ستة أعوام في الثورة السورية


نزار الأحمد

الرقم “ستة” في الذاكرة العربية برمزيته إلى الهزيمة النكراء التي تلقتها الجيوش العربية في حرب حزيران عام 1967 قد يبدو نذير شؤم عند الأجيال السابقة،ومثار تساؤلات وقراءات لدى الجيل الذي تلا الهزيمة..حتى أصبحت الهزيمة لازمة في حياة شعوب المنطقة ومنها الشعب السوري..وبالكاد يختصر إنجازاته العظيمة بتحصيل دور في طابور الخبز والمواد الغذائية،أو النفاذ من دورية الأمن الرابضة في كل حارة وزاروب من مدن بلدنا  التعيس الذي يغرق في التيه والإنتظار،حيث المواطن هو مجرد رقم هامشي في حسابات أمن الدولة التي تعتبر الآه مصدر تهديد للسلطة،والرأي عمالة،والموقف إيهان لعزيمة،ومحاولة الإقتراب من أي “تابو” هو إثارة للنعرات الطائفية..وليست تنتهي قائمة الإتهامات الجاهزة للنظام المجرم الذي قد يزج بك في السجن لمجرد حلم..إذا حلمت بأنك قد أصبحت رئيسآ سوف تقبع في السجن إثني عشر عامآ كما حصل مع أحدهم في ثمانينيات القرن الماضي..

وتحولت البلد إلى مزرعة عائلية يشتغل فيها السوريون بالإرغام لخدمة هذه العصابة العائلية الحاكمة منذ عام 1970 وأية محاولة للخروج عن طاعتها يكون مصيرها القتل والسجون كما حصل في حماة 1982 حين أبيدت مدينة بكاملها لمجرد أن تنظيمآ إسلاميآ “الأخوان المسلمين” إتخذ منها قاعدة إنطلاق لمشروعه فكان رد النظام المجرم بالفطرة عنيفآ وقاسيآ،ليظهر للجميع بأن السلطة خطه الأحمر العريض ولن يتركها إلا والبلد بأكمله تلة من ركام في مؤشر مستقبلي خطير جدآ بأن أي حالة تمرد أو عصيان أو خروج عن الطاعة سوف تكون محاولة إنتحارية بالنسبة لأصحابها بشريآ وجغرافيآ،وهكذا دخلت البلد في مرحلة العبودية المطلقة والإستبداد الكلي الذي لابد له من أدوات إجتماعية لضمان ديمومته فكان أن أصبح الفاسد والمخبر أهم العناصر في مشروع النظام الموازي للسطوة الأمنية المطلقة على البلد،ناهيك عن المافيات الإقتصادية التابعة للسلطة التي أمنعت في نهب إقتصاد البلد وإذلال المواطن بلقمته ليبدأ البركان السوري بحشد حممه الصامتة التي كانت تنتظر الشرارة المناسبة فحدثت في مظاهرة الحميدية 15 آذار 2011 إيذانآ ببدء ثورة الحرية والكرامة أي الإنفجار السوري الكامل بوجه مملكة الصمت والخوف الجاثمة على صدور السوريين طيلة أربعين سنة،ثم كانت الإنطلاقة الجماهيرية من درعا لتشمل غالبية الأراضي السورية في حراك عفوي يختزن غضب وقهر عقود من الإستبداد والتسلط،لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ سوريا لن تترك تأثيراتها في الداخل السوري فحسب،بل سوف تصبح لاحقآ حلفآ دوليآ تاريخيآ بين حلف وارسو المنحل وبين حلف الأطلسي على طمس معالم جريمة العصر بحق الشعب السوري و وأد ثورته المشروعة المنادية بالحرية والكرامة وتثبيت سلطة أعتى ديكتاتورية في القرنين الأخيرين،وتدمير ثلث البلد بشكل كلي وتهجير ونزوح 15 مليون سوري ناهيك عن نصف مليون معتقل وأكثر من مليون ونصف المليون معاق وحوالي 110 آلاف امرأة مغتصبة وثلاثة ملايين طفل بدون تعليم وقائمة طويلة لا تنتهي من الجرائم التي سكت عنها العالم في هولوكوست سوري يبدو أنه لن ينتهي قريبآ..

لا أظن أن طرح الأسئلة على أعتاب العام السادس من الثورة قد يبدو مجديآ،في كل يوم يحدث مفترق وإنحرافات في مسار الثورة في تراكمات من الأخطاء التي تم تأجيل البحث فيها ومعالجتها بدعوى مقارعة النظام في إستنساخ لمقولة المد القومي العربي البائسة “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” فكان الخطأ الاستراتيجي “المتعمد ربما” داخل الثورة هو هذه المراكمة و تصوير الثورة على أنها قديسة بالكامل وأن الثوار هم متممات القداسة،لإيصال الثورة إلى هذا الشكل الحالي من أنها مجرد مجموعة تنظيمات إسلامية بعضها متشدد ويريد القضاء على الأقليات والبعض الآخر الأقل تشددآ هم مجرد مشاريع  لا تحمل أية أبعاد مدنية وقد نجحت ميديا النظام وحلفائه بتسجيل نقاط عديدة بسلة الثورة من هذا المفصل الرئيسي في أية مواجهة مع نظام إستخباراتي عميق..إن كان من ثمة سؤال منطقي رغم أنه متأخر جدآ هو :لماذا لا تكون هنالك مكاشفة دورية لعمل الفرد والجماعة في الثورة؟؟

وإن كان من سؤال مصيري يجب أن يطرح وبقوة:لماذا لا تكون هنالك مكاشفة سورية تاريخية تمهيدآ لمشروع إنقاذ وطني؟؟

ينخرط فيه السوريون على إختلاف توجهاتهم وفهمهم لطبيعة المواجهة مع النظام،إذ أنك حين تحصي أن ستة أعوام مرت والثورة في مسار تنازلي سوف تدرك هول الكارثة التي مرت بها البلاد..وهذا التأخير ليس في مصلحة السوريين بشيء فهم الآن أمام مشروع دولي متكامل لتفتيت بلدهم وتمزيق هويتهم  وتشريدهم في أصقاع العالم وأساليب المواجهة حتمآ ليست عسكرية بالكامل،فالنواحي الثقافية والفكرية والفنية هي مسار إجباري لأي مشروع تحرر لسد الذرائع على الطغمة الحاكمة التي تصف شعبآ بأكمله خرج مناديآ بحريته وكرامته بأنهم مجموعة متمردين وخارجين عن القانون لا يحملون أي مشروع إلا الظلامية،في جزئية بسيطة كان النظام محقآ فهو أدرى بتركيبة المجتمع السوري المعروف عنه الطيبة والبساطة ومدى إنكشافه أمام أية ايديولوجيا مستحدثة خاصة تلك التي تداعب العواطف وتحديدآ الطائفية منها ولعل المجازر الطائفية الأولى في حرب النظام على الثورة كانت بداية إغراق المجتمع وتكتيله وجره إلى المواجهة الطائفية التي يريدها لتبرير حربه على الشعب السوري و نيله المشروعية الدولية في هذه الحرب ولا يغيب عن بال أحد أن قادة غالبية التنظيمات الإسلامية كانوا سجناء لدى النظام وأفرج عنهم في بدايات الثورة ولربما كان يدير وبشكل مباشر عمل هذه التنظيمات سواء عبر غرفة عمليات مشتركة أو من داخل التنظيمات نفسها..قد يبدو هذا إتهامآ ولكن لاشيء مستبعد وكما يقال في العلم الجنائي بأن البحث عن المستفيد من أية جريمة يدل على الفاعلين..

بعد ستة سنوات والكثير من التحليلات المتجددة حول الثورة ومآلاتها وحول الصراع وعناصره وتبدلاته المستمرة لابد من المجاهرة دومآ بأهداف الثورة و رايتها وبمشروعها التحرري للخلاص من الإستبداد بكل أشكاله وبناء بلد مدني حر ومستقل لكل السوريين على إختلاف عقائدهم..

الرحمة لشهداء الثورة السورية والحرية للمعتقلين في سجون النظام.

16 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *