

شكراً لاهتمامكم بالتبرع لدعم نشاطات الحزب، حيث يقبل الحزب التبرعات المالية الغير مثقلة بأي شروط مهما كان نوعها ومستواها.
لمزيد من المعلومات ، يرجى التواصل مع رئيس المكتب المالي على البريد الالكتروني [email protected]
كما يمكنكم التواصل مع الرئيس التنفيذي للحزب على العنوان [email protected]
أطيب التحيات.
شكراً لاهتمامكم بالتبرع لدعم نشاطات الحزب، حيث يقبل الحزب التبرعات المالية الغير مثقلة بأي شروط مهما كان نوعها ومستواها.
لمزيد من المعلومات ، يرجى التواصل مع رئيس المكتب المالي على البريد الالكتروني [email protected]
كما يمكنكم التواصل مع الرئيس التنفيذي للحزب على العنوان [email protected]
أطيب التحيات.
إعتاد السوريون لعقود النظرَ إلى بلدهم بكونه يحمل قيمة استراتيجية كبيرة. فدمشق سُمّيت يوماً قلب العروبة النابض، ولسوريا بمجملها مكانة مركزية في ما يُسمى بلاد الشام، حتى أن البعض كان يعتبر وجود إسرائيل مؤامرة في المقام الأول على سوريا “الطبيعية”. ووصل الشطط البلاغي يوماً بحافظ الأسد إلى حدّ التصريح بأنه يريد للجولان أن يكون في وسط سوريا! حافظ الأسد نفسه، كما هو معلوم، أعلن سقوط القنيطرة في حرب 1967 قبل اقتراب القوات الإسرائيلية منها، وسلّم رجُله “عبد الله أوجلان” لتركيا عام 1998 بعد تلقيه إنذاراً شديداً منها. أما “مأثرته” في احتلال لبنان فقد أتت بمباركة شهيرة من الإدارة الأمريكية ومعارضة الحليف السوفيتي آنذاك.
بحسب النظام البعثي والأسدي، لم تكن قيمة سوريا تنبع مما هي عليه، أو مما يُنجز في داخلها على صعيد التطور الحضاري، فقيمتها تأتي من مطامع الآخرين بها. وكان معتاداً الترويج لمؤامرة دولية مستمرة على البلاد، الأمر الذي لم يخرج عنه بشار وإعلامه بوصف الثورة بالمؤامرة الدولية. بعض من ادعاءات النظام تسرب إلى عقول السوريين عموماً، فمع انطلاق الثورة لم يكن ليخطر في بال معظمهم أن القيمة الاستراتيجية لسوريا تكاد تكون معدومة للغرب الذي اتُهم بالمؤامرة مطولاً. فهذا الغرب سينقسم بين أصحاب التعاطف اللفظي، أو الدعم الإنساني في الحد الأقصى، وأصحاب نظرية ترك سوريا بمثابة ساحة يخسر فيها الآخرون، بينما يتفق الطرفان على عدم دفع أي ثمن يتطلبه التدخل فيها.
مع ذلك، لم يكن متوقعاً استرخاص سوريا إلى الحد الذي وصل إليه بشار الأسد في اتفاقية الاحتلال الروسي. فالاتفاقية المعقودة بالتراضي وبكامل إرادته تحتوي من البنود ما يجعلها أقرب إلى الهبة من اتفاق بين نظامين أو بين مافيتين حتى. هي ليست اتفاقية إذعان، أي أنها لم تُفرض على بشار تحت تهديد التدخل الروسي الحاصل فعلاً كما حدث في الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، بل أُبرمت قبل بدء وصول قوات الاحتلال بحوالى شهر على الأقل، وهي لا تحتوي سقفاً زمنياً ولو كان مديداً، ولنقل على غرار السقف الزمني للاحتلال الفرنسي الذي أتى بصك انتداب مدته 25 عاماً.
وأن يسترخص بشار سوريا فهذا أمر متوقع منه. ففي خطابه الشهير الذي سبق توقيع الاتفاقية أعلن أن سوريا مباحة لمن يدافع عنها، بعد اعترافه بعدم قدرته على السيطرة سوى على مساحة محدودة منها. لكن من المستبعد أن يكون توقيع الاتفاقية، التي أعلن الروس أنها أبرمت بين وزيري الدفاع، قد حدث بعيداً كلياً عن معرفة أجهزة الاستخبارات الدولية. وعلى أية حال كان واضحاً منذ بداية العدوان الروسي أنه يملك تفويضاً غير محدود لا بالقيام بعمليات عسكرية وحسب وإنما في تقرير الجوانب السياسية المتعلقة بالملف السوري نيابة، أو أصالة، عن النظام. التسليم لبوتين بامتلاك زمام الملف السوري، بهذه السهولة، يعني استرخاص سوريا من قبل من يدعون أنهم أصدقاؤها، وهذا هو الأهم، وهذا مفتاح نجاح بشار والنجاح الروسي.
كل الدلائل المتوافرة منذ العدوان الروسي تشير إلى مضي المخطط كما هو، باستثناء العقبات التي يقيمها مقاتلو الفصائل المعارضة على الأرض، وفي أغلب الأحيان بإرادتهم التي لا يسندها سوى تسليح متواضع. نعم، ربما تقدم المخطط ببطء حتى الآن، غير أنه يسير حثيثاً من أجل قطع خطوط دعم المعارضة من الجهة الشمالية. وفي حال أطبق النظام ووحدات الحماية المتحالفَيْن على الحدود التركية فذلك يعني حصاراً تاماً تُستنزف بعده مثل بقية المناطق المحاصرة في ريف دمشق وحمص. أما من جهة الجنوب فلا داعي لتكرار الأكاذيب حول تفاهم أمريكي روسي على وقف إطلاق النار. إستهداف مدينة “الشيخ مسكين” بوحشية وضراوة يعني أن ثوار درعا لا يحظون بحماية القوى التي لجمتهم طوال الوقت عن التقدم شمالاً باتجاه دمشق، وأن يدعو ملك الأردن مؤخراً إلى “تنسيق الجهود مع موسكو” فهذه إشارة فاقعة إلى توجه الطرفين الأميركي والأردني اللذين يتحكمان بجبهة حوران.
باستثناء تركيا ربما، تشي ردود الأفعال الإقليمية بعدم ممانعة العدوان الروسي، أقله حتى الآن. الأمر لا يتعلق بخوف من الدب الروسي الهائج ولا بتنفيذ الإرادة الأمريكية المواكبة له، هو أقرب إلى نفض اليد من الساحة السورية نهائياً. حجة بعض القوى الإقليمية أن سوريا محتلة أصلاً من قبل إيران، وأن تنتقل من الاحتلال الإيراني إلى الروسي فهذا أقل ضرراً من جهة الصراع الشيعي السني في المنطقة، أي أن قيمة سوريا الاستراتيجية في هذا الميزان متأتية فقط من وجودها في المحور الإيراني، ولا بأس باسترخاصها إذا انتقلت إلى محتل آخر لا يثير الحساسية ذاتها. حتى استهداف تركيا من هذا المنظور قد يكون ساراً للعديد من الدول الإقليمية، فيبدو الأهم أن تُضعِف روسيا تركيا، وإيران بحسب الوهم السائد حالياً، ثم لتبقَ سوريا تحت الجحيم الروسي إلى أجل غير مسمى.
من هذا التدني العام في القيمة الاستراتيجية ينبغي أن ينطلق فعل المقاومة الجديد. فاستجداء الدعم من قوى دولية لا ترى لها مصلحة في سوريا سيكون بلا جدوى، فوق الإذلال المستمر الذي يحمله. وينبغي الاعتراف بأن جلّ ما يهم تلك القوى صار التخلص من الصداع السوري، وربما يحلم بعضها على طريقة إسحق شامير بأن يبتلع البحر سوريا ليرتاح منها. القوتان الوحيدتان اللتان تريان قيمة استراتيجية لسوريا هما موسكو وطهران، واللغة الوحيدة المفهومة في عالم السياسة أن تُجبرا على المفاضلة بين المكاسب والخسائر، وأن تصبح الأخيرة أكبر من الأولى. نعم، مع الأسف، يشترك بشار الأسد و”أصدقاؤنا” في استرخاص سوريا، بينما نشترك مع أعدائنا في تثمينها، في حين يشتركون جميعاً في استرخاص دمنا.
المصدر: المدن
هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟
تسعدنا مشاركتك ...