general syrian conference

المؤتمر السوري في عام 1920


ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

الحكم الملكي في سورية:

 دام الحكم الملكي في سورية لمدة أربعة أشهر وعشرون يوما فقط، من 8 آذار 1920 وحتى 28 تموز 1920.

كان لسورية ملك في الخامسة والثلاثين من العمر، هو الملك فيصل بن الحسين، الذي زار أوربا وأمضى فترة فيها، وعندما استقبله ملك بريطانيا جورج الخامس، آمن فيصل بوجوب ان تكون سورية مملكة مشابهة للمملكة البريطانية، الملك فيها يملك ولا يحكم، وتسمى هذه الحالة (الملكية الدستورية).

للمملكة مجلس لوردات (شيوخ) يعين من قبل الملك، ومجلس عمومي (نواب) يمثل كافة مواطني المملكة، ويضع القوانين العامة.

والمملكة مؤلفة من مقاطعات، لكل مقاطعة حاكم يعين من قبل الملك ويكون عضوا في مجلس الشيوخ، ولكل مقاطعة مجلس محلي منتخب يضع القوانين الخاصة بالمقاطعة.

أُعلن فيصل ملكا على سورية، في الثامن من آذار عام 1920، بعدما انسحبت القوات البريطانية من الأراضي السورية.

عقد المؤتمر السوري في ربيع عام 1920 اجتماعه، وهو أول برلمان سوري منتخب ( يسمى أيضا جمعية تأسيسية )، وقرر إعلان استقلال سورية بحدودها الطبيعية، وإعلان الأمير فيصل ملكا عليها، وعلى الرغم من الشكوك الكبيرة التي أحاطت بعمل فيصل واتصالاته الدبلوماسية وتوقيعاته السرية، فإن رجال العمل العربي رأوا فيه وعداً فاتناً بالاستقلال العربي.

كانت سورية الطبيعية التي تضم سورية ولبنان وفلسطين والأردن تسمى بلاد الشام، وكانت مقسمة إداريا زمن العثمانيين، تقسيما مختلفا تماما عن التقسيم الحالي، فقد كانت ولاية حلب: تضم حلب وإنطاكية وعنتاب وكلس وأورفة وميناؤها الاسكندرونة.

وولاية الشام: تضم دمشق وحماه وحمص وتدمر ودرعا وتضم أيضا بعلبك وعمان عاصمة الأردن الحالية وتمتد جنوبا حتى العقبة.

وولاية بيروت: تضم اللاذقية وطرطوس وطرابلس وبيروت وتمتد جنوبا حتى حيفا.

وكانت هناك منطقتان ذات وضع خاص تحملان اسم سنجق، وهما سنجق القدس ويضم القدس ويافا وغزة، وسنجق جبل لبنان ومركزه بعبدا.

وكان الحاكم العام العسكري لسورية هو الدمشقي علي رضا الركابي وقد كان ضابطا سابقا في الجيش العثماني، ثم خلفه الزعيم – وهو الاسم الجديد للرتبة – مصطفى نعمة بك العباسي وهو من حلب وكان متزوجا من سيدة تركية وهو ضابط سابق في الجيش العثماني، وبقي حاكما عاما عسكريا، حتى إلغاء هذا المنصب بإعلان الاستقلال وقيام الملكية.

بعد قرار المؤتمر السوري بإعلان الاستقلال وقيام الملكية، قام وفد يمثل أعضاء المؤتمر السوري، شارك فيه هاشم الاتاسي رئيس المؤتمر، وعبد القادر الكيلاني مندوب حماة، وتيدوري إنطاكي وسعد الله الجابري مندوبي حلب، وفاتح مرعشي مندوب اعزاز، والشيخ عبد القادر الخطيب وعبد الرحمن اليوسف مندوبي الشام، وغيرهم……بإبلاغ الأمير فيصل قرار المؤتمر.

