المرسوم رقم 19 ونتائج كارثية مستقبلية لاقتصاد الحرب في سورية


جاد الكريم الجباعي

المصدر : مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية
تاريخ النشر من المصدر: يوليو/ تموز 2015
11737811_819696354766023_1047155504903433429_n

في ظل الانهيار الاقتصادي في سورية والذي يشكل جزءاً واحداً من الانهيار الشامل، أصدر بشار الأسد مرسوماً تشريعياً هو المرسوم 19 بتاريخ 30-04-2015، كانت من أهم أولوياته اعتبارات سياسية وأمنية تفرضها علاقات السلطة بحلفائها وإذعانها لشروطهم، علاوة على المصالح الخاصة العمياء لـ”رأسمالية المحاسيب”، التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه. ينص المرسوم على الآتي: “يجوز بقرار من وزير الإدارة المحلية بناءً على اقتراح مجلس المحافظة أو مجلس المدينة إحداث شركة سورية قابضة مساهمة مغفلة خاصة بناءً على دراسات اجتماعية واقتصادية وتنظيمية تهدف إلى أدارة واستثمار أملاك الوحدة الإدارية أو جزء منها، وتملك الوحدة الإدارية المذكورة جميع أسهمها. وللشركة القابضة المحدثة وفق أحكام هذا المرسوم التشريعي تأسيس أو المساهمة في شركات أموال تابعة أو مساهم بها وإدارتها“.

إن المعطيات والتحليلات تشير إلى أن السلطة صارت تمول حربها بالمساعدات والديون الإيرانية والروسية خاصة، بعد أن كانت الحكومة قد أعلنت في نيسان 2010 عن تسوية ديونها الخارجية مع الدول الاشتراكية السابقة.

وما يشير إلى تزايد المديونية الخارجية تنامي حجم الخسائر الاقتصادية الإجمالية، منذ بداية الثورة حتى نهاية العام 2014 إلى 202.6 مليار دولار أمريكي، أي ما نسبته 383% من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2010 بالأسعار الثابتة. ما أدى إلى زيادة هائلة في حجم الاعتماد على الدعم الخارجي. ومعروف أن الحكومة الإيرانية اشترطت على حكومة نظام الأسد في شباط 2015 أن تحصل منها على ضمانات سيادية قيمتها 20 بليون دولار مقابل تقديم خط ائتمان جديد بقيمة 4.5 مليار دولار، لتوفير المشتقات النفطية والمواد الغذائية.

ونظراً لخطورة هذا الحال والمآلات الكارثية لهذا المرسوم والذي يشي بما قد تكون عليه إعادة إعمار سورية سواء بقيت حكومة نظام الأسد أو لم تبق، فإننا أمام أمر واقع لا تستطيع أي حكومة قادمة تجاهله. وعليه ناقشت ورقة صادرة عن مركز دراسات الجمهورية الديمقراطية مهام الشركات القابضة ومجالات نشاطها حسب هذا المرسوم وثم عرجت على ملاحظات على الصعيدين القانوني والاقتصاد السياسي.

مهام الشركات القابضة ومجالات نشاطها:

  • القيام بإجراءات منح تراخيص البناء ومراقبة تنفيذها ومنح إجازات السكن ومطابقة إفراز الأقسام المنفذة، وذلك لصالح الوحدة الإدارية وتحت رقابتها.
  • تحصيل جميع الرسوم والبدلات والغرامات المتعلقة بأعمالها لصالح الوحدة الإدراية.
  • تولي مهام صناديق المناطق التنظيمية المحدثة وتحصيل الأقساط ومتابعة سداد القروض وفوائدها مباشرة أو غير عبر المصارف.
  • إحداث وإدارة مراكز خدمة المواطن.
  • تنفيذ البنى التحتية وإدارة النظم الإلكترونية في المناطق التنظيمية.

ملاحظات على الصعيد القانوني:

  1. الجهة الوصائية الوحيدة هي وزير الإدارة المحلية. ويقتصر دور مجلس الوزراء على وضع نموذج إرشادي للنظامين المالي والتعاقدي.
  2. لرئيس مجلس الوحدة الإدارية وأعضائها صفة مزدوجة: عامة، باعتبارهم منتخبين لإدراة شؤون الوحدة الإدارية، وخاصة، باعتبارهم أعضاء الهيئة العامة لشركة قابضة خاصة مساهمة مغفلة، ما يعني إن إدارة الاقتصاد ستكون مستقلة إن لم تكن منفصلة، عن الإدارة العامة، وأن وظيفة الأخيرة ستكون وظيفة إدارية فحسب بخلاف قانون الإدارة المحلية.
  3. ينتج من الصفة المزدوجة المشار إليها ازدواجية الوضع القانوني للمجالس المحلية ومجالس الأمن، إذ يغدو كل منها جزءاً من هيكل إداري مركزي، يخضع للدستور والقانون، على الصعيد العام ومجلس إدارة شركة خاصة، يخضع لقانون خاص هو قانون “الشركات وقانون التجارة النافذان والقوانين والأنظمة النافذة”. ما يعني أن مرجع الشركات القابضة هو القانون الخاص. كما أن المادة الرابعة من المرسوم تمنح الشركة القابضة حق القيام بأعمال قانوينة، ستكون هي النافذة لا القوانين العامة الواجبة التنفيذ.
  4. قد يتماشى هذا المرسوم مع ميل إلى الإدارة الذاتية للمناطق، ويدل ذلك على حصر سلطة القرار بإحداث الشركات القابضة في شخص وزير الإدارة المحلية إضافة إلى منصبه.
  5. الطابع المزدوج لأعضاء المجالي المحلية لا بد أن ينتج منه نوع من تنازع التخصصات وازدواجية المهام.

أما على صعيد الاقتصاد السياسي فيلاحظ الآتي:

  1. يدل المرسوم على اتجاه واضح إلى خصخصة متطرفة لأملاك الدولة والقطاع العام، وتطلق العنان لشهوة الربح على حساب المجتمع، تحت عنوان التشاركية، ولاسيما أن رأس المال الفعلي للشركات القابضة لا يتعدى الأراضي والعقارات والمنشآت، التي ستدخل سوق الأوراق المالية (البورصة)، وتخضع لقانون العرض والطلب.
  2. لما كانت السياسة اقتصاداً مكثفاً، فإن السيادة الوطنية ستكون في قبضة القطاع الخاص، أي أن الشركة القابضة سوف تسيطر على مفاصل الدولة أو شبه الدولة أو ما يتبقى منها. مع الأخذ بعين الاعتبار الفساد ونفوذ “رأسمالية المحاسيب”، والشركات ذات الهوية السورية الوهمية، علاوة على الشركات غير السورية.
  3. وعليه فإن الشركات التابعة من القطاع الخاص، ستستثمر في الصحة والتعليم والاتصالات والمواصلات البرية والبحرية والجوية والماء والكهرباء والنفط والغاز والفوسفات… ما يعني مزيداً من حرمان السوريين وإفقارهم وتهميشهم وإخراجهم من السياسة، ولاسيما أن نسبة الفقر العام بلغت نحو 80% في الربع الأول من عام 2014.
  4. صيغة الجواز التي افتتح بها المرسوم، تعني أن الشركات هذه ستنشأ في المجالات الأكثر ربحية ومردودية. وهذا يعني ازدهار مناطق وتهميش مناطق أخرى وازدهار قطاعات وتهميش قطاعات أخرى.
  5. يجافي المرسوم مبادئ العدالة والتنمية المتوازنة، وسيؤدي إلى تغييرات جذرية في البنية التشريعية والسياسية.
  6. إعفاء الشركات القابضة والشركات التابعة التي ستنضم إليها من القطاع الخاص السوري وغير السوري، من الضرائب والرسوم سيحرم خزينة الدولة المركزية من هذه الموارد، وسيؤثر في الموازنات وخطط التنمية.
  7. يتقاطع هذا المرسوم مع قانون المؤسسة العامة للإسكان المقر حديثاً، والذي جرد المؤسسة من كثير من صلاحياتها، لمصلحة شركات الإعمار الخاصة المحلية والأجنبية وعلى حساب المواطنين أصحاب الحقوق.
  8. ليس هناك أي إشارة في المرسوم إلى العلاقة بالموازنة العامة للدولة وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. فوفق الصيغة المطروحة سوف تتحول البلاد إلى جزر خاصة معزولة لا يربطها بالدولة سوى شخص الوزير (وزرير الإدارة المحلية)، الذي منح حق الموافقة أو الرفض، لا حق المتابعة والإشراف، فهي تخضع للقانون الخاص وهو خارج صلاحياته.

وقد لاحظ جمال باروت في كتابه العقد الأخير في سورية، إلى أن شركات الامتياز الخاصة ولاسيما شركتا شام القابضة والسورية القابضة (اللتان كان يجب أن ينتهي عقدهما عام 2013) هي التي ستتحكم في النشاط الاقتصادي السوري، ومن ثم هي التي تؤثر في القرار السياسي، إن لم نقل كانت تتحكم فيه، خاصة أن الشركتين نموذجان واضحان من نماذج “رأسمالية المحاسيب”، وأن شركة الشام القابضة، التي يرأس مجلس إدارتها رامي مخلوف، تضم عدداً من رجال الأعمال من عائلة مخلوف.

الرابط :  دراسات ميدانية في أثر الصراع في سوريا على المجتمع

113 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *