سلطان الأطرش في ذكرى الرحيل


أيمن مراد

يصادف تاريخ السادس والعشرين من شهر آذار في كل عام، ذكرى رحيل قائد الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي، سلطان باشا الأطرش، ومنذ ست سنوات يتساوق هذا التاريخ مع ذكرى انطلاق الثورة السورية بفارق أيام قليلة.

يبدو لنا أن ذكرى سلطان الأطرش في هذا العام يجب أن تأخذ بعداً مهماً غاب في المراحل السابقة، سنحاول في هذه العجالة أن نسلط الضوء على أهم نقاطها، سيما أن عملية تهتك النسيج الاجتماعي السوري وصلت إلى مراحل خطيرة، والوضع العام لا يوحي بإمكانية الخروج من النفق المظلم، بل على عكس ذلك، يوحي بالتعفن والاستنقاع.

استطاع سلطان الأطرش (ابن الأقلية الدرزية) أن يقود ثورة الشعب السوري (ذي الأكثرية السنية الساحقة) ضد الاحتلال الفرنسي لتوافر عاملين أساسيين مهمين يجب استحضارهما وتأكيد أهميتهما الآن أكثر من أي وقت مضى:

-العامل الأول باعتقادنا هو نمو الانتماء القومي، والمد الإيديولوجي العروبي الذي كان في طور الصعود بعيد مرحلة (النهضة العربية) وفي أعقاب الثورة العربية الكبرى ضد المحتل العثماني، هذا النمو والصعود للتيار القومي كان موجهاً (وفي بلاد الشام على وجه الخصوص) ضد المحتل العثماني وشعاراته (الإسلامية)، ما أدى إلى تخافت الصوت الإسلامي لصالح نمو الصوت القومي، الأمر الذي أدى إلى أن قادة الشارع (السني) كانوا في الحقيقة قادة شارع وطني عام ولم يكن حضورهم يقتصر على أبناء طائفتهم فقط، وبالتالي فان هذا الحضور ذو البعد الوطني، كان حضوراً عاماً في عموم الشارع السوري على اختلاف انتماءاته الطائفية والدينية، وهذه الميزة تشمل جميع الطوائف حينها.

فقادة الشارع الدرزي والعلوي والمسيحي والإسماعيلي.. الخ، كانوا قادة وطنيين، ما أدى لاحقاً إلى إنضاج وإنتاج خطاب وطني (عروبي) مادته الأولى وعاموده وجذره هو الشارع السني، ولأنه خطاب وطني يرتكز إلى عناصر الانتماء الوطني، شهدنا كيف انجدلت على هذا العامود رؤى ومصالح وانتماءات باقي الطوائف.

وضوح الرؤية بهذا المستوى ووضوح الخطاب الوطني ساهما بقدر كبير في تعميق الشعور بأن المحتل الفرنسي هو عدو الجميع، وليس كما ادعى حينها بأنه حامي الأقليات.

إذن خطاب وطني واضح، أدى إلى إجماع شعبي عريض على عدو واضح وبيّن، هذان العاملان –الخطاب الوطني وتحديد العدو- كانا من أهم عوامل تشكيل الأمم في تلك المرحلة، وقد ساهما بشكل حقيقي في تشكيل أرضية خصبة للانتماء السوري.

إن القدرة على تحديد العدو هي قدرة حقيقية على التصالح مع الذات، الذات الوطنية، والعكس بالعكس، فعدم القدرة على تمييز العدو من الصديق هي بالضبط انعكاس حقيقي لتشظي الذات الوطنية.

وقول زهير المشهور: (من يغترب يحسب عدواً صديقه … ومن لا يكرم الناس لا يكرم) هو قول معبر وذو دلالة عميقة في هذا السياق، ومن لا يستطيع تمييز عدوه من صديقه هو أيضاً مغترب حتى لو كان بين أهله وإخوته.

هذان العاملان كانا ينتظمان وفق علاقة جدلية، فوضوح العدو (محتل خارجي) أدى إلى إنضاج الخطاب الوطني، كما أن وضوح الرؤية والخطاب وعناصر الانتماء الوطني في الخطاب أدى إلى الإجماع على العداء للمحتل الخارجي. لكن اليوم يبدو أن العلاقة الناظمة لهما قد تحولت إلى علاقة سببية، فغياب الخطاب الوطني والمشروع الوطني هو من أهم أسباب التشظي وضياع الذات السورية الذي نشهده، وهو مسبب حقيقي لظاهرة الولاء للخارج وتعدد هذه الولاءات. فحين نعرّف أنفسنا على أننا مسلمون، حينها لن نجد حرجاً في الولاء لأردوغان أو السعودية أو قطر، وحين نعرّف أنفسنا أننا عرب لن نجد حرجاً في الولاء لمصر أو غيرها، وكذلك عندما نعرّف أنفسنا كأكراد سيكون ولاؤنا للبرزاني أو أوجلان. لكن عندما نعرّف أنفسنا كسوريين حينها فقط سندرك أن ولاءنا يجب أن يكون للمشروع الذي يخدم مصالحنا جميعاً كسوريين، وحينها نستطيع التمييز بين أعدائنا وأصدقائنا في كل مرحلة من مراحل صراعنا من أجل الحرية مع هذا النظام الفاجر.

إن الانتماء العروبي الذي تبنته (الأكثرية السنية) في تلك المرحلة، كان بوابة عريضة لدخول الأقليات إلى عمق النسيج الوطني، وبالمقابل فإن الشعارات الإسلامية المتنامية اليوم على يد حركات الإسلام السياسي والجهادي على حد سواء، هي عنصر أساسي في نفور الأقليات وخروجها من النسيج الوطني. لكن الأخطر هنا ليس الأقليات وتطييفها، إن الأخطر هو تطييف (الأكثرية السنية).

لقد كان أهل السنة والجماعة على مر التاريخ حاضناً وحاملاً ورافعاً وضامناً لأي مشروع نهضوي في هذه المنطقة، لم يكونوا يوماً طائفة ذات مظلومية، أو ذات شعور أقلوي، بل جسد الأمة وحاضنها -وتعبير أمة هنا يصح فيه جميع المستويات (الأمة السورية أو العربية أو الإسلامية) – ونمو خطاب المظلومية عند أهل السنة والجماعة هو حالة خطرة يجب التنبه لها والعمل على تفكيكها ودحضها.

لا شك أن النظام المجرم دفع وما زال يدفع في هذا الاتجاه، لكن لا شك أيضاً أن الخطاب السياسي للحركات الإسلامية قد ساعد ومازال يساعد على تثبيت هذا التوجه. إن نمو خطاب المظلومية وما يرافقه من شعور أقلوي عند الشارع السني سيساهم حكماً في تحويل أهل السنة والجماعة من موقعهم التاريخي في أنهم جسد الأمة والضامن لها والحاضن لوحدتها إلى طائفة مغلقة يغدو جلّ همها أن تبحث عن حصة سياسية أو حتى فتات حصة.

باعتقادنا أن انحسار الانتماء القومي وتمدد الحركات الإسلامية، قد ساهم بغياب إمكانية نمو الوطنية السورية، هذا الغياب كان أهم عناصر الخلل في الخطاب الرسمي (للمعارضة)، فقد افتقر خطاب (المعارضة) لسمة الوطنية، وبالتالي كان مساهماً في تشظي الرؤية وضياع البوصلة، ما أدى إلى ما نراه من تيه وضياع واغتراب، وإلى اختلاط العدو بالصديق، والارتماء في أحضان الدول والسفارات، فـ (من يغترب يحسب عدواً صديقه)

79 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *