حزب الجمهورية

معركة التفاوض ومستلزماتها الأولية


اللجنة التنفيذية لحزب الجمهورية/ المكتب السياسي

 

 

 

بعد مؤتمر الرياض وتشكيل الهيئة العليا للمفاوضات وقرار مجلس الأمن 2254، بدأ نشاط دولي وإقليمي محموم غايته عقد جولة تفاوض بين “النظام السوري” و”المعارضة السورية” والدفع باتجاه حل سياسي، على الرغم من أن المشهد الرئيسي المسيطر على حياة السوريين اليوم هو استمرار جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها قوات “النظام السوري” ضد المدنيين، وآخرها محاصرة القرى والبلدات وتجويعها، فضلاً عن ارتفاع وتيرة القصف الروسي للمدن والبلدات السورية.

على الرغم من ملاحظاتنا العديدة على مؤتمر الرياض و”الهيئة العليا للمفاوضات” المنبثقة منه، إن كان من حيث طرائق الدعوة والتحضير وطبيعة الشخصيات المدعوة وأدوارها وتدخلات الدول الإقليمية، إلا أننا نتعاطى بشكل إيجابي مع البيان الختامي للمؤتمر والأداء السياسي الإيجابي نسبياً للهيئة، خصوصاً لجهة احتفاظ الهيئة حتى اللحظة بحد أدنى من الرزانة السياسية والموقف الصلب ضد التدخلات الإقليمية والدولية الهادفة إلى اختزال القضية السورية إلى قضية “مكافحة إرهاب” فحسب.

في هذا السياق، ومن أجل دفع الهيئة نحو مزيد من العمل الإيجابي في خدمة شعبنا، نود التذكير ولفت الانتباه إلى النقاط الأساسية التالية:

أولًا: التأكيد الدائم على أن القضية المركزية في سورية هي الثورة السورية الشعبية ضد نظام همجي ارتكب، ولا يزال، موبقات عديدة في حق سورية والسوريين، بدءاً من القتل والاعتقال، مروراً بالقصف والتشريد والتهجير والتجويع، والجرائم الأخرى ضد الإنسانية، وصولاً إلى ضرب أساسيات السيادة الوطنية باستدعاء التدخلات الخارجية المختلفة كحزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية والإيرانية الطائفية، وانتهاء باستدعاء القوات الروسية التي تحولت إلى احتلال سافر يرتكب يومياً جرائم عديدة في حق شعبنا.

ثانياً: التأكيد الدائم على قناعة الهيئة بضرورة الحل السياسي ودعمها له، لكن بالمقابل يفترض ألا يكون لديها أي وهم بأنه يمكن أن ينجم عن العملية السياسية في اللحظة الحالية أي حل سياسي عادل وشامل ودائم يتوافق مع أهداف ثورة الحرية والكرامة ويلبي الحد الأدنى من مصالح سورية والسوريين. فقد بات النظام عاجزاً عن تحقيق أي شرط من شروط عملية الانتقال السياسي بعد أن فقد قراره السياسي والعسكري، وفرط بجميع رموز السيادة الوطنية، إذ خسر السيطرة على أكثر من اثنين وتسعين في المئة من مصادر الثروة، ونحو تسعين في المئة من المعابر الحدودية والطرق الدولية المؤدية لها، وتحول منذ زمن إلى مجرد ميليشيا مثل جميع الميليشيات الطائفية الأجنبية التي جلبها، فضلاً عن عدم سيطرته فعلياً على أكثر من خمس مساحة الإقليم السوري في ظل انهيار كامل لمنظومة الدولة والقانون في هذه الرقعة، ما يعني في الحصيلة عدم أهلية النظام ليكون شريكاً في عملية الانتقال السياسي التي أقرتها القرارات الدولية ذات الصلة.

ثالثاً: إن غاية الاحتلال الروسي اليوم من العملية التفاوضية الحالية هي كسب الوقت من أجل خلق تغيير جذري في ميزان القوى العسكري لمصلحة “النظام السوري”، والدفع بقضية محاربة الإرهاب لتحتل واجهة المشهد السياسي، وربما تحويل جزء من “الفصائل العسكرية المعارضة” إلى شريك في محاربة الإرهاب على الطريقة الروسية.

رابعاً: التعاطي مع السيد ديميستورا بصفته الحقيقية، كمبعوث خاصٍّ للأمين العام للأمم المتحدة وليس كوسيط دولي، أي بصفته رسولاً يتنقل بين الأطراف والدول فحسب، ما يعني عدم السماح له بالتدخل في قرارات الهيئة العليا، مثل تأليف الوفد التفاوضي، إلى جانب أهمية حصر تواصله مع الهيئة بقناة واحدة محددة، ورفض تواصل فريقه عبر طرق جانبية مع أعضاء الهيئة.

خامساً: من المهم اعتماد معايير دقيقة وموضوعية في تأليف الوفد التفاوضي، لعل أهمها الموقف السياسي الواضح والحاسم والمتمسك برحيل رموز السلطة الحاكمة والتزام قيم ثورة الحرية والكرامة، والرؤية الوطنية فوق الانتماءات الدينية والمذهبية والعشائرية والعرقية والحزبية والفئوية والأيديولوجية)، والكفاءة السياسية.

سادساً: رفض التدخل الروسي في تأليف الوفد التفاوضي، إذ تحاول روسيا أن تقود العملية التفاوضية كلها بشروطها، وتريد أن تكون الخصم والحكم في الآن ذاته. كذلك، نعتقد أن على الهيئة عدم المشاركة في العملية التفاوضية من دون مؤشرات إيجابية، والتمسك بالنقاط الوارد ذكرها في قرار مجلس الأمن 2254 المتعلقة بتدابير بناء الثقة، والتي جاءت في صيغة إجراءات واجبة التطبيق الفوري: وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، الإفراج عن المحتجزين بشكل تعسفي، إيقاف الهجمات ضد المدنيين والمراكز المدنية، خصوصاً القصف الجوي والمدفعي.

سابعاً: من المهم للهيئة العليا للمفاوضات أن تحافظ على تماسكها في ظل الضغوط المختلفة، خصوصاً من الدول التي تضع نفسها في خانة الدول الصديقة للشعب السوري، وعدم فسح المجال للدول للعب على خلافات القوى والشخصيات في داخلها، وتأتي في هذا السياق أهمية جعل البيان الختامي لمؤتمر الرياض مرجعية الخطاب السياسي والإعلامي، والتزام أعضائها لائحة تنظيمية تحدد الأدوار والآليات بدقة بدلاً من الفوضى التنظيمية التي وسمت عمل المعارضة طوال السنوات الخمس الماضية.

أخيراً، على الرغم من اللحظة السوداوية والكارثية الحالية التي يمر بها شعبنا، فإن الهيئة العليا للمفاوضات مدعوة إلى الثقة بنفسها، والانتباه إلى أن المجتمع الدولي في حاجة إليها لإضفاء الشرعية على تحركه باتجاه الحل السياسي. وهنا لا بدّ لها من الاحتماء بالشعب السوري والاستقواء به بشكل رئيسي، والحرص على نيل تأييد ودعم قواه المدنية والسياسية والعسكرية في تحركاتها كافة، وهذا ممكن من خلال تكثيف اللقاءات مع هذه القوى ووضعها في صورة الوضع الراهن، وهو الأمر الذي يزيد من رصيد الهيئة ويعطيها ثقلاً سياسياً ضرورياً في التعاطي مع الجهات الإقليمية والدولية المختلفة.

 

اللجنة التنفيذية لحزب الجمهورية – المكتب السياسي

  20 كانون الثاني/ يناير 2016

386 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *