صابر جيرودي

سوريا تحترق على أيدي التتار الجدد


صابر جيرودي

كانت العادة في سوريا أن تشتعل فيها حرائق صغيرة في مواسم الحصاد، وكانت تنتهي بحرق حقل قمح هنا أو بيدر هناك.. كانت التهمة جاهزة.. عقب سيجارة رماه طفل لم يبلغ سن الرشد.. غير أن حرائق اليوم لا تُشبه حرائق الأمس.. حرائق اليوم تُشعلها قنابل الطائرات وليس أعقاب السجائر.. والمتهمون بحرائق اليوم ليسوا أطفالًا تخلصوا من أعقاب سجائرهم بطريقة غير واعية.. المتهمون اليوم ضباط كبار يقودون طائرات الميغ ويقصفون بها المدن السورية لتحترق على رؤوس ساكنيها دون رأفة ولا رحمة.. ضباط موجهون من قيادة مجرمة وسعت مساحة الدمار وتحللت من كل القيم بهوس الانتهاك وحب السلطة..

قيادة مجرمة أباحت ممارسة القتل انتصارًا لعقل أناني نرجسي يتنصل من كل ما حوله، ويعتصم فقط بقيمة وحيدة هي السلطة.. قيادة مجرمة لم تفهم بعد أن الدول لا تُحكم بالدبابات وراجمات الصواريخ ومدافع الهاون.. ولم تدرك إن الدول لا تُحكم بقتل الشرفاء والأحرار.. نعم الدول لا تُحكم أيها التتار بقصف المدن بالطائرات، ولا بقتل الأطفال والنساء والشيوخ، ولا بترويع الأطفال الرضع والشيوخ الركع والنساء الحوامل، كما أن الدول لا تُحكم بإهدار كرامة الإنسان في أقبية الموت وحواجز العار..

لقد مارس  التتار الجدد كل ما ذكرته وأكثر، لأنهم لم يفهموا بعد أن الدول يجب أن تُحكم بالعدل.. العدل الذي لا يختلف عليه اثنان.. لأن العدل هو أن يفوز كل صاحب حق بحقه.. التتار الجدد لم يفهموا بعد معنى احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية التي أقرتها الشرائع السماوية والمواثيق والإعلانات الدولية.. من يقصف السوريين بالطائرات لا يفهم معنى الإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى بقوله: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (الإسراء: 70).

هؤلاء التتار ما زالوا يؤمنون بنظام الحزب الواحد.. والرقابة البوليسية الشديدة.. واستيلاء فئة قليلة على جميع الوسائل العسكرية.. وإدارة الاقتصاد والتحكم به من قبل مجموعة من اللصوص.. وبتركيز جميع وسائل الدعاية والإعلام بأيدي الطبالين والزمارين والصعاليك من كتبة التقارير الذين يتميزون بالغباء والبلادة والبلاهة، بسبب تهافت خطابهم الإعلامي منذ أن أخرج التلفزيون السوري فيلم قرية البيضا، مرورًا بأسلحة المسجد العمري، وليس انتهاءً بفيلم وزير الخارجية عن العصابات المسلحة وتصريحات رأس النظام مؤخرا للصحيفة الالمانية.

لقد كتبت لهؤلاء التتار منذ بداية الثورة مقالًا شرحت فيه لماذا يردد أبناء حوران شعار (الموت ولا المذلة)، طلبت فيه من قيادتهم تشكيل لجان تحقيق نزيهة وموضوعية ومقتدرة، تنظر في شكاوى الذين تعرضوا للقتل والقهر والظلم، من أجل أن يتحقق العدل في فضاءات المجتمع السوري.. العدل الذي ينفي أخطارًا كثيرة.. ينفي الظلم والتمييز وحالة الاستلاب التي يحدثها القاهر للمقهور.. طلبت ذلك في لحظة تاريخية كنت اعتقد جازمًا أنهم لو فعلوا ذلك لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه الآن.. والآن أتساءل ويتساءل معي كل الأحرار من السوريين: كيف سيحكم التتار الجدد سوريا بعد الذي فعلوه في البلاد والعباد؟

لا أعرف إن كانوا يمتلكون تقارير دولية أو إقليمه تؤكد لهم استمرار حكمهم لسوريا، وإنه لا مشكلة في الدماء التي سالت على تراب الوطن، ولكن ما أعرفه ومتأكد من معرفته هو أنهم لن يحكموا سوريا بعد أن حرقوا مدنها بالطائرات.. ما أعرفه أن الشعب لم يعد يلتفت إلى تصريحات الرئيس عن مواصلة حرقه للمدن وتطهيرها من الإرهابيين، ولا إلى زيارة دي ميستورا وحلوله التي لا تصب إلا في مصلحة النظام، ولا إلى مسرح عبثي من نوع مؤتمر جنيف ومهزلة موسكو،  هذه كلها مشاهد نظام في سكراته الأخيرة.. هذه كلها صور نهاية لنظام يفاجئه الخطر من حيث لا يحتسب.. من الشعب الذي استهان به فقصفه بالطائرات.. من الثوار الذين يغزلون لسوريا أثواب غضبها الأحمر.. أجزم أن سوريا ستخرج من تحت الرماد لتنتصر.. فالنظام يبدو مفزوعًا إلى الحد الأقصى ويشعر أن الانهيارات الكبرى بدأت.. والأقنعة سقطت.. ولحظة الحقيقة تبلورت.. والنهاية اقتربت بإذن الله…

288 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *