نوادر الإعلام الروسي


باسل العودات

لم تكن مفاجئة طريقة تعامل الإعلام الروسي الرسمي وشبه الرسمي مع التدخل العسكري الروسي في سورية، فبلد تحكمه سلطة شمولية تَعتبر الإعلام ملكها ووسيلة للترويج لها، لا يمكن أن تقبل إعلاماً يُقدّم الحقيقة المجردة ويلتزم بشرف المهنة.

أثبتت وسائل الإعلام الروسية التي تنطق بالعربية، الرسمية منها وشبه الرسمية، خلال الأسابيع الأخيرة أنها أداة تنفيذية لما تأمر به السلطة السياسية، وأنها ليست إلا وسائل إعلام لسلطة شمولية ترى بعين واحدة وتتجاهل أخطاء النظام السياسي، وتُسوّق للسلطة السياسية بطريقة فجّة استعراضية لا تخلو من الكثير من المبالغات والأكاذيب، وتنسى أن مهمتها الأساسية (النظرية على الأقل) هي أن تكون وسيلة للتقارب بين الحضارات والشعوب.

تابع العربي عموماً والسوري خصوصاً الكم الهائل من الأخبار والتعليقات والبرامج التي بثتها وسائل الإعلام الروسية من أجل محاولة فهم الموقف الروسي من الأزمة السورية والأسباب الحقيقية وراء تدخل موسكو، لكنهم فوجئوا بحجم تبعية الإعلام الروسي للسلطة السياسية الروسية ومقدار التحيّز للنظام السوري.

يفقأ العين التحيز الفجّ لوسائل الإعلام هذه للنظام السوري، رغم كل (البراميل) التي ألقاها ويلقيها على شعب كان يوماً يتغنى بصداقته للشعب الروسي، كذلك تثير الانتباه التقارير والأخبار التي تبثها لتضخيم الآلة العسكرية الروسية بأي طريقة لترهيب المعارضة السورية (وغيرها)، حتى لو كانت كاريكاتيرية يخجل أن يصنعها محترفون، مثل تقارير عن “الصواريخ المفاجأة”، وأخرى عن “الأسلحة الروسية الخارقة”، و”السلاح الروسي السري الذي سيهزم العالم”، و”الجيش الروسي الذي لا يُقهر”، و”صدمة في العالم من الأسلحة الروسية”، و”الدبابة الروسية التي تهزم مائة دبابة أمريكية” وغيرها الكثير من (النوادر).

في السياق، لا يخفي الإعلام الروسي الجهود الاستثنائية التي يبذلها لتضخيم شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، (رامبو) الشرق و(هرقل) الجديد، الوسيم الخارق وبطل كمال الأجسام، الجامع لفكر وأخلاق تولستوي وفلسفة فرويد وحكمة لقمان، (زير) النساء ومحبوب المراهقات حول العالم، (آل باتشينو) موسكو ونجم نجوم رؤساء العالم.

بالمقابل، لم يعرف هذا الإعلام كيف (يُرقّع) أخطاء جيشه، ولا سبب سقوط صواريخه (الدقيقة جداً) في إيران بدلاً من سورية، ولم يُفسّر كيف استطاع الطيران الروسي تدمير 60% من مقدرات تنظيم الدولة الإسلامية خلال خمسة أيام وبثلاثين طلعة جوية فقط، فيما عرف جهابذته أن يُذكّروا بأن (الطقس مناسب) لقصف سورية، وأن (جحافل الإرهابيين) يفرون من سورية أفواجاً خوفاً من الدب الروسي، وأن روسيا قتلت مئات مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في بلدات لم يطأها مقاتل من هذا التنظيم يوماً.

كل هذا التوصيف ليس تركيباً كاريكاتيرياً، وليس اتهاماً لهذا الإعلام بأنه أصبح إعلاماً (تشبيحياً) كما هو إعلام النظام السوري، ولا (تحاملاً) على موسكو التي (صمتت دهراً ونطقت كفراً)، بل هو حقيقة يمكن أن يجدها بسهولة من يبحث عن كل ما صدر عن هذا الإعلام خلال الأسابيع الماضية، حيث يتولد بسهولة للمتابع انطباع بأن القائمين على هذه المؤسسات من العرب والروس هم ممن احترفوا تحريف الحقائق لحساب أنظمة مهترئة ويحملون في عمقهم أمراضها.

يمكن الحديث دون حرج عمن يستضيفهم هذا الإعلام من خبراء سياسيين واستراتيجيين، يتحدثون عن كل شيء ويَفتون به، وهم في الحقيقة لا يملكون أساسيات الفكر التحليلي، ويجزمون بوحدانية آرائهم وصوابيتها، ماهرون بخلق كره بينهم وبين المتلقي وكأنهم يبحثون عمداً عن أي وسيلة لاستفزازه وإخراجه عن طوره.

لا يعرف السوريون من ورث عن من، هل النظام السوري ورث (التشبيح) الإعلامي عن النظام الروسي أم العكس، فكلا الإعلامين نتاج سلطة شمولية، ووسائل لتقييد الحريات ورفض الرأي الآخر، ومنابر لتلميع السلطان وحاشيته، ووسائل لمنع كشف الفساد السياسي والمالي والأخلاقي، وتوجههما الأجهزة الأمنية ومؤسسات الظل، في بلدين لا يعترفان بالحرية وحق التعبير، وكلاهما يتبعان نظرية (غوبلز) وزير الدعاية الألماني النازي التي تقول (إكذب، إكذب، حتى يصدقك الناس).

رغم أن زمن (غوبلز) ليس زماننا، وظروفه غير ظروفنا، إلا أن النظامين الروسي والسوري مازالا عالقين في ذلك الزمان لا يعرفان أن الدنيا أصبحت قرية صغيرة.

المصدر: المدن

14 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *