

شكراً لاهتمامكم بالتبرع لدعم نشاطات الحزب، حيث يقبل الحزب التبرعات المالية الغير مثقلة بأي شروط مهما كان نوعها ومستواها.
لمزيد من المعلومات ، يرجى التواصل مع رئيس المكتب المالي على البريد الالكتروني [email protected]
كما يمكنكم التواصل مع الرئيس التنفيذي للحزب على العنوان [email protected]
أطيب التحيات.
شكراً لاهتمامكم بالتبرع لدعم نشاطات الحزب، حيث يقبل الحزب التبرعات المالية الغير مثقلة بأي شروط مهما كان نوعها ومستواها.
لمزيد من المعلومات ، يرجى التواصل مع رئيس المكتب المالي على البريد الالكتروني [email protected]
كما يمكنكم التواصل مع الرئيس التنفيذي للحزب على العنوان [email protected]
أطيب التحيات.
العربي الجديد – 7 نوفمبر 2014
لم يفاجئني أبداً موت نجلاء، كنتُ قبل يوم واحد فحسب قد أخبرتُ صديقتي، أن لعنة سورية ستطارد السوريين جميعاً على ما يبدو، ولن تستثني منهم أحداً، ستطارد حتى الهاربين منها، المتوهمين الأمن خارج جغرافيتها على اختلاف الأسباب التي دفعتهم إلى الرحيل، ولن ينجو أحد منهم، إنها حتمية قتل الوطن التي افتعلها طاغية دمشق، وطرُب للحنها العالم أجمع، فكيف لمواطن بعد ذلك أن يحيا؟
لم تفاجئني أيضاً تفاصيل موتها، والتي، على الرغم من شُحها، كان ينبغي أن تفعل، “فنانة سورية لم تتجاوز الثانية والعشرين من عمرها تشنق نفسها في جنوب أفريقيا “. لم يدفعني هذا الخبر للتساؤل: كيف وصلت نجلاء إلى هذا المكان القصي؟ إذ بات من البديهي أن لا مكان على وجه البسيطة لم تجرب قدم سورية أن تطأها، هي حتمية التشظي لوطن انفجر كقنبلة، ونثر مواطنيه أشلاء في أصقاع المعمورة، ولاغرابة أن يأتي يوم نسمع فيه أن سورياً ما قد مات متجمداً في القطب الشمالي.
ما الذي دفع نجلاء إلى الهجرة من سوريا أصلاً؟ هل للوطن، وما يحدث فيه من نزاع، دورٌ في ذلك؟ أم أنها كانت تطارد حلمَ مستقبلها بعد أن هوى في دمشق، كما أخبرني أحد الأصدقاء: “لقد ذهبت نجلاء إلى هناك لتدرس السينما بعد أن رُفضت في المعهد العالي للفنون المسرحيه”، إذاً فهذا الوطن لا يكف عن سحق مبدعيه، وإن لم يقتلهم بالطرق التقليدية قتلهم بتحويل أحلامهم إلى سراب، قتلهم لأنه لا يجيد تقديرهم، ومنحهم فرصتهم التي يستحقونها.
لن أسأل لماذا اختارت نجلاء أفريقيا تحديداً لتعيش فيها آخر عام من عمرها؟ أتراها فعلت ذلك بعد أن عاينت الإذلال الممارس على مواطنيها من الدول العربية “الشقيقة”؟، وبعد أن تأكد لها أن هذه الدول، بأنظمتها وشعوبها ونخبها ومصائرها، لا تختلف كثيراً عن ضفة الوطن التي قفزت منها، إن لم تكن أشد قسوة!
أم تراها قد اكتشفت حقيقةُ “العالم المتحضر” التي صفعت وجهها فيممته نحو الآخر النقيض؟ ودفعتها احتجاجاً والتجاءً إلى ألم يوازي في أزليته ما يحصل في سورية اليوم، وماذا هناك سوى القارة السمراء، التي دفعت الفاتورة الأكبر لخسة الإنسان المتحضر، من عصر الرق والعبيد إلى عصر أكاذيب “حقوق الإنسان والحريات”؟ أم هو البحث عن البدائية بنسختها النقية، بعد فقدان الإنسجام مع عالم متحضر يقبل بكل هذا، وبعيداً عن تناقض يؤرق الروح، إذ ما معنى أن ترى دماء أهلك تُسفك كل يوم على شاشة التلفاز بينما تتناول عشاءك بسكين وشوكة، هل هناك من معنى لذلك سوى أنك لست أكثر من ميت يأكل ويشرب، يدخل الحمام وينام، وينجب موتى أخرين!
وما الذي يدفع صبية مبدعة وجميلة، كنجلاء، إلى شنق نفسها، إن كان ذلك حقاً ما حدث، إذ ما يزال موتها محاطاً بالغموض، على الرغم من أن أصدقاء قريبين منها، قد كشفوا عن سر اتخاذها لهذا القرار، وهم ينعونها على صفحاتهم الخاصة في الفيسبوك؟. لقد قيل إنها نجت من محاولة انتحار سابقة، وهذا يعني أنها كانت تحث الخطى نحو موت تختار توقيته بنفسها، فهل كانت آلام سورية، التي ما عادت تحتمل، هي من دفعها إلى الانتحار؟، وهل نجلاء السوريةُ الوحيدة التي راودها الانتحار للتخلص من حياة لا تشبه الحياة في أي شيء؟!!
لم يعصف الحزن بقلبي وأنا أفكر بنجلاء، بحياتها القصيرة، ورحيلها الغامض، ربما لأنني أحمل قلباً سورياً اعتاد الموت الكارثي، لدرجة أكاد أجزم فيها، بأنه في الغد قد يموت أحد أحبتي فلا أتمكن من البكاء عليه، لكن الإرث القليل من الفن، الذي تركته نجلاء قبل أن ترحل، جعل روحها تهيم حولي أياماً عدة، وجعلني أرثي هدر كل هذا الشباب والجمال والإبداع، في وقت تكاد فيه البلد في أمس الحاجة إليه.
يبدو جلياً في أعمالها أنها كانت مع الإنسان، والقيم النبيلة التي تليق بآدميته، ففي لوحتها “عروس سورية”، ألبست نجلاء عروسها فستاناً أسود يليق بحفل تأبين، وجعلتها تقف في خزانة الملابس بوجهٍ خالٍ من التبرج وبعينين مفتوحتين على الحيرة، وعلقت إلى جوارها بزة العريس السوداء أيضاً، وكانت فارغة من جسده، أرادت نجلاء أن تدق جرس الإنذار، خوفاً من موت جميع شباب الوطن وترمل سورية!
وفي لوحة أخرى بعنوان “تألقي”، صنعت نجلاء عقداً من رغيف خبز سوري، ووضعته على عنق عارضة كما تفعل الدعايات التي تسوق للمجوهرات الثمينة، وأي جواهر أثمن من رغيف خبز لبطن محاصر وجائع! وإشارة منها إلى إيمانها بوحدة الشعب السوري في ثورته، كتبت نجلاء كلمة حرية بمادة “المتة”، وهي مشروب شعبي معروف في سورية، ربما كانت تريد إقناع فئة من موالي الطاغية بالحرية. غير أن نبوءة نجلاء حول مصير السوريين، كانت في لوحتها “إطارات وبراويظ”، عندما علقت على حائط الوطن صوراً لجميع أبنائه، ووضعت على كل إطار شريط الحداد، ولم تستثنِ منهم سوى الطاغية الذي بقي حياً على شاشة التلفاز، نجلاء كانت تدري أن لا أحد سينجو!
هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟
تسعدنا مشاركتك ...