمهوري .

إننا جمهوريون لأننا نحب وطننا ولأننا نرى أن النظام الجمهوري هو الحل وهو الأكثر واقعية ، وهذا لا يعني ادعاءنا بأننا الوحيدين الذين نمسك بالحقيقة ، إننا نؤمن بحرية التفكير لدى الآخرين كما نؤمن بحرية التفكير لدينا ، نحترم طروحاتهم الفكرية ومقاربتهم لوضع حلول لتجاوز الواقع الراهن ، لكننا نؤمن بأن فكرنا هو الأكثر واقعية والأكثر راهنية  من خلال العناصر البدئية التي ننطلق منها ، والتي تحتاج بشكل دائم لمراجعة مستمرة من قبلنا .

عاشت سورية حرة أبية

الرئيس التنفيذي

المحامي محمد صبرا

67 مشاهدة