

شكراً لاهتمامكم بالتبرع لدعم نشاطات الحزب، حيث يقبل الحزب التبرعات المالية الغير مثقلة بأي شروط مهما كان نوعها ومستواها.
لمزيد من المعلومات ، يرجى التواصل مع رئيس المكتب المالي على البريد الالكتروني [email protected]
كما يمكنكم التواصل مع الرئيس التنفيذي للحزب على العنوان [email protected]
أطيب التحيات.
شكراً لاهتمامكم بالتبرع لدعم نشاطات الحزب، حيث يقبل الحزب التبرعات المالية الغير مثقلة بأي شروط مهما كان نوعها ومستواها.
لمزيد من المعلومات ، يرجى التواصل مع رئيس المكتب المالي على البريد الالكتروني [email protected]
كما يمكنكم التواصل مع الرئيس التنفيذي للحزب على العنوان [email protected]
أطيب التحيات.
انتفض الشعب السوري على نظام الأسد بعد واحد وأربعين عاماً من القهر والخوف والاستعباد. في المرحلة الأولى من الثورة وقبل أن تتعسكر وتتحول بشكل مدروس ومُخَطَطْ له إلى حرب طاحنة بفعل قمع النظام وإجرامه، قدم المنتفضون أنفسهم، للشعب السوري بأجمعه وللرأي العام الدولي، كمشروع وطني ومدني نقيض للنظام السوري وبديل له، فصدحت حناجرهم بشعارات، تطالب بالحرية والكرامة والدولة المدنية، شعارات تعكس مضمون تلك المرحلة.
واجه نظام الأسد معارضيه المنتفضين بعنف وبطش لا مثيل لهما في التاريخ. العارف لهذا النظام يعلم جيداً أن معاناة الشعب السوري لم تبدأ بردة فعل أجهزته الأمنية المنتشرة في كل شارع وكل زاوية منه على الشعب السوري بعد ثورته في آذار من عام 2011، وإنما منذ أن خضع هذا الشعب الحيّ لنظام ديكتاتوري شمولي حوّل سوريا من بلد يزخر بالحياة والتنوع والنشاط إلى مملكة محكومة بالخوف والرعب. إذاً، الثورة السورية لم تأت بشيء جديد بخصوص قمع النظام وإجرامه، كل ما فعلته هو أنها أزاحت الغطاء عن مأساة الشعب السوري وأظهرتها للعلن بعد أن انتقل النظام من مرحلة القمع والقتل البطيء المتستر قبل الثورة إلى مرحلة البطش والقتل السريع والعلني بعدها، لا بل صوّر اجرامه وقمعه ومجازره وتفاخر بها وكأنه يريد أن يوجه رسالة لكل السوريين بمعارضيهم ومؤيديهم مفادها: “لا توجد أيّ حدود سياسية وأخلاقية وإنسانية لبطشي”.
السوريون يعرفون جيداً نظامهم وربما هم أكثر من يعرفه ويعرف مدى قمعه وإجرامه وهذا ما دفعهم، ومنذ الأيام الأولى للثورة، للمراهنة على المجتمع الدولي وطلب المساعدة، ساعةً من الدول العربية والإقليمية وساعة من الغرب وأمريكا، لوضع حدّ لهذا النظام وعدم السماح له بقتل شعبه. نظام الأسد لم يقتل شعبه فقط، بل تفنن بقتله وبكل أصناف الأسلحة. ما لم يكن في حسبان السوريين المنتفضين هو أن قيام هذه الثورة والتخلص من النظام السوري لم يكن في صالح أحد سوى الشعب السوري نفسه، ورهانهم على المجتمع الدولي والدول الاقليمية والعربية كان رهاناً خاسراً وبجدارة، فالسياسات الدولية والإقليمية تحكمها المصالح وليس الأخلاق. ولربما أكثر ما يُجسد خذلان الشعب السوري هو هتاف “يا الله ما إلنا غيرك يا الله” الذي ردده الثائرون في تظاهراتهم كعلامة على تركهم وحيدين في وجه إجرام النظام.
فلا ايران لها مصلحة بزوال نظام تحالف معها استراتيجياً على مدى عشرات السنين ولا تركيا التي وقّع معها اتفاقية أضنة وتخلى بموجبها عن المطالبة بلواء إسكندرون. أما روسيا، فهي كإيران، شكّل بالنسبة لها هذا النظام موضع قدم في حوض البحر المتوسط، هو الأخير بعد سقوط نظام القذافي. وبالنسبة لدول الخليج المعنية بالشأن السوري والتي أربكها الربيع العربي خوفاً من أن تصلها نسمات الحرية ويتحول الربيع العربي إلى “ربيع خليجي” فسارعت للسيطرة عليه بشكل أو بآخر، هي أيضاً لم تكن لها مصلحة بانتصار هذه الثورة، فحرية الشعوب تُخيف المُستَبدين حتى لو لم تكن شعوبهم.
سقوط نظام الأسد لم يكن أيضاً في صالح اسرائيل وقد عبّر عن ذلك صراحةً وعلانية عديد من السياسيين والمحللين الإسرائليين، فكيف لا وهو الذي حافظ على حدودها في الجولان، لا كما فعل أيّ نظام سوري سابق، منذ تأسيس الكيان الصهيوني. و “حالة اللاسلم واللاحرب” بينهما لم تكن إلا حالة سلام فعلي حقيقي على أرض الواقع، وحالة حرب طاحنة ولكن على المنابر الإعلامية فقط. الدول الأوربية وأمريكا كانت هي الأخرى في حالة تصالح وانسجام مع وجود هذا النظام الذي أبدى استعداده أكثر من مرة للتعاون معها وخدمتها لأقصى الحدود، ولقد أثبت ذلك في عديد من المرات ومن أجل عديد من المسائل.
المتوقع أن الحرب الدائرة رحاها في سوريا ستطول، ولاتوجد حتى الآن أيّ مؤشرات حقيقية عن إرادة دولية وعربية ملموسة في وضع حد لها، لا بل حتى إن بعض المراقبين يتحدثون عن رغبة خفية في إطالة أمدها، قدر الإمكان، لدى جميع الأطراف المشاركين فيها والداعمين لهم. ألا يمكننا أن نتساءل عن مصلحة إيران وروسيا في نهاية حرب سمحت لهما بالعودة إلى الساحة الدولية وبقوة؟. بكل بساطة نهاية هذه الحرب هو نهاية ورقة ضغط تستثمرها إيران و روسيا في مفاوضاتهما من أجل عدة قضايا أخرى، على سبيل المثال لا الحصر الملف النووي الإيراني وفك الحظر عن أموال إيران التي تقدر بمئة مليار دولار، والنظام السوري نفسه يعلم أنه تحول لمجرد ورقة ضغط في يد إيران وروسيا وأن نهاية الحرب الدائرة على أرض سوريا ربما يعني تخليهما عنه وبالتالي سقوطه.
بفضل هذه الحرب والحروب الأخرى في المنطقة برزت دول الخليج كواحة استقرار وأمان في محيط مضطرب، وقفزت إلى صدارة الأحداث وأصبح لها دور إقليمي وعالمي ذا وزن، فهذه الدول، شئنا أم أبينا، باتت لاعباً أساسياً في المنطقة العربية، ترسم سياساتها وربما خارطتها بعد أن كانت ثانوية لمدة عشرات العقود. وأخيراً، لم تشهد مبيعات أمريكا وروسيا وأوربا من الأسلحة كماً هائلاً من الإرتفاع كما شهدته السنوات الأربع الأخيرة، وتوقف هذه الحرب يعني توقف أحد أهم الأسواق لها.
المأساة الحقيقية للشعب السوري، سواء كان معارضاً أو موالياً، لا تكمن فقط في تركه وحيداً يواجه حرباً طاحنة، وإنما في تحول هذه الحرب إلى باب رزق لجميع الأطراف المشاركة فيها فعلياً بشكل مباشر أو غير مباشر، والمثل يقول “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق”.
هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟
تسعدنا مشاركتك ...