قدرة الاحتمال الروسي


باسل العودات

مر سبعون يوماً على بدء روسيا حربها في سورية، وهي مازالت حتى الآن متمسكة بموقفها العسكري المساند للنظام السوري، وصامدة في موقفها السياسي تجاه الأزمة السورية، لا يزحزح قرارها شيء، لا الرأي العام السوري الذي بات معادياً لها بشكل غير مسبوق، ولا توتر علاقاتها مع تركيا، أو سوء علاقتها ببعض الدول العربية معها، ولم يردعها صراعها البارد مع الولايات المتحدة، ولا العقوبات الغربية المستمرة والمتجددة.

مرّ سبعون يوماً ادّعت خلالها وسائل الإعلام الروسية قيام الجيش الروسي بعشرات الغارات الجوية يومياً تُمطر بها السوريين بمئات الصواريخ والقذائف، وأطلقت آلاف الصواريخ والقذائف في حملتها العسكرية المستمرة، ورغم أنه رقم غير بسيط بالعرف العسكري، إلا أن تأثيره على تنظيم الدولة الإسلامية غير ملموس إلا بالتصريحات الروسية العنترية، كما أن تأثيره على القوى الثورية كان معكوساً حيث زاد إصرارها على المضي بالحرب وصار هدفها إسقاط النظامين السوري والروسي.

لم تستطع قوات النظام السوري خلال هذه الفترة تحقيق أي إنجاز أو نصر استراتيجي ذي شأن، رغم كل الدعم الروسي العسكري، ولم يستطع تغيير ميزان القوى إلا بشكل جزئي ومؤقت ومحدود، كما لم تستطع أو بالأدق لم تهتم بشل قدرات تنظيم الدولة الإسلامية، بل توجهت لتلقين المعارضة السورية درساً في طريقة احترام الزعيم وضرورة عدم المطالبة بإسقاطه، لا هو ولا نظامه.

دخلت روسيا إلى سورية بعد مرحلة من المناورة و(الاحتيال السياسي)، خلعت قناعها وضربت بعرض الحائط بكلامها (المعسول) الذي أسمعته لبعض المعارضين السوريين بأنها حيادية، ودخلت مدججة بأسلحتها وقوتها الكاملة، تضرب وتقصف وتقتل، وتتوعد كل من يحمل السلاح ضد النظام بمصير أسود.

مع دخول سلاح الطيران الروسي الهائج لسورية، كان التحالف الدولي مشغولاً بدراسة وسائل صد تنظيم الدولة في سورية والعراق وبحشد المشاركة الدولية للتعاون معه، وكانت أوربا منشغلة بموجات اللاجئين الفارين من الحرب السورية وغيرها، وكان العالم كلّه منشغلاً بمراقبة إرهابيين عرب وأوربيين عائدين من سورية ويخططون للأسوأ في بلادهم، فيما كانت تركيا منشغلة بانتخاباتها وبالمشاكسات التي يقوم بها الأكراد السوريون على حدودها الجنوبية، أما بعض العرب فقد كانوا في حيرة من أمرهم كيف يواجهوا نتائج الاتفاق النووي الإيراني.

التدخل الروسي العسكري في سورية فاجأ السوريين كما فاجأ دول الجوار وأربك المجتمع الدولي، جاء صاعقا ًوسريعاً، بدون مقدمات ولا مبررات مقنعة أو مكتملة الأركان، إلا أن السوريين والدول الداعمة والمؤثرة بالأزمة السورية سرعان ما استطاعوا امتصاص الصدمة الأولى، وسرعان ما مُنيت قوات النظام بخسائر كبيرة غير مسبوقة في الدبابات والقوات في معركة مشتركة بين قوات النظام والطيران الروسي، كما قُتل ضباط من الحرس الثوري الإيراني ومن عناصر حزب الله أكثر من أي فترة سابقة، وبدأت المعارضة المسلحة والدول الداعمة لها كل يخطط للمرحلة المقبلة وكيف يمكن تلقين المتدخل الجديد درساً.

تنحت الولايات المتحدة جانباً، وتركت المجال لروسيا لتفعل ما تريد، وتراقب بخبث ما يقوم به (الدب) الروسي الذي يضرب دون تفكير، فهي تُدرك أكثر منه أنه وضع أرجله في الرمال المتحركة، تلك الرمال التي تفادتها الولايات المتحدة في العراق سابقاً وفي سورية الآن، وهي تعرف تماماً كم تحتاج لوقت حتى يغرق فيها حتى أذنيه أو كم سيتحمل قبل أن يهرب منه.

بعد أسبوع من التدخل الروسي، بات لدى المعارضة السورية المسلحة قدرات أكبر، فانهالت عليها بسخاء الصواريخ المضادة للدبابات، وأعلنت الكتائب الثورية النفير العام، وبدأت تتوحد بخطوات متسارعة ضد عدو جديد ستخوض معه صراعاً مريراً من أجل البقاء، ووفق المصادر الغربية سيزيد السلاح كمّاً ونوعاً مادامت روسيا مستمرة في خططها.

ليست الأزمة السورية هي الأزمة الوحيدة التي تتعامل معها روسيا، فهناك مروحة واسعة من الأزمات، الداخلية والخارجية، ليس أولها المشكلة الأوكرانية ولا مقاتلوا القاعدة الشيشانيين، وليس آخرها الأزمة الاقتصادية، ولا تلك الأزمة المستحدثة مع تركيا، ولا التكلفة الباهظة لحربها في سورية، بل هي كل هذه الأزمات وغيرها الكثير مجتمعة.

تحاول روسيا بكل ما تملك من وسائل سياسية ودبلوماسية وإعلامية أن توحي بأنها تقفز بسهولة وخفّة من انتصار إلى آخر، وتستعرض قواها العسكرية (الخارقة)، وتُطلق صواريخاً من بحر قزوين وما وراء وراء قزوين، وتتباهى بإطلاق صاروخ من غواصة في المتوسط على تخوم الشاطئ السوري، وتُلوّح باستخدام النووي في سورية وهي تعرف أنه تهديد سريالي أرعن سخيف لا معنى له، وكل ذلك لتوحي للسوريين والعالم بأنها الأقوى وأنه يجب الرضوخ لشروطها في سورية.

كل هذه المعمعة الروسية لن تفيد، فالساسة الأمريكيون يعتقدون على نطاق واسع أن روسيا يمكن أن تحتمل وجودها في سورية بهذه الطريقة شهراً آخر، وإن صمدت وعضّت على أصابعها ستحتمل عدة أشهر قليلة، ومن ثم ستبدأ حُكماً مرحلة التراجع والخسائر والأسف من الورطة التي تورطت بها، خاصة وأن بديهيات الحالة السورية تؤكد على أنه لا يمكن لأي قوة أن تغيّر أو تكسر المسار، وأنه لا عودة للوراء، ولا رجوع لزمن الحكم الشمولي الطاغي، ولا للدولة الأمنية الطائفية، ولا للأحلام الأبدية بالحكم أو توريثه، ولا عودة لزمن الخوف والرعب والاستكانة والذل، وهذا ما سيُقاوم من أجله السوريون وسيتمرون به حتى تتعب روسيا أو تقبل مضطرّة بشروط منطقية معقولة تُرضي الضحية لا الجلاد.

 

المصدر: المدن

20 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *