مهام عالقة أمام الثورة في ذكراها السادسة


أيمن مراد

حصاد العام السادس للثورة هو حصاد هزيمة، بكل ما تعنيه كلمة هزيمة من معنى، والهزيمة هنا لا تخص السوريين المنحازين للثورة فحسب، فليست الثورة وحدها المهزومة، إنما تطال الهزيمة جميع السوريين، فالنظام وأنصاره هُزموا، الثورة وأنصارها هُزموا، والحياديون الذين دفعتهم ظروف معقدة لالتزام الحياد هُزموا أيضاً.

لا يعنيني أن أناقش أو أبين كيفية هزيمة النظام، فيكفي أن نذكر أن قراره السياسي ليس بيده بل بيد الروس والإيرانيين، وأن أكثر من نصف الأراضي السورية هي خارج سيطرته، وأن أكثر المعابر الحدودية هي أيضاً خارج سيطرته، لندرك أنه مهزوم.

ما يعنيني هنا هو إلقاء الضوء على بعض أسباب هزيمة الثورة، ونحن نستخدم كلمة هزيمة لنميز بين عدم النصر حتى الآن (كما يقال في الخطاب السياسي الرسمي لتنظيمات الثورة) وبين عدم إمكانية النصر، الآن ومستقبلاً، إذا استمر ما هو قائم وموجود من تركيبة ثورية لمنظمات وفصائل الثورة.

لا يوجد إمكانية للنصر ضمن هذه التركيبة المترهلة والهلامية  للثورة ومؤسساتها وتنظيماتها، وعدم وجود هذه الإمكانية واقعياً يعني الهزيمة الحقيقية، فوجود الفصائل العسكرية بوضعها الحالي هو عامل هزيمة وليس عامل نصر، ووجود الكتلة الأكبر من الفاعل السياسي المدني خارج الأراضي السورية هو عامل هزيمة وليس عامل نصر، تخبط القرار السياسي والخطاب السياسي وعدم وضوح الرؤية السياسية هو عامل هزيمة أيضاً وليس عامل نصر، غياب (ضابط إيقاع) للعمل الثوري يستطيع أن يضبط إيقاع الثورة بين ميادينها المختلفة (العسكري والسياسي والمدني والإعلامي)، هذا الغياب هو أيضاً عامل هزيمة وليس عامل نصر، كما لا يخفى على القارئ الكريم أن ارتهان القرار العسكري والسياسي بالممول الخارجي هو من أهم عوامل الهزيمة.

لقد آن الأوان بعد ست سنوات كارثية بكل ما للكلمة من معنى، آن الأوان لإنبات وتخصيب عوامل وأسباب النصر من جديد، هذه العوامل لم تكن غائبة عن الثورة في بداياتها، إنما لم تُخصّب وتُعمّق وتُنمّى، بل وغُيِّبت بتحالف عضوي موضوعي (غير منسق في الأعم الأغلب) بين مصدر الإرهاب في سورية (النظام السوري) ومُنتَج الإرهاب في سورية (الفصائل الجهادية التكفيرية) مع حضور خطاب شحن طائفي عند الجميع.

– يأتي في مقدمة عوامل النصر إنتاج خطاب وطني، وكلمة “وطني” هنا لا تعني حكماً أخلاقياً، فهي ليست نقيض أو عكس “خائن”، إنما تعني المعنى الذاهب إلى إنتاج صيغة ومعنى وتحديد للمتحد السوري، الوطنية بهذا المعنى هي إعلاء من شأن الهوية السورية، والانتماء السوري، والدم السوري، والوطن السوري، بل والأمة السورية، إعلاء كل هذا على كل ما عداه.

– لا يمكن لأي خطاب وطني أن يثمر سلوكاً ومواقف، وأن يراكم ويتقدم إلا إذا توافرت له ومعه وبه مؤسسات سياسية تمتلك بنية تجانسه في الوطنية، فللأسف بنية المؤسسات التي تنطحت لتمثل الثورة هي بنية غير وطنية بالمعنى المشار إليه أعلاه، فبناها هي أقرب إلى “خلطة” طوائف وإثنيات وقوميات غابت عنها الروح السورية، لتستحضر أرواحاً تشابهها في طائفيتها ونزعاتها القومية على اختلافها وتعددها. إن الوثائق المقرة في “المجلس الوطني” أو “الائتلاف الوطني” أو غيرهما من المؤسسات السياسية، هي وثائق مقبولة عموماً لكنها لم تتحول إلى خطاب سياسي وطني يراكم ويتقدم، ونحن نرى أن أحد أهم أسباب ذلك هو الطبيعة البنيوية المتناقضة مع الروح الوطنية، من هنا نعتقد أن الخطاب الوطني المثمر لا يكتمل إلا بمؤسسة تجانسه بنيوياً.

– لقد كانت عسكرة الثورة ممراً إجبارياً لم يكن من الممكن تجنبه، فالصمود الأسطوري السلمي لما يزيد على ستة أشهر لم يكن من الممكن استمراره بشكل سلمي أمام آلة القتل والإجرام، وأمام الفظاعات التي ارتكبها نظام الأسد بحق المتظاهرين السلميين، هذه الممر الإجباري لم يكن له في لحظة من اللحظات أن يحسم الصراع، وهذا كان واضحاً من بدايات العسكرة لدى عديدٍ من الكتاب والمثقفين والسياسيين، لكن كان يمكن له أن يحافظ في الحد الأدنى على الإيقاع الوطني، والابتعاد من خطاب الثأر الطائفي، والتزام قضية الثورة ومعركتها الأساسية، وعدم الانجرار أو الانزلاق والتورط في تنظيمات جهادية ولاؤها للقاعدة.

غياب العاملين الأولين (الخطاب والمؤسسة الوطنيين) ساهم بدرجة كبيرة وأساسية في انحسار ظاهرة الجيش الحر وتنامي ظاهرة الفصائلية، كما أن غياب المؤسسة/ المظلة أدى إلى علاقة مباشرة بين الفصائل ومموليها، كان يمكن أن تكون هذا العلاقة مع المظلة السياسية التي تمثل الثورة، ومن ثمّ كان يمكن أن تنحسر ظاهرة الفصائلية لمصلحة نمو جيش وطني حر، وهذا لم يحصل للأسف.

– لم يستطع “المجلس الوطني” أن يشكل ضابط إيقاع للثورة، وكذلك الائتلاف، قبلهما كان الشارع الثائر ضابط إيقاع حقيقي بأسماء جمعه وزخم تظاهراته، وبعدهما تشتت العمل الثوري بين فصائل لا تنسيق بينها، متناحرة ومتقاتلة في كثير من الأوقات والمناطق، ثم الآن تشتت القرار السياسي بين لجنة مفاوضات لا تملك أمر تشكيل وفد موحد، وبين جنيف والأستانة (فصل التفاوض بين عسكري وسياسي) وهنا يصبح من الضروري العمل على إنتاج ضابط إيقاع حقيقي يستطيع ضبط إيقاع تنوع العمل الثوري وميادينه وربط هذا التنوع برؤية واضحة تؤسس وتفضي إلى ما يصبو إليه السوريون في دولتهم المنشودة.

كانت المهمات العالقة هذه مطروحة على جدول أعمال الثورة منذ تأسيس “المجلس الوطني” في الشهر العاشر عام 2011، وستبقى عالقة وملحة ما لم تُنجز، فهي مهمات تأسيسية لا يمكن للثورة أن تتقدم، من دونها، خطوة في اتجاه أهدافها.

71 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *