

شكراً لاهتمامكم بالتبرع لدعم نشاطات الحزب، حيث يقبل الحزب التبرعات المالية الغير مثقلة بأي شروط مهما كان نوعها ومستواها.
لمزيد من المعلومات ، يرجى التواصل مع رئيس المكتب المالي على البريد الالكتروني [email protected]
كما يمكنكم التواصل مع الرئيس التنفيذي للحزب على العنوان [email protected]
أطيب التحيات.
شكراً لاهتمامكم بالتبرع لدعم نشاطات الحزب، حيث يقبل الحزب التبرعات المالية الغير مثقلة بأي شروط مهما كان نوعها ومستواها.
لمزيد من المعلومات ، يرجى التواصل مع رئيس المكتب المالي على البريد الالكتروني [email protected]
كما يمكنكم التواصل مع الرئيس التنفيذي للحزب على العنوان [email protected]
أطيب التحيات.
منذ مطلع القرن العشرين وحتى الآن يمكن القول إن الشعب السوري تعرض لثلاث موجات من الهجرة، الأولى كانت في العام 1914، خلال حرب “السفر برلك” العثمانية كما يسميها السوريون، حينها هاجرت الكثير من العائلات السورية إلى الخارج، هربا من تجنيد الدولة العثمانية (آنذاك) للشباب في بلاد الشام عموماً وبشكل إجباري للقتال في الحرب العالمية الأولى، والثانية كانت في 1990 واستمرت حتى عام 2010، و بدأت هذه الموجة بعد أن ظهرت نتائج سياسة التفقير والنهب التي مارسها النظام السوري منذ عام 1970 وتعتبر هذه الفترة بمثابة مرحلة أولية من تفريغ سورية من شبابها الذين توجّه معظمهم للعمل في دول الخليج أو أوربا و أمريكا الشمالية. أما الثالثة، وهي الأشد كثافةً، بدأت منذ منتصف عام 2012 حين أصرّ نظام بشار الأسد، بتواطؤ دولي عام، على تطبيق شعاره المعروف “الأسد أو نحرق البلد” الذي رفعه منذ إنطلاق أول مظاهرة ضده في شهر آذار من العام 2011.
الهجرة والغربة بشكل عام هي تجربة قاسية جداً سواء كانت إلى دول الخليج العربي أم دول أوربا و أمريكا الشمالية، ولها آثارها النفسية العميقة والظاهرية منها. وعادةً ما يُصاب المغتربون بأزمات نفسية واجتماعية عديدة، منها القلق، الاكتئاب و الحزن ، التوتر و اضطرابات النوم ، اضطرابات الطعام … وقد تصل هذه الاضطرابات إلى فصام الشخصية والأمراض الذهانية عند البعض.
ويعود أسباب هذه الأزمات إلى كثير من العوامل، منها الفرق الكبير بين واقع الغربة و بلد الاغتراب من جهة ،و بين الصورة التي كانت مكوّنة عنهما قبل السفر من جهة أخرى (وهم النجاح السهل والسريع)، المُخيّلة الشعبية اللاواقعية عن الحريات الاجتماعية في بلاد الغرب، النظرة الدونية والعزلة الاجتماعية وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين وخصوصا بالنسبة للمهاجرين إلى دول أوربا و أمريكا الشمالية، صعوبة تعلم اللغة، إختلاف الثقافة و المعايير و القييم الاجتماعية، البعد عن الأهل والأصدقاء والمحيط الاجتماعي للبلد الأم وما يرافقه من حنين ومشاعر ألم، الاحساس بالنقص و تبخيس الهوية الاجتماعية،…الخ
العديد من النظريات في علم النفس الاجتماعي درست الحالة النفسية للمهاجرين وحالة التناقض التي يعيشونها بشكل شعوري أو لاشعوري بين هويتهم وثقافتهم الأم وبين الهوية الثقافية للمجتمع المضيف (بلد الاغتراب). وبناء عليه ومنه يتحدد موقفهم (بمكوناته الثلاثة : العاطفي و السلوكي و الفكري) من هذا البلد المضيف. بحسب نظرية استراتيجيات التثاقف للباحث الكندي جون بيري (2000، 2008) هناك أربعة مواقف مختلفة ممكن أن يتبناها المهاجرون :
بين رفض الغرب لتأكيد الذات و رفض الذات لتأكيد الحضارة والاندماج فيها، تبقى علاقة معظم المُغتربين مع وطنهم الأم علاقة معقدة، تنتابها كثير من التناقضات. علاقة لاواعية “سادومازوشية” تتجسد فيها مشاعر الحنين و النفور، مشاعر الحب والكره، مشاعر الاطمئنان والخوف، مشاعر الغضب والرضى. فبالرغم من أن أكثرية المغتربين لا يدعون أي فرصة تمرّ من دون نقد الواقع السياسي والاقتصادي في سورية ومقارنته مع الواقع السياسي والاقتصادي لبلد الاغتراب، تبقى علاقة قسمٍ منهم مع وطنه الأم علاقة قائمة على عواطف مُبالغ فيها و أحاسيس نوستالجيا دفينة غير منطقية.
و بفعل حاضر الغربة المرير والقاسي وبفعل العُزلة الاجتماعية والنظرة الدونية التي يعاني منها، ينسى معظم المغتربين ماضيهم وذكرياتهم المؤلمة في وطنهم الأم الذي يتحول – بفعل الذاكرة الاصطفائية – إلى جنة الله في الأرض. فيصبح أي شيء في الوطن أو على علاقة به، له مذاق آخر جميل يذكرهم بالأم و الأب والأخوة و الأصدقاء والجيران و الحارة والسهرات. يذكرهم بمرحلة من الزمن كان لهم وجود اجتماعي و أُناس مرتبطون بهم عاطفياً وهو ما يفتقدونه في حاضرهم.
وهكذا يقضي بعض المغتربين سهراتهم يجترّون الماضي السعيد وتبدأ السهرة بالتغنّي بنكهة الخضار في بلدهم و طعم اللحمة المميز ومذاق الحلويات والعصرونية والشتوية و مدفئة المازوت وشوربة العدس لتمرّ ببعض السباب على المجتمع الغربي وعلاقاته الاجتماعية المفككة و تنتهي بجملة “والله ما في أحلى من بلدنا بالعالم”. و يُختصر الوطن إلى ذكريات جميلة وتختلط هوية المغترب الفردية بهوية وطنه ويُصبح في أعين الآخرين “السوري”، وبناء عليه ومنه فإن أي نقد موجه للوطن موجه له شخصياً.
قسم من المغتربين السوريين الذين هاجروا في تسعينات القرن الماضي وخصوصاً من لم يتمكن من “التكيّف الاجتماعي” في بلد الاغتراب أيّد نظام الاستبداد فاتخذوا موقفاً سلبياً من ثورة شعبهم. كيف لا و قد حرمتهم الثورة من العودة لوطنهم الذي تحول لمرتع لإجازاتهم الصيفية ومنفذاً للترفيه وتفريغ عقد النقص التي يعانون منها في دول الاغتراب، حيث يعود سنوياً مغتربو الخليج بسياراتهم الفارهة (غالبا ما تكون بالدين وبالأقساط) ومغتربو أوروبا الذين يعيشون في كثير من الأحيان كمواطنين من الدرجة الثانية ليمارسوا حالة استعلائية على أقاربهم ومعارفهم في الوطن كونهم مغتربين متميزين عنهم بالغنى (في كثير من الأحيان بسبب فرق العملة لا أكثر ولا أقل) وبممارسة الحرية والديمقراطية و حرية العمل التي حُرم منها أبناء وطنهم.
حالة الاستعلاء والفوقية هذه التي يمارسونها مباشرة بشكل إرادي أو غير مباشر بشكل لا إرادي والصورة الإيجابية التي يتمتعون بها خلال إجازاتهم الصيفية، تشكل بالنسبة لهم نوع من العلاج النفسي لجميع أزماتهم التي يعانون منها خلال الأحد عشر شهراً في بلد الاغتراب. أكثر جملة يمكن أن نسمعها من مؤيدي الطاغية في أوربا هي: “جماعة الحرية حرمونا من الرجعة ع سوريا هي السَنة” و “هلق هدول صاروا يفهموا للحرية” أو أيضا تلك الجملة الشهيرة التي يرددها من عانى الاستبداد والعبودية لزمن طويل وأصبح يقوم بعملية تبخيس ذاتي من تلقاء نفسه ليبرر وجود الطاغية ونظامه فيقول: “نحن شعب لا تليق به الحرية”. تعكس هذه العبارات مدى استعلائهم واحتقارهم لشعبهم ولأنفسهم وتبخيسهم لذواتهم ومحاولة التخلص من هذه النظرة السلبية عن طريق إجازاتهم الصيفية.
هذا المقال لا يخضع لأي دراسة علمية، فهو مجرد رأي نابع عن مجموعة من النقاشات والملاحظات اليومية، قد يُصيب و قد يُخطئ. وقد استخدمنا دائماً مصطلحات مثل “معظم المُغتربين” أو “أكثرية المغتربين” لتأكيدنا على أن القوانين الاجتماعية تختلف عن القوانين الفزيائية والرياضية من جهة، و لنتجنب التعميم وإطلاق الأحكام الشمولية التي تبدأ بعبارات “كل” و “جميع” من جهة أُخرى.
هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟
تسعدنا مشاركتك ...