الوعي
لا يختلف تعريف الوعي كثيرا عن كلمات اخرى في اللغة العربية مثل الحفظ، الفهم، الادراك، الشعور، الاحساس…الخ. ويعود ذلك لاستعمال الناس لتلك الكلمات في مواضع متشابهة. وكثيرا ما يستخدم مصطلح ” الوعي” في حالات مثل : الوعي الصحي، الوعي الامني، الوعي الاقتصادي، الوعي السياسي، الوعي البيئي، الوعي التجاوزي، الوعي الطبقي، الوعي الاشتراكي، …الخ. أي بمعنى الفهم، والمعرفة، والاطلاع، والتصور المدرك، والواسع، لحالات جزئية معينة.
- يشرح معجم المعاني كلمة “الوعي”، كالتالي:
– وَعَي (اسم) . الْوَعَي : الجلبَة والأَصوات. الوَعْيُ : الحفظ والتقدير . الوَعْيُ : الفهمُ وسلامةُ الإدراك.
– ويصف المعجم كلمة ” الفهم”، كالتالي:
الفَهْمُ : حُسنُ تصوّر المعنى. الفَهْمُ : جودةُ استعداد الذهن للاستنباط. رَجُلٌ فَهِمٌ : سَرِيعٌ الإِدْرَاكِ وَالإِحَاطَةِ بِالشَّيْءِ. فَهِمَ الدَّرْسَ : أَدْرَكَهُ، عَلِمَهُ، عَرَفَهُ.
– كما ويصف المعجم نفسه، كلمة “الادراك” كالتالي:
أدرك الولد سن الرشدـ أي بلغ، ووصل. ادرك فلان، اي بلغ علمه اعلى الدرجات. ادرك الشيء، اي لحقه وبلغه وناله. ادرك المسألة، اي فهمها، واحاط بها.
– ويصف المعجم كلمة ” الشعور”، كالتالي:
الشعور: الاحساس. الشعور، هو الادراك بلا دليل.
– اما عن كلمة “الاحساس”، فيشرحها كالتالي:
كلمة تاتي من مصدر أحس. ظاهرة متولدة من تأثر احدى الحواس بمؤثر ما. الاحساس الداخلي/ احساس نابع من الداخل كالشعور بالالم او الجوع او العطش…الخ.
كان لا بد من التطرق الى الشرح اعلاه، والاستعانة بمعجم المعاني، لادراك وفهم الفروقات الدقيقة بين المصطلحات التي ذكرنا، وعلاقتها ب فكرة “الوعي” بالذات.
- يرى بعض الباحثين أن الوعي يختلف عن بقية المصطلحات التي تشبهه، مما ذكرنا في مثالنا اعلاه، ويتجلى ذلك الاختلاف فيما لو قارنا بين الحيوان والانسان، فنلاحظ ان الحيوان قادر على الاحساس، والفهم، والادراك، والشعور، تماما كما يفعل الانسان، لكنه لا يتمتع بخاصية الوعي، وهي خاصية انسانية بامتياز.
لكن كيف يتميز الوعي اذا عند البشر بين بين الانسان والانسان، أو بين الحيوان والحيوان، أو، بين البعض والبعض الآخر، أو بين مجتمع وآخر، أو بين عصر وعصر آخر؟
– من السهل ان نميز بين وعي فرد، ووعي فرد آخر. فقد يكون شخص ما ذكيا، لدرجة فوق العادة، لكن لا نطلق عليه اسم انسان واع! لماذا؟ لأن ذكاءه قد يكون مكرسا لمصلحته الفردية الضيقة، وقد يكون موجها ضد غيره من بقية الناس في مجتمعه. ونلاحظ ذلك لدى عتاة المجرمين، وكبار المهربين، وبعض السياسيين المشاهير … الخ. فهم اذكياء جدا، لكن ذكاءهم ليس موجها لخدمة الانسانية، او بناء على أهداف اخلاقية مثلى تساهم في تغيير المجتمع نحو الافضل. لهذا لا نطلق صفة الوعي على افعال هذا النمط من الناس مع اعترافنا بذكاءهم المتميز.
– يرتبط الوعي عادة بقضية الزمن. وهذه الارتباط قلما نلاحظه لدى بقية الكائنات الحية. فالانسان، أثناء تناوله الطعام على الغداء، يمكن ان يفكر بنوع الطهام الذي سيقرر تنازله على العشاء، او في الصباح التالي، لكن الحيوان لا يفكر بالطعام، او يبحث عنه الا عندما يجوع. وهذا يعني لنا ان الوعي يرتبط بمسالة “المستقبلية” أي التجهيز للمستقبل فيم نقدم عليه من اعمال، او مواقف، وهذا أمر نفتقده لدى الحيوان. اذ ان الحيوان قد يقوم باشياء من هذا القبيل لكن بطريقة غريزية، وليست ادراكية واعية ومدروسة.
– ولو لاحظنا سلوك شاب مراهق، وردود افعاله، تجاه بعض المشكلات، لوصفناها بانها لا تدل على الوعي، وذلك مقارنة برجل متقدم في السن، ولديه تصور واسع وعميق للحياة والعلاقات الاجتماعية، او السياسية، ويفهم معنى مبدأ الواجب، وقضية الالتزام بقيم، او تقاليد، او عادات، او مواقف… فنقول:
عن ذلك الرجل بأنه رجل واع. كما، ولا نستطيع فصل صفة الوعي عن صفة العلم. فلا يمكن ان نتوقع من امرىء جاهل بابسط العلوم ان يكون انسانا واعيا . وقد نلاحظ ظاهرة الوعي لبعض الناس من الراشدين بينما يفتقر اليها البعض الآخر. كل انسان عاقل هو على درجة معينة من الوعي. وتزداد نسبى الوعي بازدياد حكمة المرء وعقلانيته في التعامل مع الامور.
– الوعي هو مسالة نسبية، فمن الممكن ان ينشأ وعي مختلف بين مجتمعات معينة من حيث تطور بعضها اكثر من بعضها الآخر، وخلال فترات الانتقال التاريخية من تاريخ تطور المجتمع البشري، نتيجة لأنعكاس افكار ووجهات نظر ومفاهيم تاريخية لدى مجتمع ما،و لم تظهر لدى مجتمع آخر في المرحلة الزمنية نفسها.
- تختلف رؤية الناس للوعي من شخص الى آخر. يرى الفيلسوف فريدريك هيغل Hegel، أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعي ذاته. اما برغسون، فيرى ان الوعي هو انفتاح على الحاضر والماضي والمستقبل. اما ماركس، فقد ربط نشوء الوعي وتحديداته بعلاقات الانتاج، فهو يرى أن الوعي هو ذلك البناء الفوقي الذي تتجلى فيه جميع الأنشطة الإنسانية، ويرى أنه لا نستطيع إطلاقا أن نتمثل الوعي في معزل عن الأوضاع الاجتماعية وبالتالي علاقات الإنتاج. أما سيجموند فرويد مؤسس علم النفس، وصاحب فكرة “اللاوعي “، والتي طرحها في تقسيمه لبنية النفس الانسانية، يقول عن الوعي : “كل هذه الأفعال الواعية، سوف تبقى غير متماسكة وغير قابلة للفهم إذا اضطررنا إلى الزعم بأن لا بد أن ندرك بواسطة الوعي كل ما يجري فينا …” وذلك لان فرويد يعتقد ان جزء صغيرا، من ثقافتنا،هو الذي نعرفه، لكن القسم الاكبر منه يكمن في حيز اللاوعي. أما سارتر فيربط الوعي الذات الفاعلة، ووعيها بالحياة التي تعيشها في اللحظة الراهنة وامتداداتها في الماضي والمستقبل. ويتحدث سارتر عن “الوعي المحايث لتجربتي الوجودية أو الذاتية”.
- وأرى ان الوعي يكون، وعيا شاملا وراقيا، عندما يصبح وعيا بأهمية الانسانية ـ فنجد البعض ينسب الوعي العظيم للانبياء، والرسل، مثل بوذا، والمسيح، ومحمد، … أو لدى بشر عاديين بذلوا جهدا كبيرا في سبيل الانسانية، حتى وصلوا الى مراتب عالية من التقدير والاحترام، بسبب الصدق والأمانة .والإخلاص في العمل الذي يؤدي الى الحفاظ على الانسانية، والعمل على تحقيق رقيها. ونجد مثالا على ذلك الام تيريزا. وهناك الكثير من امثالها، وان لم نذكر أسماءهم.
فالوعي الانساني الشامل والمتقدم، هو تلك الافكار ووجهات النظر والمفاهيم التي تضع مصلحة كل انسان، كأنسان، فوق كل اعتبار آخر، بعيدا عن أي تعصب منهجي جامد، أو اي تعصب قومي عنصري شوفيني، أو اي تعصب ديني متطرف، أو أي تعصب طبقي قصير النظر. ولا يمكننا فصل الوعي عن الحرية وعن الاخلاق. فالوعي والاخلاق والحرية مثلث لا يمكن فصل اطرافه عن بعض. فلا يمكن للواعي الا ان يكون حرا، ويؤمن بحرية الانسان، وان يكون خلوقا، يؤمن بمبادىء اخلاقية معينة تجعله يتحمل نتائج اخطائه، والالتزام بقوانين انسانية تساهم في حفظ كرامة الانسان وحقوقه المدنية.
هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟
تسعدنا مشاركتك ...