وتوجه الأمير فيصل مع حاشيته إلى مقر المؤتمر، وأُعلن في الساعة الثالثة بعد الظهر في الثامن من آذار عام 1920 ،استقلال سورية بحدودها الطبيعية وإعلانها مملكة، وتنصيب الأمير فيصل بن الحسين ملكاً عليها، ورُفع العلم السوري بعد ان تقرر أن يكون العلم العربي في الحجاز علماً للبلاد، مع إضافة نجمة بيضاء على المثلث الأحمر، لأول مرة في التاريخ المعاصر في حلم تحقق لكل وطني عاش تلك الفترة، على شرفة بناء البلدية في ساحة المرجة، وعلى مشهد من جموع الجماهير السورية المتحمسة، وأطلقت المدافع مائة طلقة ابتهاجا، وتجمعت الجماهير في شارع النصر وطريق الصالحية وتوجهت سيرا على الاقدام، الى ساحة الشهداء، وخصصت بلدية العاصمة بناية مسرح زهرة دمشق للمتفرجات من السيدات ودامت الاحتفالات ثلاثة أيام.

و تشكل بلاط ملكي لفيصل، ترأسه الحلبي إحسان الجابري، والذي كان يعمل سابقا رئيس أمناء (ياور) في قصر السلطان في اسطنبول، وهو الشقيق الأكبر لسعد الله الجابري وقد طبق الجابري المراسم السلطانية التركية العثمانية على الملك العربي.

وأعلن الملك العفو العام، وتشكلت الوزارة الأولى برئاسة رضا باشا الركابي في شهر آذار عام 1920، وتألفت من سبعة وزراء، وكان وزراؤها : من دمشق فارس الخوري نقيب محاميي دمشق وزيرا للمالية، ومن حلب ساطع الحصري لوزارة المعارف وجلال زهدي القاضي الحلبي لوزارة العدل، ومن اللاذقية يوسف الحكيم وهو والد المحامي الأستاذ الكبير جاك الحكيم وزيرا للتجارة والزراعة والنافعة..و غيرهم، وتم تعيين علاء الدين الدروبي رئيسا لمجلس الشورى.

وطلب المؤتمر، في أول اختبار لمعرفة حقيقة من سيحكم سورية في الأيام القادمة رجال المؤتمر أم الملك، ان تقدم الوزارة بيانها أمامه حتى يمنحها الثقة، فلم يقبل فيصل بأن تكون الحكومة مسؤولة أمام المؤتمر السوري، وقال ان مهمة المؤتمر تنتهي بتتويجه ملكا.

وتصدى لفيصل الشيخ رشيد رضا (من طرابلس) وهو الكاتب والأديب الكبير صاحب مجلة المنار تلميذ الشيخ محمد عبده، قائلا : ان المؤتمر هو الذي أوجدك، فقد كنت قائدا من قواد الحلفاء فجعلك المؤتمر ملكا، ورضخ فيصل وصارت الوزارة مسؤولة عن الحكم وتحاسب أمام المؤتمر السوري، ولم تعد علاقتها المباشرة مع الملك.

أما البريطانيون والفرنسيون فقد رفضوا الاعتراف بالمؤتمر السوري وبقراراته، وبتنصيب فيصل ملكا على سورية وبقيت مراسلاتهم للملك تعنون باسم الأمير فيصل وليس الملك فيصل.

وبعد شهرين في أيار عام 1920 وصلت لسورية أنباء مقررات مؤتمر سان ريمو، واتفاق البريطانيين مع الفرنسيين على وضع سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، وفلسطين والعراق تحت الانتداب البريطاني.

و ثار المواطنون السوريون، واستقالت الحكومة وترك هاشم الاتاسي رئاسة المؤتمر للشيخ رشيد رضا، وشكل وزارة مهمتها الدفاع عن استقلال البلاد، وعين الاتاسي وزيران جديدان في هذه الوزارة مقربان من الوطنيين والمؤتمر، وهما وزير الحربية يوسف العظمة ود عبد الرحمن الشهبندر وزيرا للخارجية، وبقي فارس الخوري وزيرا للمالية وساطع الحصري وزيرا للمعارف، وكان أغلب الوزراء ممن عرفوا بعدم موالاتهم للفرنسيين وبوطنيتهم الشديدة.

ومن الأمور الطريفة التي قامت بها هذه الحكومة الناشئة، إعلان جباية رسم الاستهلاك على باكيتات الدخان، وذلك بإلصاق طابع مالي لا يمكن فتح الباكيت دون تمزيقه، وما زالت بعض الباكيتات الوطنية تحمل هذه اللصاقة التي تمثل الطابع حتى هذا التاريخ رغم بطلان استعماله، وكذلك وضعت طابع مالي على أوراق اللعب (الشدة او الاسكامبيل).

وقامت الحكومة بجهود جبارة وخلال بضعة أشهر فقط، فقد أُعلن عن عزم الحكومة طرح الدينار السوري الذهبي، ووزنه حوالي ستة غرامات ونصف، وقسم الدينار لمائة قرش سوري، وطرح فئة نصف دينار.

وكذلك عزمها على طرح الريال السوري الفضي ووزنه خمس وعشرون غراما فضة، مع الاستمرار في تداول واعتماد الليرة العثمانية، وقبول الليرة الانكليزية والجنيه المصري الذهبي اللذين دخلا مع القوات البريطانية إلى سورية.

وأُعلن التجنيد الإجباري لكل من بلغ العشرين من العمر ولم يتجاوز الأربعين، ولمدة خدمة تبلغ ستة أشهر ثم تقرر التمديد لسنة كاملة، وتقرر انه يمكن لمن لا يرغب بالخدمة دفع بدل نقدي قدره خمسون دينار سوري ذهبي، واستثني رجال الدين من جميع الطوائف من خدمة العلم، وكان الشاب الوحيد لعائلته يخدم خدمات خفيفة في الجيش، وتقرر إعطاء الجندي راتب شهري قدره نصف دينار ذهبي إضافة لطعامه ولباسه.

وأعلنت الحكومة انه يجوز للمجرم المحكوم بالحبس، إبدال حبسه بعد دفع حقوق الناس، بمبلغ يتراوح بين نصف الدينار الذهبي والدينارين عن كل يوم، ويعود التقدير للقاضي حسب حالة المحكوم.

وأحدثت محكمة تمييز (تسمى حاليا محكمة النقض) في دمشق، كما أُحدث مجلس شورى الدولة، للبحث وإعطاء القرار في الأمور الإدارية للدولة.

وأحدثت الجامعة السورية في دمشق وسميت الجامعة العربية في بداية الأمر، وكانت فيها كليتين فقط هما كلية الطب وكلية الحقوق وسميت في البداية مدرسة الحقوق ثم معهد الحقوق العربي بدمشق، ودُرّس الطب باللغة العربية وللمرة الأولى، وسورية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تدرس الطب باللغة العربية حتى هذا التاريخ.

وتم تعريب أسماء الرتب العسكرية للجيش بالكامل، وكذلك تعريب الاصطلاحات العسكرية، بينما بقي ضباط الجيش بمصر يحملون رتبا بأسماء تركية إلى ما بعد ذلك الزمن بمدة طويلة.

وقررت الحكومة تعريب جميع المعاملات في الدولة والدواوين والمدارس وكافة الكتب الرسمية بعد ان كانت تكتب باللغة التركية العثمانية، وكان لوزير المعارف ساطع الحصري الدور الأكبر في تعريب التعليم.

وتقرر ان تكون المدرسة الظاهرية بدمشق داراً للكتب، أي مكتبة عامة.

أما المؤتمر السوري فقد انصرف لوضع القانون الأساسي (الدستور) ووضع رجال سورية الوطنيين دستورا جريئا يعتبر قفزة حضارية بعد نظام الحكم العثماني الذي كان معمولا به، كان دستورا عصريا يعتمد على الانتخاب مع المحافظة على دور الأعيان التاريخي، يعطي للملك سلطات تحت رقابة صارمة من نواب الشعب، والوزراء عرضة دائما للمساءلة والمحاكمة في حال أخطؤوا، وكذلك لا يجوز للنواب الاستفادة من موقعهم والحصول على أية امتيازات في مشاريع الدولة وتألف الدستور من 135 مادة، أهمها:

إن نظام الحكم ملكي دستوري وراثي للابن الأكبر للملك، وتقسم سورية الطبيعية إلى مقاطعات مستقلة استقلالا إداريا.

وللمملكة مجلس شيوخ يشابه مجلس اللوردات البريطاني، يعينه الملك من الأعيان وعضويته مدى الحياة.

ومجلس نواب ينتخبه المواطنون على مرحلتين، ومدة ولايته أربع سنوات.

وفي حال اخذ مجلس النواب قرارا بإصدار قانون، يعرضه على مجلس الشيوخ فان رفضه مجلس الشيوخ وأصر عليه النواب، تشكل لجنة متساوية العدد من المجلسين لحل الأمر، أما بالنسبة للموازنة العامة فان القرار الأخير لمجلس النواب.

ويقوم الملك بتعيين رئيس الوزارة الذي يختار وزراءه ويعرضهم على الملك، ولا يجوز ان يكون احد أفراد العائلة المالكة وزيرا.

ولا تعلن الأحكام العرفية إلا بموافقة المجلس في حال انعقاد المجلس العمومي، وفي حال لم يكن المجلس منعقدا وكان الأمر طارئا فتعلن الحكومة الأحكام العرفية وتدعو المجلس فورا.

وفي حال وجود شكوى على وزير، يجب أن يوافق أكثرية أعضاء المجلس على التحقيق معه، وتقوم لجنة من المجلس بالتحقيق وترفع النتيجة إلى المجلس، وفي حال صوت ثلث الأعضاء على قبول نتيجة التحقيق معه تسقط وزارته ويحاكم.

ولكل أربعين ألف مواطن نائب واحد، ولا يجوز للنائب عقد مقاولات باسمه او باسم شركائه مع الحكومة.

ويشكل في كل مقاطعة مجلس نيابي يسن القوانين المحلية بما لا يخالف القانون الأساسي (الدستور) او القوانين التي يسنها المجلس العمومي، وينتخب نائب المقاطعة في انتخابات من درجة واحدة، ولكل عشرين ألف مواطن نائب ومدة المجلس سنتان، ويرفع مجلس المقاطعة القوانين التي يقرها بما لا يعارض القوانين العامة إلى الملك ليقرها ،و تعرض على مجلس الشيوخ.

يحكم كل مقاطعة حاكما معينا من الملك ويكون عضوا في مجلس الشيوخ، وإذا حصل خلاف بينه وبين مجلس نواب المقاطعة يحكم بينهما مجلس الشيوخ، ولمجلس الشيوخ الحق في إقالة الحاكم، والمقاطعة مؤلفة من ولايات والولايات مؤلفة من مديريات.

وقرر الدستور ان التعليم الابتدائي إجباري ومجاني في المدارس الحكومية.

ووضع هذا الدستور نواب من الشام وحلب وحماة وحمص ودير الزور وادلب واللاذقية وإنطاكية وبيروت وطرابلس وبعلبك وصور ونابلس وعكا وحيفا والخليل وطولكرم ومعان.

اشهرهم :من حلب وما حولها فاتح مرعشي وجلال القدسي نائبا اعزاز وحكمت النيال وسعد الله الجابري ويوسف الكيالي ونوري الجسر وإبراهيم هنانو ورشيد المدرس.

ومن دمشق : فوزي البكري وعبد الرحمن اليوسف والشيخ عبد القادر الخطيب ودعاس الجريس ومحمد المجتهد وعزت الشادا ويوسف لينيادو واحمد القضماني.

ومن حماه : خالد البرازي وعبد القادر الكيلاني ومن إنطاكية صبحي بركات ومن المعرة حكمت الحراكي ومن حمص هاشم الاتاسي ووصفي الاتاسي ومن ادلب احمد العياشي.

عمليا، اقتصرت المملكة على سورية الداخلية، المنحصرة بين القوات الفرنسية التي كانت تحتل الساحل، والقوات الإنكليزية المسيطرة شرقا وجنوبا.

قام الفرنسيون بتعيين الجنرال القوي ذو اليد المقطوعة والرجل الخشبية غورو مفوضا ساميا ببيروت، وهو من أبطال الحرب العالمية بالنسبة للفرنسيين ،و فقد يده ورجله في أحد معاركها في الدردنيل، وكان الأمير فيصل قد التقى به سابقا في باريس فقال له غورو بكلام مبطن واضح المعاني: ان العرب محقون في رفضهم تجزئة بلادهم، ولكنه مضطر لتنفيذ الأوامر وانه يكره إراقة الدماء، ولكنه لن يتأخر عن ذلك إذا تطلب الأمر، وأجابه فيصل ان السوريون سيفعلون كل شيء للدفاع عن وحدتهم واستقلالهم.

و فور انسحاب القوات البريطانية من سورية، وصل الجنرال غورو إلى بيروت، برفقة ثلاثين ألف جندي مع المدفعية وأسراب الطيارات وقام باحتلال البقاع التابعة إداريا لدمشق فورا مع ثلاثة آلاف من جنوده.

وبعد مرور أقل من ثلاثة اشهر على تعيين حكومة الاتاسي، أنذرت القوات الفرنسية الملك فيصل بإنذار غورو الشهير في 14 تموز 1920، بعدم مقاومة الزحف الفرنسي وتسليم الخطوط الحديدية وقبول العملة الورقية بدلا من الذهبية وتسريح الجيش العربي، وتسليم رجال الثورة وخاصة الشيخ صالح العلي، وذلك خلال أربعة أيام.

قرر فيصل قبول إنذار غورو، ولكنه تصادم مع الوطنيين، عندما سألوه عن أنباء اتفاقه مع البريطانيين والفرنسيين وقبوله باستقلال لبنان، نفى فيصل بشدة في البداية، ولكن عاد وصرح عن وجود اتفاق من هذا النوع، وعندما هاجمه الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، وهو طبيب وزعيم دمشقي كان وزيرا للخارجية وقتها، رد فيصل قائلا : أنا من سلالة النبي، فأجابه الشهبندر: وأنا ابن هذا الشعب، وأرفض كل وصاية، وأطالب بتشكيل حكومة قوية.

وانقسمت الوزارة السورية إلى قسمين : الأول وهو الأغلبية رأى انه لا فائدة من المقاومة والثاني قرر المقاومة حتى الموت.

وأُعلنت الأحكام العرفية في البلاد وانعقد المؤتمر السوري ،و تشكلت ثلاث فرق جيش نظامية واحدة في حلب والثانية بدمشق والثالثة بدرعا وضمت ثمانية آلاف مقاتل بينهم حوالي خمسمائة ضابط.

وأعلن قائد الجيش ياسين الهاشمي، وكان معتدلا وواقعيا، عدم قدرة الجيش على مواجهة قوات غورو، وصرح مصطفى نعمة العباسي الحاكم العسكري السابق وأحد قادة الجيش : أن الجيش يحارب ويقوم بواجبه عندما يؤمر بذلك، دون التفكير إذا كان سيكسب المعركة أو لا.

واجتمعت هيئة أركان الحرب برئاسة وزير الحربية يوسف العظمة وقررت ان بإمكانها المقاومة لمدة خمسة ساعات فقط.

ما كان أمام فيصل وحكومته رغم معارضة وزير الحربية يوسف العظمة سوى قبول الإنذار ،و لم يدرك فيصل ورجال الحكومة ان الفرنسيين قد قرروا اسقاط الملكية في سورية وازاحة فيصل المتعاطف مع الانكليز نهائيا من سورية وانهاء حكم الوطنيين وابدال رجال الحكومة برجال موالين تماما لفرنسا، وأرسل الملك برقية لغورو بقبول الإنذار والتسليم السلمي للبلاد وتنفيذ الطلبات الفرنسية، وحل الجيش السوري الناشىء، وقبول الانتداب الفرنسي وقبول النقد الورقي وتسليم المقاومين للاحتلال الفرنسي، تجنبا لمعركة خاسرة وأملا في بقاء المملكة ورجالها.

رفض المواطنين السوريين قبول فيصل والحكومة للإنذار واجتمع المؤتمر السوري وأعلن عدم شرعية أية معاهدة يبرمها فيصل، وعدم شرعية الحكومة التي قبلت شروط غورو، فقام الملك بتعطيل جلسات المؤتمر، وهاج الناس وهاجموا قلعة دمشق للحصول على الاسلحة، فقامت الحامية بفتح نيران الرشاشات على الأهالي فقتلت منهم الكثير، وهاجم الناس البلاط الملكي فصدوا بعنف.

وغادر إبراهيم هنانو المؤتمر إلى بلدته كفر تخاريم ليعلن الثورة فيها على الفرنسيين.

وسواء قبل الملك والحكومة الانذار الفرنسي او لم يقبلوه فقد كان الاحتلال الفرنسي قد تقرر وبحث غورو عن حجة فتذرع بتأخر وصول برقية موافقة الملك والحكومة على الإنذار لمدة نصف ساعة عن الموعد المحدد بسبب انقطاع خطوط البرق في سرغايا، وزحفت جيوشه باتجاه دمشق، فطلب العظمة إيقاف إجراءات تسريح الجيش والاستعداد للدفاع عن دمشق، ووافق فيصل.

وتكلف الشيخ كامل القصاب رئيس اللجنة الوطنية بتعبئة الأهالي للدفاع عن دمشق، بعدما انحلت أغلبية الجيش وتفرق أفراده كل إلى بلده، وتعهد الشيخ بإحضار عشرة آلاف متطوع مع بنادقهم.

وذكر الغزي أنه في حلب وفي غياب معظم الزعماء الوطنيين المشاركين في المؤتمر السوري والمقيمين في دمشق وقتها، فقد عقد أعيان المدينة في محلة العزيزية اجتماعا، وأرسلوا إلى الجنرال دولا موت الموجود قرب حلب في المسلمية بعدما تقدم بجيوشه من جرابلس، للقدوم واستلام حلب بلا قتال.

تحركت القوات الفرنسية باتجاه حلب واحتلتها في 23 تموز 1920 وعينت حاكما عليها الوالي كامل باشا القدسي الذي كان يبلغ من العمر ثلاثة وسبعون عاما، وهو من الضباط العثمانيين السابقين والذي ما لبث ان استقال لاحقا، ثم توفي عام 1925.

أما في دمشق فقد أعلن الوزير يوسف العظمة: (أنه يجب ان نموت شرفاء)، وقال مقولته المشهورة: “لئلا يسجل التاريخ بأن قوات الاحتلال الفرنسي دخلت دمشق دون مقاومة اسمحوا لي أن أذهب لأموت” وأوصاهم بابنته الوحيدة الطفلة ليلى التي قدمت من الآستانة قبل اسبوعين مع أمها التركية، ويروي ساطع الحصري في مذكراته ان الملك فيصل كان يدفع لها راتب شهري حتى آخر أيامه.

وفي صباح 24 تموز 1920 وبعد مرور عشرة أيام على إنذار غورو، جمع يوسف العظمة من تطوع من رجال الجيش المنحل، مع الأهالي وبلغ عددهم ثلاثة آلاف رجل مع أسلحتهم البدائية، وكان مع المجاهدين مائتين من رجال العشائر وتصدى للجيش الفرنسي بقيادة رئيس الحملة الجنرال غوابيه والبالغ ثلاثين ألف جندي مجهز بالدبابات والمدافع والطائرات والرشاشات، في معركة ميسلون البطولية المعروفة.

وقد صرح رئيس الحملة الفرنسية لاحقا ان العظمة خصم لا يستهان به وعرف كيف يختار مكان دفاعه وحصنه أحسن تحصين.

وكان الشيخ نوري الشعلان زعيم الرولا من عشيرة عنزة ،و الذي شارك مع الجيش الفيصلي في تحرير بلاد الشام من العثمانيين، قد تعهد بإرسال رجاله للمشاركة في المعركة وعددهم بالآلاف، فلم يفعل ذلك، وقامت عصابة من الخونة يتزعمها المدعو حسين الشماط بالسطو ليلا على أسلحة الجناح الأيمن لجيش المجاهدين فلم يشترك في المعركة.

وتعرض الجناح الأيسر للجيش للخيانة، فقد قام رجال المدعو أبو داوود وهو من زعماء قرية حلوى، المجاورة لميسلون، بالانضمام إلى الجناح الأيسر للمجاهدين، ثم فجأة الانسحاب وإطلاق النار على المجاهدين من الخلف.

وحمل يوسف العظمة بندقيته وقاتل في الصفوف الأولى للمجاهدين، وصمدت القوات العربية حتى نفذت الذخيرة فتقدمت القوات الفرنسية وقامت دبابة بإطلاق النار على يوسف العظمة فأردته قتيلا، وهو أول وزير دفاع عربي يقاتل بنفسه في الصفوف الأولى ويستشهد أمام جنوده، وهو الضابط الوحيد الذي استشهد من ضباط الجيش العربي في تلك المعركة.

قصفت الطائرات والدبابات والرشاشات الفرنسية المجاهدين بعنف، وبعد ثمان ساعات، انتهت المعركة واستشهد فيها ألف وخمسمائة مجاهد، وقد استعمل الفرنسيون السلاح الأبيض لذبح المجاهدين الجرحى، واعترف الفرنسيون بمقتل اثنين وخمسين جنديا فرنسيا ومائتي جريح بينهم ثلاثة ضباط، وشارك مع الجيش الفرنسي جنود مراكشيين وجزائريين وسنغال.

وانتظر غورو إلى صباح اليوم التالي للمعركة، ثم دخل دمشق محاطا بأبهة كبيرة على رأس جيش استعراضي، وقام بعض الخونة بفك الخيول عن عربته وجرها على أكتافهم، ابتهاجا بقدومه، ثم توجه غورو إلى قبر صلاح الدين الأيوبي في المسجد الأموي، ليعلن كلمته المشهورة (ها قد عدنا يا صلاح الدين).

أما الجنرال غوابه قائد الحملة، فقد ذكر في مذكراته التي نشرها لاحقا في مجلة ( جيوش الشرق الفرنسية) أن جده الأكبر شارك في الحروب الصليبية وقد أسره العرب، وأمضى في دمشق ثلاثة سنوات في الأسر، ثم استطاع الفرار والعودة للجيوش الصليبية، وان العدالة العليا هي التي سمحت لحفيده ان يدخل بعد ثمانمائة سنة، دمشق ظافرا منصورا.

وفي 25تموز، وهو يوم دخول غورو لدمشق أمر الملك بتشكيل وزارة عرف أعضائها بصداقتهم وعمالتهم لفرنسا، وتشكلت وزارة برئاسة علاء الدين الدروبي وكان رئيس مجلس الشورى عبد الرحمن اليوسف ووزير الحربية جميل الالشي.

قام قائد الحملة الفرنسية الجنرال غوبه، بإعلان تجريد فيصل من سلطة الحكم، وطلب منه مغادرة سورية، وأعلن الاحتلال غرامة حربية تجمع من مواطني سورية، قدرها مائتا ألف دينار سوري ذهبي، كانت حصة دمشق أربعين ألف دينار ومثلها حصة حلب.

وبعد ثلاثة أيام، في 28 تموز 1920 غادر الملك فيصل دمشق باتجاه درعا، وهي مفترق طرق سكك حديدية، واحتار بين ان يتجه جنوبا باتجاه الأردن والحجاز، او غربا باتجاه البحر، للسفر إلى أوربا.

ثم قرر بعدما هدده الفرنسيون بقصفه بالطائرات، التوجه غربا نحو حيفا الواقعة تحت السلطة البريطانية، ثم نحو الميناء المصري بور سعيد، وكان معه من الوزراء ساطع الحصري وإحسان الجابري، وعبروا البحر باتجاه ايطاليا، رغم ان فيصل صرح سابقا أمام الجماهير ان غايته من الثورة استقلال الأمة العربية فأما ان يبلغ هذه الغاية او يموت دونها.

وبعد خمسة أيام، في 3 آب 1920 صدر قرار بجمع السلاح من الأهالي، وفرض على دمشق تسليم تسعة آلاف بندقية، ونص القرار انه من تضبط لديه بندقية لم يسلمها يغرم بمبلغ خمسين دينار ذهبي سوري، وان من يشي عن وجود بندقية مخبأة عند غيره، يكافىء بمبلغ عشرون دينار.

وقبل إخراج الدينار الذهبي السوري للوجود وفي 12 آب 1920 صدر قرارا بوقف العمل بالإصدار، وكان قد صدر احد عشر دينارا فقط، وتقرر الاحتفاظ بها بالمتحف.

وصدرت العملة السورية الورقية من بنك سورية ولبنان الذي أوجده الفرنسيين، من فئات غرش وخمسة غروش وعشرة وخمس وعشرين وخمسين غرش، وليرة واحدة وخمس ليرات وخمس وعشرين وخمسين ومائة ليرة.

وفي هذه الأيام تبلغ قيمة الليرة السورية الورقية الواحدة – إصدار عام 1921 – لدى هواة جمع العملات، مبلغا يزيد على مائة وخمس وعشرين ألف ليرة سورية.

وتقرر انه اعتبارا من الأول من كانون الثاني 1921 تصبح العملة السورية الورقية وحدها المقبول بها، وجمع الفرنسيون من سورية بفضل هذا القرار عشرون مليون ليرة عثمانية ذهبا، وملايين الريالات الفضية، وأبدلوها بأوراق نقدية.

وأعلن رئيس الوزارة علاء الدين الدروبي إنزال العلم السوري ذو النجمة البيضاء، وإعادة الراية العربية مؤقتا، لحين اختيار علم جديد لسورية سيرفع لاحقا ولونه ازرق سماوي وفي وسطه دائرة بيضاء وفي زاويته العلم الفرنسي، وأعلن حل المؤتمر السوري، واعتباره كأن لم يكن.

في 21 آب 1921 أعلن الفرنسيون إنشاء دولة جبل لبنان الكبير الذي يسكنه تاريخيا الموارنة، وقد وسعت هذه الدولة على حساب الأراضي السورية، فضمت مجموعة من الاقضية التابعة تاريخيا لسورية، وهي بعلبك والبقاع وحاصبيا وراشيا ومرجعيون وطرابلس وبيروت وصيدا وصور، وحرمت سورية من ميناءي طرابلس وبيروت على البحر.

وفي ذات اليوم أُعلن عن انفصال حكومة حلب عن حكومة دمشق، وأُعلن قيام دولة حلب برئاسة كامل باشا القدسي، وحدودها الجنوبية تصل إلى ما بعد خان شيخون، الذي استقال لاحقا، ثم خلفه عليها مصطفى برمدا.

ثم أعلن الفرنسيون قيام دولة على الساحل السوري وعاصمتها اللاذقية، ثم أقيمت لاحقا دولة جبال الدروز، وكان لسنجق اسكندرونة (لواء اسكندرون) وضع خاص، منحت بموجبه الأقلية التركية نظام إداري خاص.

و تعاونت حكومة الدروبي مع الفرنسيين بكل طاقتها، حتى لقي رئيسها علاء الدين الدروبي وزميله عبد الرحمن اليوسف جزاءهم العادل، فقد قضوا ذبحا في محطة قطار قرية خربة غزالة في حوران، على أيدي الوطنيين الشرفاء، فقامت فرنسا انتقاما منهم بقصف القرية وتدميرها.

لقد قامت المملكة السورية المستقلة لمدة أربعة أشهر وعشرون يوما فقط، من 8 آذار 1920 وحتى 28 تموز 1920، عمل الوطنيون خلالها على تحقيق أحلامهم بالاستقلال والاتحاد والتعريب والتعليم لرفع شأن وطنهم، وعمل الملك فيصل خلالها على محاولة تحقيق أحلامه أيضا، ولكن القدر والبريطانيين والفرنسيين لم يسمحوا لهم بذلك ،و اتجه الوطنيون إلى الثورة وقامت الثورات السورية في كافة المناطق، واتجه فيصل لأوربا ليعمل على ان يسلمه البريطانيون ملكية العراق لاحقا..

———————————————-

المراجع :

1-قصة الملك فيصل

2-كتاب حكومات عربية بقلم المحامي غالب العياشي طبعة عام 1954

 3-مقررات حكومة سورية بقلم يوسف صادر ،طبعة عام 1933

 4-تاريخ سورية 1918-1920بقلم الدكتور علي سلطان مدرس التاريخ الحديث في جامعة بروفانس بفرنسا ،طبعة عام 1987.

 5-يوم ميسلون بقلم ساطع الحصري.

65 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *