

شكراً لاهتمامكم بالتبرع لدعم نشاطات الحزب، حيث يقبل الحزب التبرعات المالية الغير مثقلة بأي شروط مهما كان نوعها ومستواها.
لمزيد من المعلومات ، يرجى التواصل مع رئيس المكتب المالي على البريد الالكتروني cfb@rp-syria.com
كما يمكنكم التواصل مع الرئيس التنفيذي للحزب على العنوان pec@rp-syria.com
أطيب التحيات.
شكراً لاهتمامكم بالتبرع لدعم نشاطات الحزب، حيث يقبل الحزب التبرعات المالية الغير مثقلة بأي شروط مهما كان نوعها ومستواها.
لمزيد من المعلومات ، يرجى التواصل مع رئيس المكتب المالي على البريد الالكتروني cfb@rp-syria.com
كما يمكنكم التواصل مع الرئيس التنفيذي للحزب على العنوان pec@rp-syria.com
أطيب التحيات.
مقدمة:
كتب “فواز جرجس” أستاذ سياسة الشرق الأوسط والعلاقات الدولية بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة لندن، ورقة بحثية بعنوان” سياسة أوباما تجاه الشرق الأوسط: نهاية الأهمية الأمريكية”*. وقد أشار إلي أنه من المناسب مع بداية الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي باراك أوباما تقييم حصيلة سياسته الخارجية تجاه الشرق الأوسط خلال فترته الرئاسية الأولى، فبعد أربعة أعوام من تراكم الوعود والآمال حيال إنجازاته، تتلاشي الضبابية، وأصبح من الممكن رؤية سجل سياسته الخارجية بوضوح.
وأوضح في ورقته أن هناك سؤالان رئيسيان يمكن طرحهما لتقييم الفترة الرئاسية الأولي للرئيس الأمريكي:
– السؤال الأول: إلي أي مدى كانت سياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مغايرة عن سابقتها، وإلى أي مدى مثلت استئنافاً لاعتناق الواقعية الأمريكية، فلقد تحدى الأولويات الأساسية للسياسة الأمريكية التقليدية تجاه منطقة الشرق الأوسط والتي ترتكز على أن أهمية إسرائيل أولاً، ثم الحفاظ علي العلاقات مع الدول المنتجة للنفط، والحرب على الإرهاب.
– السؤال الثاني: هل ابتعدت قضايا الشرق الأوسط عن جدول أعمال الرئيس الأمريكي، وما هو موقفه من ثورات الربيع العربي التي اندلعت في بداية عام 2011، وتأثيرها علي النفوذ الأمريكي في المنطقة؟
وللإجابة عن هذه التساؤلات، يورد فواز أربع فرضيات رئيسية:
– الفرضية الأولى:
لم يُظِهر الرئيس الأمريكي تغيراً حقيقاً للسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، بل أن سياسته اتسمت باستمرارية أكثر، فلقد قبل تماماً الافتراضات الرئيسية للسياسة الأمريكية، في الوقت الذي حول فيه منهجه بعيداً عن إستراتيجية الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في نشر الديمقراطية واستخدام القوة في النظام العالمي، ومن ثم فلم يتبع أوباما سياسة خارجية مغايرة، بل أحجم عن تحدي الأسلوب الغالب لواشنطن في سياستها الخارجية، وتبني نهجاً واقعياً وسطاً تجاه المنطقة، وهو نهج يتسق مع التوجه السائد في السياسة الخارجية الأمريكية، ولقد هدف خلال فترة رئاسته الأولى إلى الحفاظ علي الوضع الراهن مع إحداث قليل من التعديلات التصحيحية، ويرى فواز أن ذلك يُظهِر أن واشنطن قد حولت أوباما بعيداً أكثر بكثير من محاولته أن يغيرها.
– الفرضية الثانية:
يشهد أسلوب الرئيس الأمريكي أوباما استمرارية مؤسساتية للسياسة الخارجية الأمريكية عبر مختلف القضايا بدءً من عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية مروراً بأفغانستان، علماً بأنه تتم تقييد السياسة الخارجية لرئيس الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من خلال المؤسسات والبيروقراطية واعتبارات السياسة الداخلية أكثر من أي منطقة أخرى في العالم، ويفرض “الاختلال الوظيفي للثقافة السياسية الأمريكية”، وهو وصف يكشف عن دور جماعات المصالح الخاصة، لاسيما أصدقاء إسرائيل ومؤيديها، بالإضافة إلى دور الكونجرس الأمريكي في فرض قيود صارمة على قدرة رئيس الولايات المتحدة في إتباع سياسة التعامل العادل والمحايد مع القضية الفلسطينية- الإسرائيلية، والتي مازالت هي القضية الدائمة والأبرز. إن الساسة الأمريكان بما فيهم الرئيس الأمريكي محصورون في ثقافة سياسية تُعزز الانسجام والتفكير المماثل الداعم لإسرائيل، وتحد بقوة من الأصوات المعارضة. ومثلما كان سلفه الرئيس بوش، فإن الرئيس أوباما سمح للشخصية السياسية بأن تتغلب على شخصية رجل الدولة، وإتباع النمط الرئاسي السائد منذ فترة طويلة وهو الأمر الذي يفسر لماذا تفشل السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط باستمرار.
– الفرضية الثالثة:
رغم الخطاب الرنان للرئيس أوباما عن بداية جديدة في مسار العلاقات بين الولايات المتحدة والبلاد الإسلامية، لا يلقي الشرق الأوسط أولوية عالية جداً على أجندته، فلقد وضع أوباما تقوية الاقتصاد على المدى الطويل على قائمة أولوياته خلال فترة رئاسته الأولى. ويعني ذلك أن تقليل الالتزامات الخارجية لأمريكا، خاصةً في الشرق الأوسط، حيث توسعت الولايات المتحدة بما يتجاوز المصالح الوطنية الجوهرية. كما أنه مع بداية الفترة الرئاسية له، غيّر الرئيس أوباما أولويات السياسة الخارجية الأمريكية بعيداً عن الشرق الأوسط إلى منطقة المحيط الهادي وآسيا، حيث يؤمن هو وداعميه أن المستقبل الأمريكي يكمن هناك.
– الفرضية الرابعة:
تجد الولايات المتحدة اليوم نفسها في موقف مماثل لما كانت عليه بريطانيا كقوة عظمى حتى الحرب العالمية الثانية، حيث بدأت تنتهي خلالها هيمنتها علي الشرق الأوسط، كما انتهى نظام القطبية الأحادية الذي لم يدم بالأساس فترة طويلة وسيطرت فيه الولايات المتحدة على العلاقات الدولية. وقلّصت إعادة توزيع القوة العالمية حرية أمريكا في المناورة، وفرضت تراجعاً نسبياً لها، ولقد قوضت مأساة العراق المكانة الأخلاقية والمصداقية للولايات المتحدة، بل وإستراتيجية الردع الأمريكية أيضاً.
تواجه الولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية تحدياً يصعب التغلب عليه، ويتمثل في صعوبة الحفاظ على نفوذها الغالب في المنطقة في مواجهة التغيرات التاريخية والسوسيولوجية بعد الثورات الشعبية العربية في عام 2011، وتصدع التحالفات التقليدية التي دعمت موقف الولايات المتحدة في المنطقة منذ 1973.
ولقد تولى الرئيس أوباما رئاسة الولايات المتحدة في ظل بيئة إقليمية متغيرة، صار الفاعلون المحليون يمثلون الولايات المتحدة، لاسيما وأنهم يستشعرون أن لهم القدرة علي التأثير نظراً لتوقعهم عالم متعدد الأقطاب، وتخشى الولايات المتحدة أن تتعامل بعقلانية وحكمة للحفاظ علي السلام العالمي، رغم أن الرئيس أوباما سعى إلى إعادة بناء الثقة التي افتقدتها الولايات المتحدة خلال فترة حكم الرئيس جورج دبليو بوش.
وهناك عدد من الشواهد المتزايدة تثبت أن القوى الإقليمية الرئيسية في ضوء يقظة الرأي العام والمجتمع المدني لم تعُد تُظهِر احتراماً أو نزولاً عند إرادة القوى العظمى، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، وتواصل تلك الدول بدءاً من تركيا ووصولاً إلى إيران في انتهاج سياسات مستقلة وحازمة تتعارض عادةً مع المصالح الأمريكية، كما تجاهلت إسرائيل هي الأخرى في بعض المواقف حليفتها الأمريكية وراعية مصالحها.
وتستهدف هذه الورقة البحثية تناول الخطوط العريضة لسياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجاه الشرق الأوسط في محاولة لاختبار رؤيته العالمية وأولويات سياسته وعلاقاته داخل النظام السياسي الأمريكي، ورغم أنه سيتم مناقشة سياسته تجاه أحداث الربيع العربي، وإيران، وتركيا، لكن ستركز الورقة على مناقشة عملية السلام الفلسطينية – الإسرائيلية في محاولة لاستيضاح ملامح الثابت والمتغير في السياسة الأمريكية، علاوة على الآمال العالمية العريضة على موقف الرئيس بارك أوباما من هذه القضية والتي استمرت خلال فترة الرئاسة الأولى له والتي كانت معقودة على وصول أول رئيس أمريكي من أصول إفريقية إلي البيت الأبيض، واليد الخانقة التي تمارس بها السياسة الداخلية الأمريكية وتؤثر في صناعة القرار الرئاسي.
النظرة العالمية لباراك أوباما ومناهضة العقيدة الرئاسية:
أصبحت الولايات المتحدة بعد ثمان سنوات مضطربة من حكم الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش على شفير الانهيار المالي، ولذلك سعي الرئيس باراك اوباما إلى رسم مسار جديد في السياسة الخارجية الأمريكي من حيث لغة خطابه وأفعاله، وذلك بغرض رسم تباين تام بين رؤية سياسته الواقعية البرجماتية، والمنضبطة، وسياسة سلفه. وكان يأمل الرئيس أوباما أن تعود الولايات المتحدة بصورة أفضل على المسرح العالمي في عهده.
وحينما سُئِلَ الرئيس باراك أوباما عن وصفه لعقيدته الرئاسية، أجاب قائلاً: أنها قيادة أمريكية تُدرك صعود بعض الدول مثل الصين، والهند، والبرازيل، وتدرك كذلك القيود من حيث الموارد والقدرات[1].
ويري فواز، بادئ ذي بدء: أن الرئيس بارك أوباما قد سعى إلى رؤية أمريكا تبتعد عن نظام القطبية الأحادية، وتعود إلى نظام القطبية التعددية الكلاسيكية في الشؤون الدولية، والذي استمر خلال العقد الأول فيما بعد انتهاء الحرب الباردة. وأشار أوباما خلال فترة تشرحه للرئاسة الأمريكية في عام 2007 أن مبدأه الجديد لم يكن عقائدياً مثل عقيدة الرئيس السابق جورج دبليو بوش، لأن العالم أصبح أكثر تعقيداً[2].
وثانياً: وعلى عكس سلفه الذي رفض أن “يتفاوض مع الشيطان”، تعهد الرئيس أوباما بأن يتعامل على المستوى السياسي مع خصوم أمريكا، حيث قال: “إنني سوف ألتقي ليس فقط مع أصدقائنا، لكن أيضاً مع أعدائنا، لأنني أتذكر ما قاله الرئيس السابق جون كيندي بأننا من الضروري ألا نتفاوض بدافع الخوف، لكن من الضروري ألا نخشى التفاوض[3]، وأضاف أوباما أنه الآن أكثر من أي وقت سبق، فإن الدبلوماسية والشراكة تعد أموراً مهمة لإعادة بناء تحالفاتنا، وإصلاح علاقاتنا حول العالم، وفي الواقع، تجعلنا أكثر أمناً على المدى الطويل[4]. وأوضح الرئيس أوباما أن الاعتماد على النزعة العسكرية الشديدة، وتجنب الاتصال المباشر مع الأعداء، جعل إدارة بوش تتسبب في إحداث ضرر بالغ في المصالح الوطنية الحيوية الأمريكية ومكانتها العالمية، ولقد عزز غزو دول مارقة مثل العراق وضعف الموقف الأمريكي من منظور القائل بأن الولايات المتحدة تصورت أنها أعلى من المعايير والأعراف الدولية[5].
ثالثا: استهداف الرئيس باراك أوباما الابتعاد عن الاعتماد على القوة العسكرية في مقابل تعزيز استخدام القوة الناعمة، وكما اتضح في خطاب تنصيبه للرئاسة الأمريكية، أن نهجه في إدارة الشئون الدولية كان مختلفاً تماماً عن سلفه. فأسلوبه الجديد المندفع إلى الأمام لم يعتمد علي قيم أخلاقية مجردة، أو على قوة عسكرية وحشية، لكن على العلاقات الحقيقية والمصالح المشتركة مع الدول الأخرى، وأوضح أنه: أعاد التذكير بأن الأجيال الماضية واجهت الفاشية والشيوعية ليس فقط بواسطة الصواريخ والدبابات، لكن بالتحالفات القوية والقناعات الراسخة. وأدركوا أن قوتنا وحدها لا يمكنها أن تحمينا، ولا تبيح لنا أن نقوم بما نريد”[6].
وأخيراً: تفهم الرئيس أوباما جيداً رغبة بلاده في إعادة التوازن بين السياسات الداخلية والدولية، وتحويل التركيز إلى الجبهة الداخلية الأمريكية، حيث اشتاقت الولايات المتحدة بعد ملابسات اندلاع حربها المكلفة على الإرهاب، والتي شنها الرئيس جورج دبليو بوش، وصدمة الأزمة المالية العالمية، وتنامي مشكلة الدين الفيدرالي الضخم فإن أمريكا رغبت في العودة إلى الهدوء إلى طبيعتها، وتخفيض التصعيد العسكري، والأهم من ذلك، التأكيد على التركيز على القضايا الرئيسية في الجبهة الداخلية بدلاً من التركيز على الممارسات التي يقوم بها الحكام المستبدين في البلاد البعيدة، حيث شوهت النظرة الأحادية للرئيس بوش المكانة الأخلاقية لأمريكا في العالم، واعترف غالبية الأمريكيين أن تكلفة عقيدة الرئيس بوش كانت باهظة جداً وكان من الصعب أن تستمر.
وفي بداية عام 2006، أكد الرئيس باراك أوباما على أنه يتبني الواقعية، وليس المثالية مثل سلفه[7]، وأصبحت المصالح الأمنية المشتركة، والشراكة، والتعددية في العلاقات الدولية مبادئ لبرجماتية وواقعية السياسة الخارجية للرئيس أوباما، وهو الذي كان يتكتم في وقت ما عن إعلان عقيدته الرئاسية، ودعت إستراتيجيته للأمن القومي لعام 2010 إلى إعادة التوازن للالتزامات الدولية الأمريكية بعيداً عن الحروب في العراق وأفغانستان، والتي شتت انتباه الولايات المتحدة عن التحديات الأكثر أهمية للقرن الواحد والعشرين في منطقة آسيا- والمحيط الهادئ.
ولقد اعترف الرئيس أوباما بأن العالم كله يشعر بالتشاؤم تجاه دعوات الديمقراطية التي تطلقها الولايات المتحدة الأمريكية، وأوضح قائلاً:” إننا كأمريكيين نُرقي قيمنا على جميع الأشخاص بثقافاتهم المختلفة من خلال معايشة هذه القيم في الوطن”، وبدلاً من تحديد ماهية القيم الأمريكية، أشار الرئيس أوباما ببراعة إلى أن القيم الأمريكية أحد القيم التي تتشاركها الشعوب، وهذه القيم المشتركة تعبر عما تصبو إليه البشرية[8]. وعلى النقيض، مما كانت عليه إستراتيجية الرئيس السابق جورج دبليو بوش للأمن القومي الأمريكي لعامي 2002 و 2006، خصص أوباما جزءاً كبيراً من إستراتيجيته للأمن القومي لتقوية أمريكا في الداخل.
ويتصور الرئيس أوباما أن تلك المبادئ سوف تسمح لأمريكا بإخراج نفسها من حروب 11 سبتمبر، ونقل اهتمامها بعيداً عن مشاريع بناء الأمة في العالم الإسلامي باتجاه التحديات المتمثلة في الصعود الآسيوي.
أوباما يعيد تشكيل الخطاب تجاه الشرق الأوسط:
خلال حملته الرئاسية وخلال الأشهر الست الأولي من توليه منصب الرئاسة الأمريكية، جدد أوباما التزامه بالتواصل مع العالم الإسلامي، وتغيير الصورة السلبية للولايات المتحدة الأمريكية. وأكد على أن الولايات المتحدة لم تكن، ولن تكون أبداً في حرب مع الإسلام[9]. وفي بداية تواصله مع العالم الإسلامي بعد توليه الرئاسة، قدم الرئيس أوباما مقابلته الأولى مع قناة العربية الفضائية، وبعد ذلك وفي يونيو 2009، ألقى خطاباً مطولاً في جامعة القاهرة بمصر، وحينها أشار إلى مجموعة من التحديات التي تواجهه، وعرض طرقاً جديدة لإدارة العلاقات بين الولايات المتحدة ودول العالم الإسلامي.
ولقد أضطر الرئيس باراك أوباما إلى مواجهة الأضرار التي تسببت فيها إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش، والتي لحقت العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي، ومن الملاحظ أن عدداً كبيراً من رؤساء أمريكا زار منطقة الشرق الأوسط من أجل الكلام وإملاء رغباتهم، وليس من أجل الاستماع، ونظروا للمنطقة من منظور الحرب الباردة، واعتبارات الجغرافيا السياسية، وأمن إسرائيل، ومؤخراً الحرب علي الإرهاب.
وقد أدرك الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن التركة التي تولاها، والتي أضعفت المكانة الأمريكية في المنطقة، لن تدوم، ولذلك سعى إلى استثمار منصبه الرئاسي في تخفيض الخسائر الأمريكية، والبدء في إعادة القوات الأمريكية إلى الوطن من جديد، ومن الملاحظ أن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بدلاً من أن يتبنى اقتراباً أكثر إيجابية ويقوم بالتمييز بين مختلف تيارات الإسلام السياسي، أتخذ اقتراباً أكثر اختزالاً من خلال النظر إلى جميع الإسلاميين على أنهم شيء واحد، والنظر إلى التيارات المتطرفة والوسطية على حد سواء من زاوية واحدة وهي أنهم ممثلون لتنظيم القاعدة، ولقد خدمت هذه الرؤية أجندة أسامة بن لادن زعيم التنظيم من خلال رسم كل نماذج الأصولية الإسلامية، بدءاً من حماس إلى جماعة الإخوان المسلمين، على أن كل منها يمثل جماعات جهادية، عنيفة، ولها أيديولوجية متطرفة شمولية تدعو إلى شن حملات دمار عشوائية، ودحر الدول الغربية[10].
وفي ضوء هذه الخلفية، أرسل أوباما في يونيو 2009 رسالة جديدة واضحة:” لقد أتيت إلى القاهرة للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين في جميع أنحاء العالم، استناداً إلى المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وهو ما يعتمد على حقيقة أن أمريكا والإسلام ليسا متناقضين، وليسا بالضرورة في وضع التنافس. وفي المقابل هناك قواسم ومبادئ مشتركة بينهما تتمثل في مبادئ العدالة والتقدم، والتسامح، والكرامة الإنسانية[11]. وتحدث أوباما عن درايته الشخصية بالإسلام، وتعهد بتوعية الأمريكيين عن الإسلام الحقيقي لمواجهة الصور النمطية السلبية السائدة عنه[12]، ومن أجل إضفاء مزيد من الطابع الإنساني حول أمريكا في أعين المسلمين، تحدث الرئيس أوباما عن الإسلام كجزء من الواقع الأمريكي، حيث أشار إلى أنه يعيش 7 مليون مسلم في الولايات المتحدة، ولقد أنعش ذلك البلاد، وعلى عكس سلفه الرئيس بوش، لم يذكر الرئيس أوباما في خطابه الإرهاب أو الحرب على الإرهاب، وفي الواقع، كان ذلك إجراءً مقصوداً من الإدارة الأمريكية لوقف التلويح بحرب عالمية على الإرهاب.
بالنظر للبيئة المتغيرة وحالة الاستقطاب التي تولى فيها الرئيس أوباما الرئاسة الأمريكية، كان خطابه الجديد للشراكة والتعايش والوفاق بين المسلمين في الشرق والمسيحيين في الغرب نقطة رئيسية للانطلاق بعد نهاية إدارة بوش، أثارت نبرة التواضع والشراكة الجديدة في خطاب الرئيس أوباما في القاهرة توقعات بأنه سوف يغير السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. ورغم التشكك في مدى مصداقية الخطاب، إلا أن كل مشكلي الرأي العام العرب والإسلاميين من مختلف التوجهات امتدحوا اللهجة الحضارية للخطاب، لكنهم تبنوا موقفاً حذراً ومترقباً.
لقد أحبط الانفصال بين خطاب الرئيس أوباما وسياساته الوسطية القائمة على التمسك الواضح بالوضع الراهن، انتقادات في الداخل من كل من التيار اليميني واليساري، حيث بحثوا عن النقاء والوضوح الإيديولوجي، فلم يجدوه علاوة على أن الليبراليين أيضاً انتابهم نفس الشعور بالإحباط لعدم استعداد الرئيس أوباما لإنهاء حروب الحادي عشر من سبتمبر وتضميد الجراح التي تمخضت عنها، بما في ذلك معتقل جوانتانامو الأمريكي، كما أن أحد المتعاطفين مع الخطاب مثل” زبينيو بريجنسكي” المستشار السابق للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كاتر خلال فترة السبعينيات، أشار إلى عدم التطابق بين المستوي الخطابي والواقعي في إدارة الرئيس أوباما، وأوضح برجنيسكي قائلاً:” أنا معجب جداً بتصوراته ومفاهيمه، لكن لا اعتقد أن لديهم بالفعل سياسة يمكنها أن تنفذ هذه التصورات والمفاهيم”. وأضاف بريجنيسكي:” أن أوباما لا يضع إستراتيجية، إنه يعظ”[13].
لقد رفض مسئولون في البيت الأبيض الأسئلة حول غياب عقيدة رئاسية للرئيس اوباما باعتبار أنها أسئلة غير ذات صفة، وأوضحوا أنه بخلاف سلفه الرئيس بوش، يؤكد الرئيس اوباما على فاعلية استخدام البيروقراطية، والاعتدال، والتواضع على الأيديولوجية، والتأكيد على قوة أمريكا وإستثنائيتها، وإذا تغيرت الظروف، سوف يعيد النظر في القرارات إذا حقق التغيير المصالح الوطنية الأمريكية[14]. وقد أعلن أوباما في عام 2011 أنه” حينما تبدأ في تنفيذ سياسات شاملة في ظل تعقيدات الوضع العالمي الحالي، فإنك ستضع نفسك أمام مشاكل”[15].
إن سياسة الرئيس أوباما الخارجية الواقعية أكثر حذراً من كونها سياسة مغايرة، لكن هذا لم يمنعه من تحقيق نتائج مغايرة، مثل مسألة السلام العربي- الإسرائيلي، ومن الناحية النظرية فإن رؤيته المختلفة بعض الشيء حيال كيفية التعامل مع أزمات الشرق الأوسط والإقرار بأهمية الوضع المحلي، كان للرئيس أوباما أن يفرض سياسة خارجية واقعية لكي تتناسب مع تطلعات التحول والتغيير كما جاء في خطابه – لكن فقط إذا كانت لديه الرغبة في القيام بتدخل كامل في المنطقة، وتحديد أولوياتها من خلال استثمار رأس المال السياسي الهام داخل أمريكا.
العائق الأكبر:
لا يعكس فشل الرئيس أوباما في تنفيذ سياسة مطابقة لخطابه إلى التنافر الإستراتيجي ولكن عوضاً عن عدم قدرة الرئيس في مواجهة الاختلال الوظيفي في النظام السياسي الأمريكي وإعادة توجيه سياسته الخارجية من المحافظة على الوضع القائم إلى تحقيق نتائج ملموسة، في الوقت الذي كان فيه الرئيس أوباما يستخدم القوة الصلبة والناعمة للحفاظ على مسار ثابت، فإنه لم يستفد من السلطات الرئاسية الاستثنائية، كما أنه لم يستفد تماماً من الأحداث الغير تقليدية في الشرق الأوسط التي اندلعت منذ 2011 لإحداث تغيير في التعامل الأمريكي مع المنطقة.
لم يكن بمقدور الرئيس أوباما أن يترجم وعوده إلى سياسات عامة متماسكة، في ضوء ما تمثله جماعات المصالح المتأصلة والتركة الثقيلة التي خلفتها إدارة جورج دبليو بوش، وهو ما جعل نهج السياسة الخارجية للرئيس أوباما عرضة للانتقاد، ويُشبه بنهج أسلافه. وهو ما نتج عنه افتقاد الغالبية للانطباع الجيد حياله في العالم الإسلامي، واستمر الاقتناع بأن الولايات المتحدة ضعيفة مالياً وعسكرياً وسياسياً بسبب نظام سياسي مختل.
وبعد تولي الرئيس أوباما الرئاسة الأمريكية، استهان هو وفريق سياسته الخارجية بحجم التركة المريرة التي تولاها في سياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط، والمتمثلة في كل من الحروب في العراق وأفغانستان، والتسبب في أعمال تعذيب غير عادية، وتحالفات مع أنظمة استبدادية غاشمة، والدعم الغير مشروط لإسرائيل، والتحديات الخطيرة التي تشكلها إيران وباكستان، بينما واجه أوباما في الداخل ركوداً اقتصادياً، وكان صعود الصين والهند يبشر بالتحول من القطبية الأحادية إلى التعددية القطبية في النظام الدولي.
وبخلاف خصومه المحافظين، كان لدى أوباما وداعميه شعور شديد بالتراجع الأمريكي النسبي في مقابل صعود قوى أخرى، وسعى إلى إعادة التوازن في أولويات السياسة الخارجية بعيداً عن منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة المحيط الهادئ وآسيا، رغم الخطاب الرنان للرئيس أوباما عن بداية جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة والبلاد الإسلامية، إلا أن المنطقة لا تحتل ترتيباُ متقدماً جداً على أجندته.
كان الوضع المالي للدولة الأمريكية وتعزيز قوة النظام الاقتصادي من جديد علي المدى الطويل من أولويات الرئيس أوباما، وهو ما يعني أنه قد تقلصت التزامات أمريكا في الخارج لاسيما في الشرق الأوسط والذي كان قد شغل تمدداً أكبر بما يتجاوز المصالح الوطنية الداخلية الحيوية.
في مقابلة تليفزيونية مشتركة بين الرئيس أوباما وهيلاري كلينتون بسبب انتهاء توليها لمنصب وزيرة الخارجية الأمريكية في يناير 2013، علقت هيلاري على ما قاله الرئيس أوباما عندما عرض عليها أكبر منصب في حكومته، ” قال الرئيس أوباما بالأساس أنت تعلمين، أننا نعاني من أزمة اقتصادية كبيرة ربما تدفعنا إلى الكساد، ولن أكون قادراً على القيام بالكثير لتلبية كل التوقعات المبنية على دورنا حول العالم. إنك على مشارف ترك منصبك، ……….وكما تعلمون أنني توليت أعباء الكارثة الاقتصادية”[16]، تعتبر رؤية كلينتون كاشفة لأنها تدل على أنه منذ تولي أوباما فترته الرئاسية كانت أولويات أوباما داخلية، وبالأساس الملف الاقتصادي، ولم تحتل الشئون الخارجية بما فيها الشرق الأوسط مرتبة عالية في أجندته. ليس من المستغرب أنه عندما واجهته تحديات في الشرق الأوسط، سعى الرئيس أوباما إلى عدم زيادة تدخل الولايات المتحدة هناك، وفي موقف بعد آخر، أظهر أوباما ميلاً للحفاظ على مسافة من الاضطراب السياسي والاجتماعي للمنطقة والصراعات الدائرة، وهو خيار يتسق مع رؤيته العالمية وأولوياته.
ثورات الربيع العربي: الإختبار الأكبر أمام أوباما
لقد اندلعت ثورات الربيع العربي في عام 2011 علي نحو مفاجئ، ولم تقم مؤسسة السياسة الخارجية بالنظر بجدية في مرحلة ما بعد انتهاء الديكتاتوريات العربية أو تصور ما يمكن أن تكون عليه، وقللت من أهمية تحذيرات سابقة حول إمكانية قيام ثورات شعبية بوصفها شئوون داخلية، ومن المتصور أن تتمكن الأجهزة الأمنية في دول المنطقة من احتوائها.ولقد افصح الرئيس أوباما عن خطاب جديد تجاه الشرق الأوسط[1]، لكنه في ذات الوقت اقر بأن المصالح الأمريكية الحيوية- ومنها تأمين مصادر الطاقة- وحماية الحلفاء التقليدين- من الضروري أن يتم الحفاظ عليها. وبالتالي ليس غريباً أن تحتضن إدارة الرئيس أوباما الحكام المستبدين الموالين للولايات المتحدة، مثل الرئيس السابق محمد حسني مبارك، والذي قدم مساعدات ضرورية في عمليات مكافحة الإرهاب، والانتشار النووي، وتأمين الطاقة، وفي ملف الصراع العربي الإسرائيلي. وينبع هذا الجهل التاريخي من التصورات والمفاهيم الخاطئة حول بنية المجتمعات والسياسات في الشرق الأوسط، وبالأساس كثرة التركيز علي السياسات العليا والنخبوية، وعدم وجود حركات اجتماعية ورأي عام ذوات ثِقل.
اتبع الرئيس أوباما في البداية أسلوباً متأنياً وغير تدخلي في تعزيز الديموقراطية في المنطقة[2]. في حين أعلن عن تفضيله للحكومات المنفتحة لأنها تعكس إرادة الشعوب- ويعتبر هذا انتقاداً ضمنياً للرئيس مبارك وغيره من الحكام العرب- غير أنه لم يتطرق لانتهاكات حقوق المواطنين المنتشرة في العديد من البلدان المسلمة،رغم أن الرئيس أوباما ارسل في أغسطس 2010 مذكرة من خمس صفحات إلي كبار مستشاريه في 10 أغسطس 2010 تحت عنوان”الاصلاح السياسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”والتي حثهم فيها أن يتحدوا الفكرة التقليدية التي تشير إلي أن الاستقرار في المنطقة يخدم دائماً المصالح الحيوية الأمريكية[3]. أراد الرئيس أوباما وفق ما أفادت تقارير تقدير مخاطر كل من استمرار الدعم الأمريكي للنظم الاستبدادية والنظم التي لا تتمتع بشعبية علي نحو متزايد، والدفع الأمريكي القوي للإصلاح[4]. ووفقاً لمسئول في البيت الأبيض، فإن الرئيس باراك أوباما خلص إلي الحكمة التقليدية والتي كانت سائدة في دوائر السياسة الأمريكية بأنها كانت خطأ، ومع اكتساب الاحتجاجات في تونس زخماً” فإنه كان من الواضح أن “كل الطرق تؤدي إلي الإصلاح السياسي”[5].
أتبعت وزارة الخاريجة الأمريكية بزعامة هيلاري كلينتون مقاربة تدريجية منخفضة المخاطر رزينة من أجل تعزيز حقوق الإنسان، فقد أشارت في تقارير ومخاطبات سنوية حول حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان في الشرق الأوسط، ومع ذلك لم تتوقع الخارجية الأمريكية تراكم الغضب والسخط الذي يجتاح مصر، كما لم تبادر لممارسة الضغوط علي الرئيس السابق حسني مبارك لتغيير نهجه الاستتبدادي في الحكم.
وفي هذا السياق، مثلت الاضطرابات الاجتماعية التي اندلعت في الخامس والعشرين من يناير 2011 صدمة لكل من الرئيسين مبارك وأوباما علي قدم المساواة. وجاء تفاعل المسئولين في وزارة الخارجية الأمريكية متردداً ومتضارباً في البداية بخصوص الأزمة التي حدثت في مصر[6].وانتشرت الاحتجاجات الواسعة وأجبرت الرئيس مبارك علي النزول عن الحكم، وغير الرئيس أوباما من طبيعة تعامله مع دولة مثل مصر، حيث تخلي في النهاية عن أقدم حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، وتعرضت الإدارة الأمريكية لانتقادات داخلية بسبب ارسالها رسائل متضاربة عن مبارك والاحتجاجات، ودعمها لمبارك مؤقتاً قبل أن تتخذ قرارها بالتخلي عن دعمه بالكامل بسبب مطالب المتظاهرين بضرورة تخليه عن الحكم[7].
وحينما احتشدت الجماهير لأكثر من 18 يوم، قلل أوباما من الخلاف علي السياسات داخل إدارته، في حين أن الدبلوماسيين في وزارتي الدفاع والخارجية رأوا من خلال منظور المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، لاسيما تهديدها لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وجهودها في عملية السلام في الشرق الأوسط، شعر المسئولون أن التمادي في تخوفهم وهاجسهم من الاستقرار بالمنطقة ربما يضع الرئيس – الذي يُوصف بالتاريخي- في الجانب الخطأ من التاريخ[8].
ومنذ بداية الثورة وحتي إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك، أتخذ الرئيس أوباما رؤية برجماتية لكيف يمكن استغلال النفوذ الأمريكي المحدود للتأثير في إحداث التغير في مصر. ولقد أعطي الرئيس أوباما في النهاية تعلميات لمساعديه ليطلبوا من مبارك بأن يشرع في تغيير سياسي حقيقي،ولم يُرِد أن يُنظر إلي إدارته علي أنها تحمي ديكتاتوراً ضد آمال غالبية شعبه، لاسيما الشباب، وبالتالي يفقد تعاطف الشعب المصري.
وفي ذات الوقت، كان قلق الرئيس أوباما في الغالب علي الإدراة الفعالة للأزمة والانتقال السياسيي السلس، ولقد تخوف الرئيس أوباما والخارجية الأمريكية أن يتم خطف الثورة المصرية كغيرها من الثورات الأخري التي تعرضت لذلك من قِبل جماعات وقوي إسلامية معادية للديموقراطية، وفي العموم، ويبدو أن جماعة الإخوان المسلمين، وحركة حماس، وتنظيم حزب الله يُنظر لهم بعين الريبة في دوائر السياسة الأمريكية، كما ينظر لهم علي إنهم تهديد للمصالح الأمريكية.وعلي النقيض، كان يُنظر للحكام المستبدين الموالين للغرب علي انهم أهون شرين- تابعين ومعمرين في الحكم كما يسهل التنبؤ بحركاتهم[9].
وبعد ما يقرب من ساعة تقريباً بمجرد أن ألقي الرئيس السابق مبارك خطابه في 1 فبراير الذي أوضح فيه أنه لن يترشح للرئاسة مرة أخري،اتصل الرئيس أوباماوأخبره أنه لم يحقق النتيجة المطلوبة، حيث أخبر الرئيس أوباما الرئيس المصري السابق ووفقاً لمسئول كبير،” فلقد حان الوقت لتقديم حكومة جديدة للشعب المصري، إن مستقبل بلادك علي المحك”[10]. ما بدا وكأنه كان خيانة لمبارك من الولايات المتحدة في الواقع، كانت خطوة محسوبة من الرئيس أوباما لتقليل خسائره. لأن الرئيس مبارك أصبح عبئاً علي الولايات المتحدة. وبشر قرار مبارك بالتنحي بعدم حدوث تحول في السياسة الخارجية الأمريكية، لأن الإدارة الأمريكية كانت إنتقائية وتميزية في نهجها، تعامل كل دولة بأسلوب مختلف وعلي حدة. ووفقاً لملاحظة مسئول كبير:” كان هناك حاجة لإصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي، لكن سيتعين تحديد نهج خاص لكل دولة علي حدة”[11].علي سبيل المثال، رغم أن الرئيس أوباما حافظ علي ضغط ثابت علي الرئيس مبارك لكي يرحل عن الحكم، وعلي الجيش المصري تسليم السلطة لتلبية طلبات المتظاهرين في البلاد، إلا أنه ضبط من نفسه ولم ينتقد في مواجهة تصعيد القمع الذي مارسته وزارة الداخلية في الممكلة البحرينية ضد الحركة المناصرة للديموقراطية في البلاد[12].
عارضت السعودية النهج الإيجابي للرئيس أوباما تجاه المتظاهرين في كل من تونس ومصر، وصدت المساعي الأمريكية لتحفيز دول الخليج لتأسيس إصلاحات ذات مغزي، وتلبي الطموحات المشروعة لشعوبها[13]. وقد صف المسئولون موقف أوباما وكأنه موقف ساذج وخطير[14]. ولقد قدمت البحرين اختباراً للإرادات بين الإدارة الأمريكية المنقسمة ودول الجوار المصرة علي موقفها، وتأتي علي رأسها المملكة العربية السعودية. وفي البداية، حذر المسئولون بالخارجية الأمريكية العائلة الملكية الحاكمة في البحرين من استخدام القوة المفرطة ضد شعبها، وشجعوا الملك حمد علي إتخاذ إصلاحات جادة لكي تتجنب الممكلة البحرينية حدوث أزمة سياسية طويلة الأمد وأعمال عنف، غير أن القوات العسكرية السعودية تدخلت تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي بعد ذلك ورعاية ممكلة البحرين، وسمحت السلطات المحلية البحرينية لهذه القوات بقمع التظاهرات. ولتبرير هذا التدخل العسكري، اتهم السعوديون وإدارة الرئيس أوباما إيران باختراق السكان العرب الشيعة، واقتناص مطالبهم السياسية لتحقيق مصالح جيوسياسية[15]. وبعد مقابلة مع الملك عبد الله ملك السعودية في إبريل 2011، والتي شهدت انتهاء التوترات السعودية الأمريكية، أوضح وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس أنه لم يطرح موضوع التدخل السعودي في البحرين. ولقد ناقش جيتس مع ملك السعودية كثير من الموضوعات الأكثر أهمية علي الساحة، مثل صفقة بيع أسلحة بأكثر من 60 مليار دولار أمريكي، وهي الصفقة الأكبر في تاريخ السعودية مع أمريكا، وتحديثاً لنظام الدفاع الصاروخي للمملكة العربية السعودية.
ولقد طرحت ليبيا مزيداً من الضوء علي العقيدة الرئاسية للرئيس أوباما. وردت تحذيرات من دروس الحرب في العراق، بجانب الضغوط الاقتصادية في الداخل الأمريكي، لذا رفض الرئيس أوباما تولي القيادة بشأن المهام العسكرية في لبيبا، وأصر أن يتولي حلفائه الأوربيون والعرب المسئولية. وكان يفضل أن يقود المهمة من وراء الستار، لأنه كان يعارض نموج الرئيس السابق جورج دبليو بوش في القيادة المنفردة[16]. ورغم أنه في القرار النهائي، دعم الرئيس أوباما التدخل العسكري للناتو في ليبيا لأنه خشي من ألا يتمكن من ردع القذافي والذي كان سيقوم بمجزرة ضد الثوار في بنغازي[17].
سوريا: تحركات عرضية لكنها ليست للأمام
منذ بداية تولية منصب الرئاسة الأمريكية، احجم الرئيس بارك اوباما عن استخدام القوة باستثناء الحالات التي يتأثر الأمن القومي الأمريكي فيها مباشرةً، حتي أنه في هذه الحالة، أكد علي أن نهجه”التحرك السلس” بدلاً من التصعيد. والحالة السورية توضح هذه النقطة، ورغم الضغوط التي يمارسها السياسيين الجمهوريين ونزيف الدماء في سوريا، إلا أن الرئيس أوباما رفض التدخل المباشر في سوريا، وتعهد بإرسال الجنود الأمريكيين للخارج فقط في حال تأثرت المصالح الأمريكية الأساسية، هذا مع ملاحظة الإدارة الأمريكية أن المصالح الأمريكية الحيوية لا تتواجد في سوريا وهي بلد صغير وفقير. وبالفعل، حدد الرئيس باراك أوباما التدخل الأمريكي في سوريا بتقديم دعم سياسي ومالي للمعارضة، وشن الحرب بأيدي آخرين وبوسائل أخري ضد النظام السوري، الحرب الاقتصادية.
ومؤخراً، ظهرت تقارير تشير إلي أن الرئيس باراك اوباما قد رفض ما دعي إليه فريق الأمن الوطني والذي حث علي تسليح العناصر الوطنية داخل المعارضة السورية. وفي شهادته أمام لجنة الشئون المسلحة بمجلس الشيوخ في فبراير، قال الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة أن وزارة الدفاع الأمريكية، ووزير الدفاع نفسه ليون بانيتا دعمهما خطة لتسليح المعارضة السورية. ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز تم تطوير هذه الخطة في عام 2012 علي يد ديفيد باتريوس مدير الاستخبارات الأمريكية المركزية في ذلك الوقت، ودعمتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، والتي دعت إلي التحري عن المعارضين السوريين جيداً وتدريب المقاتلين الذين سيتم مدهم بالأسلحة، لكن في خضم الحملة الانتخابية للرئيس باراك اوباما لفترة رئاسية جديدة، رفض لببيت الأبيض تلك الخطة[18].
ولا تمثل الاعتبارات الانتخابيةالسبب الرئيس لرفض الرئيس أوباما مد المعارضة السورية بالأسلحة،ففي مقابلتين له، ألقي مزيد من الضوء علي أسباب تحفظه، حيث قال في مقابلة مع الجمهورية الجديدة :” فيما يخص الموقف في سوريا، أريد أن أتساءل، هل يمكننا القيام بصنع فرق ما…؟”[19]، وقال أنه مضطر للموازنة بين المنافع التي يمكن تحقيقها جراء التورط في الأزمة السورية،وقدرة وزارة الدفاع الأمريكية علي دعم القوات المقاتلة حتي الآن في أفغانستان، حيث بدأت الولايات المتحدة تسحب قواتها بعد إثني عشرة عاماً من الحرب هناك وقال هل يمكن أن تتورط الولايات المتحدة في إشعال العنف لمستويات أسوأ من القائم حالياً أو تدفع نظام الأسد لاستخدام أسلحة كيميائية؟ وما الذي يمكن أن يقدم أفاقاً أفضل للاستقرار بعد نظام الأسد؟ وكيف يمكنني أن أقيم عشرات الألاف من الذين قد قتلوا في سوريا مقابل عشرات الألاف يقتلون حالياً في الكونغو؟[20]، وأوضح أوباما: “أننا لا نقدم خدمة لأحد حينما نتورط في صراع قبل أن نعرف تبعاته، وعندما نتولي الأمور دون أن نفكر في كل ما يترتب عليها من عواقب”، ووفقاً لما ذكره أوباما لمحطة (سي بي أس) التليفزيونية[21]” أننا لن نكون قادرين علي التحكم في كل جوانب الانتقال والتحول في الصراعات حول العالم” وأضاف: ” أحياناً تنحرف مساراتنا بعيداً”[22].
ورداً علي المنتقدين، مثل السيناتور الجمهوري جون ماكين عن ولاية أريزونا، شكك في قرار الرئيس أوباما الذي أبطل فيه دعوة فريق الأمن القومي الخاص به، أعلن جاي كارني المسئول الإعلامي بالبيت الأبيض للمراسلين والإعلامين:” أن أوباما وفريقه للأمن القومي كانوا حذرين جداً في تقدير المخاطر. لانريد أسلحة تقع في الأيادي الخطأ، وهناك احتمالات متزايدة بأنها تشكل خطراً علي الشعب السوري، وحليفتنا إسرائيل، أو الولايات المتحدة نفسها”، “كما أننا بحاجة إلي التأكد أن أي دعم نقدمه يصنع فرقاً واقعياً بحيث يمثل عنصر ضغط علي نظام الأسد”.واضاف كارني أنه ليس هناك نقصاً في الأسلحة في سوريا، ولذلك تركز الولايات المتحدة في مساعيها علي مساعدة المعارضة لكي تصبح قوية، واكثر تماسكاً، وأكثر تنظيماً”[23].
ورغم أن إدارة أوباما تصر علي أنه من الضروري أن يرحل الأسد، لكنها لا تملك الإرادة أو الرغبة في التدخل العسكري بسبب التخوفات من تصعيد الموقف- علي المستويين الإقليمي والدولي،وهناك أيضاً قلق داخل الإدارة الأمريكية حيال صعود قوة الجماعات الراديكالية والجهادية مثل جبهة النصرة، واحتمالات تكرار السيناريوهين الليبي والعراقي، ولقد قال الرئيس باراك أوباما في نوفمبر 2012 في مؤتمر صحفي له:” لقد رأينا أن العناصر المتطرفة تندس داخل جماعات المعارضة السورية،وهذا أحد الأمور التي يجب أن نأخذها في الاعتبار، لاسيما عندما نبدأ الحديث عن تسليح شخصيات من المعارضة، حتي لا نضع السلاح مباشرة في يد من يمكنهم الإضرار بأمريكا، أو الإضرار بإسرائيل أو الانخراط في أعمال من شأنها أن تقوض مصالحنا الوطنية”[24].
وبعد توليه منصب وزير الخارجية رسمياً، كرر جون كيري مخاوف الإدارة الأمريكية، وقال أن هناك قضايا مُلحّة تصاعدت بسبب تورط جماعات معارضة إرهابية مثل جبهة النصرة وتنظيم القاعدة في العراق، حيث تتخوف الولايات المتحدة بشدة من مخزون الأسلحة الكيميائية التي لدي بشار الأسد[25]. وأضاف كيري: أننا ننظر لما يمكن أن نتخذه من خطوات، وإذا ما كانت المساعي الدبلوماسية علي وجه الخصوص قادرةعلي تقليص العنف[26]، والتوصل إلي حل، بمعني أن الرئيس أوباما يفضل التسوية السياسية أكثر والتي تسهل خروج الأسد عن السلطة حتي لا يطول أمد الصراع المسلح والذي ربما يدمر الدولة السورية والنسيج الاجتماعي في البلاد، وقد تمني أحد مساعدي أوباما المقربين أن تحقق المعارضة مكاسب عسكرية هامة من شأنها إجبار الأسد علي التنحي دون الحاجة إلي تدخل عسكري غربي مباشر، ويأملون أيضاَ أن تغير روسيا موقفها تجاه الأزمة السورية وممارسة المزيد من الضغوط علي الأسد لقبول التنحي لا محالة.
وإذا لم ينجح ذلك النهج، فإن النتيجة المترتبة علي ذلك هي حدوث جمود في المساعي الدبلوماسية والسياسية وحدوث مأزق حيال التدخل العسكري، وفي إشارة لتحول جديد في السياسة الأمريكية تراجعت الإدارة الأمريكية عن سياستها تجاه سوريا، ووفقاً لمسئوليين أمريكيين وأوروبيين فإنهم بدأوا يفكرون في التعامل المباشر مع المعارضة المسلحة بتوفير معدات مثل العربات المصفحة والدروع الواقية، وربما تدريباً عسكرياً، ومن المُرجح أيضاً إرسال مساعدات إغاثية مباشرةً إلي إئتلاف المعارضة السياسية[27]، إلا أنه مازلنا في انتظارهل سيغير الرئيس أوباما موقفه ويتدخل عسكرياً في تلك البلاد التي مزقتها صولات الحرب في المستقبل المنظور، إذا ما حدث شئ كارثي هناك مثل استخدام الأسلحة الكيميائية،ففي خطاب الإتحاد الذي ألقاه أوباما لعام 2013، قلل الرئيس من أهمية هذه التوقعات حيث تحدث بالكاد عن سوريا، فقد أوضح أنه ربما سيتسمر في الضغط علي الحكومة السورية ويدعم المعارضة السورية سياسياً، في الوقت الذي يتحدث فيه بثقة مثلما أعلن في عام 2012، أن الأسد سيُجبر قريباً علي التخلي عن السلطة[28]، وفي الوقت الراهن، مازالت المذابح السورية مستمرة مع غياب أي بصيص من الآمل في نهاية النفق السوري المظلم.
وقد أظهرت جميع التفسيرات حول تردد الرئيس اوباما في إتخاذ دوراً فعالاً في الأزمة السورية أن المبرر الأكثر إقناعاً في هذا الشأن هي الدروس التي تعلمها من العراق، فليس من الضروري أن تورط الولايات المتحدة نفسها عسكرياً في أراضي بعيدة، لاسيما في الشرق الأوسط، إلا إذا كانت مصالحها الإسترايتجية معرضة للخطر، وإذا كان هناك توافقاً نسبياً علي الساحة الدولية وهو ما يتم ترجمته في قرارات من مجلس الأمن الدولي،ونظراً لخطورة المصاعب الاقتصادية والاجتماعية الأمريكية جاء درس أخر تعلمه الرئيس أوباما ويتعلق بتركيزه كثيراً علي بناء الأمة الأمريكية في الداخل، بدلاً من المغامرات العسكرية وبناء الأمن في الخارج وهذا علي عكس أولويات سلفه الرئيس جورج دبليو بوش.
لقد أجبرت ثورات الربيع العربي لعام 2011 الرئيس أوباما علي إعادة النظر في تدخله في منطقة الشرق الأوسط،وفي خطاب له في مايو 2011 طرح نهجه تجاه الثورات العربية، وسعي إلي إعادة تنظيم السياسية الخارجية الأمريكية في المنطقة العربيةحيث قال أن الولايات المتحدة لديها مصلحة ليس في تحقيق الاستقرار في دول المنطقة، بل في قدرة الأفراد علي تقرير مصيرهم أيضاً،ولتطوير ما يرقي لنهج أمريكي جديد تجاه العالم العربي قال الرئيس أوباما أن الولايات المتحدة ستُعزز تحقيق إطلاق إصلاح سياسي واقتصادي دائم في أرجاء المنطقة- ودعم نشر الحقوق العالمية،وستُدعم التحولات نحو الديموقراطية، وأكد قائلاً أن: “دعمنا لهذه المبادئ ليست مصالح ثانوية”،” وأوكد اليوم أنها أولوية عليا من الضروري أن تُترجم إلي إجراء فعلي، ومدعومة بجميع الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والاستراتيجية في أيدينا”[29]، ويُذكّر أوباما المهتمين والمتابعين لشؤون وزارة الخارجية الأمريكية أن الاستراتيجية التي تعتمد بصورة كلية علي تحقيق المصالح الأمريكية لن تقود إلي الاستقرار، والرخاء أو الحرية لشعوب المنطقة، وأوضح أنه:” بالإضافة إلي ما سبق، فإن الفشل في الحديث عن طموحات أوسع للشعوب سوف يغذي فقط الشك الذي تعمق عبر سنوات بأن الولايات المتحدة تسعي لتحقيق مصالحها علي حساب تلك الشعوب”[30].وفي محاولة لمحو أي شك حيال دعم الولايات المتحدة لدعوات التغيير أعترف الرئيس أوباما بطريقة غير مباشرة بأن إدارته لم تكن ثابتة في موقفها تجاه حلفاء مثل البحرين واليمن واللاتي تم قمع المعارضة فيهما، رغم أن توجيهه اللوم لهما كان مجرد ضربة علي يديهما، في حين وجه نقده القاسي لخصومه في ليبيا وسوريا وإيران.
ومن المفارقات أنه في الوقت الذي وصف فيه الإعلام الأمريكي خطاب أوباما كوثيقة سياسية رئيسية تُشير إلي نهج جديد تجاه المنطقة،فإن عدد قليل من العرب والمصريين استمعوا له والذي قدمه أوباما لمصر في عام 2009 كبلد فقير مُثقل بأكثر من 30 مليار دولار أمريكي من الديون ويواجه أيضاً أزمة اجتماعية واقتصادية خطيرة، جاء ضئيلا جداً ومتأخرا جداً[31]. ولقد تضاءل وهج خطاب القاهرة في العالم الإسلامي. وهناك الآن كثير من الشك حول أهداف الولايات المتحدة وقدرة الرئيس أوباما أو استعداده للوفاء بوعوده[32].
يكمن أحد الأسباب الرئيسية لتشكك العرب في الولايات المتحدة في:
التضارب في الدعم الأمريكي للتحول في أطراف مختلفة من العالم العربي.
فشل الولايات المتحدة الواضح في دعم الفلسطينيين أو تطلعات الشعب البحريني.
وتُشير الورقة أنه إلي ما يلي:
أنه بغض النظر عن الحكومات التي ظهرت علي أنقاض الاستبداد السياسي في العالم العربي فإنه سيكون لها سياسات خارجية حاسمة من شأنها أن تنتصر للحقوق الفلسطينية وتتحدي الهيمنة الإسرائيلية.
توضح الإضطرابات الثورية الأخيرة عبر أرجاء العالم العربي أن التطورات في الشرق الأوسط كثيراً ما يكون لها استمراريتها وتأثيرها علي تغيير أولويات السياسة الخارجية عند الرؤساء الأمريكيين.
وفي هذا الصدد تؤكد الورقة علي أن الرئيس أوباما يتفق أكثر مع القواعد وليس الاستثناءات. ورغم أنه سعي في البداية إلي تحسين صورة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وخفض تواجدها بالمنطقة، لكن أضطرته الثورات العربية إلى إعادة التركيز مجدداً علي المنطقة، ويتخذ الرئيس مجازفات خطيرة لأنه لا يطور استراتيجية موجهة للتعامل مع الإضطرابات الثورية بالمنطقة، وبالتالي له تأثير محدود في تشكيل الأحداث بالمنطقة.
عملية السلام:
يتشابه موقف الرئيس اوباما تجاه الثورات الشعبية العربية بموقفه من عملية السلام العربي- الإسرائيلي: ففي كلا الحالتين لم يستخدم جميع الأصول والموارد المتاحة لاسيما القيادة لترجمة خطابه إلي أفعال،ولأن المخاطر علي المصالح الأمريكية الحيوية كبيرة في الشرق الأوسط، فضلاً عن تأثيرها علي إرث رئاسة أوباما للذي سيخلفه، كما لم تأخذ إدارته ولا الحكومة الإسرائيلية دروساً من الثورات الشعبية. ورغم أن القضية الفلسطينية ليست الدافع الرئيس وراء الثورات العربية، لكنها تجد صدي كبير عند ملايين العرب، وتُذكِر بمدي التضحيات والظلم والإيذاء الذي يتعرض له شعب عربي،فقد دعا إصلاحيين خلال الثورة المصرية إلي إحداث تغييرات ديموقراطية, وإحداث توجيه جديد في السياسة الخارجية، خاصة من قبل أحد أكثر الأفراد الداعمين للفلسطينيين والقضايا العربية الأخري.
ولقد استثمر الرئيس أوباما منذ بداية إدارته رأس مال سياسي هام في محاولة للمساعدة في التوسط في التسوية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين، وعلي عكس الرؤساء الأمريكيين السابقين، ادرك مركزية الصراع العربي- الإسرائيلي في العلاقات الأمريكية مع الدول العربية، والشرق الأوسط الكبير، وكان أولي دعواته كرئيس إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس قال أنه تعهد بأنه سيبذل مساعيه بغرض التوصل إلي تسوية سلمية بين إسرائيل والفلسطينيين والمساعدة في تحقيق دولة فلسطينية، علاوة علي ذلك، ربط الرئيس أوباما تأسيس دولة فسلطينية بالأمن الوطني الأمريكي، وبالتالي إعلاء وتحديد أولويات تحريك عملية السلام العربي- الإسرائيلي.
لقد عززت الخسائر الجسيمة من حصيلة أعداد قتل المدنيين في غزة في حرب عام 2008 وما صاحبها من تنامي الغضب الشعبي في العالم العربي وإسلامي جراء العمل العسكري الإسرائيلي هناك، عززت قناعة الرئيس أوباما أن الصراع العربي- الإسرائيلي يحتاج لاهتمام عاجل، وليس هناك أي تقدم في السنوات الأربع المقبلة، وفي أعقاب الانتخابات التي جرت في مارس 2009، تعثرت حكومة بنيامين نتانياهو اليمينية والتي أعيد انتخابها في يناير 2013 مرة أخري في تحقيق أي خطوات نحو عملية السلام، ولا يدرك هو وإئتلافه الأكثر تشدداً الحاجة إلي تحقيق تسوية سلمية مع الفلسطينيين، وتري الورقة أن الحكومة الإسرائيلية تناصر مبدأ الصراع الدائم، والدليل الأوضح لغياب التسوية السلمية هو استمرار توسيع المستوطنات القائمة في الضفة الغربية وبناء وحدات سكنية جديدة[33].
أصر الرئيس أوباما في البداية علي أهميةأن تجمد إسرائيل بناء مستوطنات يهودية علي الأراضي الفسلطينية المحتلة، حتي أنه واجه نتانياهو بوجود حاجة لمناقشة قضايا الوضع النهائي مع الفلسطينيين، لكن عندما رفض نتينياهو وقف بناء المستوطنات وتحدى الرئيس أوباما علانيةً، تراجع الأخير وسمح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بتسجيل انتصار سياسي.ولدي كل منهما ثلاث مواجهات في قضية المستوطنات، وقد تراجع أوباما في كل مرة من هذه المواجهات. وفي القاهرة عام 2009، طرح الرئيس أوباما خطاباً جديداً حول رؤية شاملة لعملية السلام الإسرائيلية- الفسليطينية والأمن، وفي سبتمبر 2011 في الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، طرح أوباما وجهة نظر حول الأمن الإسرائيلي السائد، حيث أشار إلي أن الرؤية الإسرائيلية تتجاوز وتجور علي الأمن الفسلطيني وتقرير المصير، وفقاً لوجهة نظر أوباما، وكان خطابه بالقاهرة ذروة نهجه المنصف للصراع العربي- الإسرائيلي، في حين مثّل خطابه في الأمم المتحدة انتصاراً لمدرسة إسرائيل أولاً.
لقد كان فشل الرئيس أوباما في الاستمرار في الضغط علي نتانياهو بمثابة خيبية أمل في العالم العربي والإسلامي، وأكد الاعتقاد السائد بأن أوباما لم ينقذ السياسة الخارجية الأمريكية من التأثير الضار لمدرسة إسرائيل أولاً. وقد وضع الرئيس محمود عباس في البداية كل ما لديه من رؤي للتسوية في يد أوباما، لكنه توصل إلي نفس الاستنتاج،ورغم أن الإدارة الأمريكية في عهد أوباما تهدد باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي، وبإنهاء الدعم المالي الأمريكي للسلطة الفلسطينية، لكن الرئيس عباس قرر الذهاب إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة بغرض الحصول علي اعتراف بدولة فلسطينية[34].
ورداً علي ماسبق، وبدلاً من إنقاذ إسرائيل من نفسها، وتحديد رؤية أمريكا وتفضيلاتهالعملية التسوية السلمية، صور الرئيس أوباما إسرائيل التي احتلت الأراضي الفلسيطينة، وكأنها ضحية يتعرض وجودها للخطر، وبالتالي قال أن أمن إسرائيل محدد بدقة، ويتخذ أسبقية علي الأمن الفلسطيني وتقرير المصير، “وأن إلتزام أمريكا تجاه أمن إسرائيل لا يتزعزع، وأن صداقتنا مع إسرائيل عميقة ودائمة، وبالتالي نعتقد أن أي سلام دائم يجب أن يعترف بالمخاوف الأمنية الحقيقيةالتي تواجهها إسرائيل كل يوم”[35].
لماذا التغير الجذري في موقف أوباما؟الخوف وحده ليس تفسيراً كافياً، وقال بريجينسكي صراحةً أن السبب يكمن في “تدخل السياسة الداخلية”[36]، بمعني أولوية القضايا الداخلية للبلاد. فقد سمح الرئيس أوباما لـ”لإختلال الوظيفي الثقافي” أن يقوض رؤيته للسلام ويهزمها،وإن سياسيين أمريكيين بما فيهم الرئيس أوباما تحاصرهم ثقافة سياسية سامة تروج ما يتفق مع إسرائيل وتقمع بقوة الأصوات المعارضة.
وفي عام 2009، لم يكن الرئيس الجديد تشغله بالفعل السياسة الوطنية كما كان عليه الحال في عام 2011،حينما بدأ يكافح من أجل نيل ولاية رئاسية ثانية، فقد اقنع نفسه بجانب مستشاريه بأن تحدي الوضع المؤسسي الراهن سيعني خسارة أصوات الناخبين، وأموال، بل والمنصب في نهاية المطاف، ولقد تصرف اوباما كسياسي بصورة آمنة ومستجيبه لضغوط جماعات المصالح الخاصة، رغم أن مساعديه يقولون أن الرئيس تصرف هكذا بدافع المصلحة الوطنية، وخلال اللقاءات الثلاث السياسية لاوباما مع نتينياهوفقد كان من الممكن أن يتخلي عنه أقرب حلفائه الليبراليين في الكونجرس مثل نانسي بيلوسي رئيس مجلس النواب الأمريكي،والمتحدث باسم البيت الأبيض، والسيناتور تشارلز شومر، إذا ما قرر ممارسة ضغط حقيقي علي نتينياهو، وهدد بسحب مليارات الدولارات الأمريكية تصرف علي مساعدة إسرائيل مالياً وعسكرياً، وعلي سبيل المثال، وفي تناقض صارخ للمظهر المتجمد لرئيس أوباما تجاه نتينياهو بعد لقائهما في البيت الأبيض في مارس 2010، رحب الكونجرس الأمريكي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتينياهو. وفي المؤتمر الصحفي الذي حضره رئيس الحزب الديموقراطي ورئيس الحزب الجمهوري بعد اجتماع أوباما وبنيامين، اوضحت بيلوسي لبنيامين نتينياهو:” نحن في الكونجرس نقف بجانب إسرائيل، ونتحدث بصوت واحد في المسألة الإسرائيلية”، وتشير الورقة إلي أن هذا يعتبر مثال نادر علي التعاون بين الحزبين في الكونجرس وتناقض صارخ مع موقف البيت البيض.
طمأنت نيتا لوي عضو بالكونجرس المشرفة علي اعتمادات المساعدات الخارجية إلي إسرائيل(حوالي 3 مليار دولار سنوياً) القيادة الإسرائيلية بأن مذكرة تفاهم العشر سنوات(والتي تصل إلي 30 مليار دولار) ثابتة، وأكدت لوي أن” الدعم الحزبي القوي لإسرائيل في الكونجرس الأمريكي لن يتعثر”، وتشير الورقة أن لوي اظهرت انحيازاً لنتينياهو ضد رئيس بلادها، وتسألت لوي بسخرية:” كيف يذهب للمرحلة النهائية من أي قرار، ويتنازل عن كل شئ في منتصف عملية التفاوض؟”.
وتشير الورقة إلي أن تصريحات بيلوسي ولوي تُظهِر بوضوح تعقد النظام السياسي الأمريكي والتحديات الداخلية التي تواجه الرئيس أوباما في مساعيه لتحقيق تقدم في عملية السلام في الشرق الأوسط، حيث يقيد الكونجرس الأمريكي أيدي الرئيس حينما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية الأمريكية علي الساحة العربية – الإسرائيلية، ويقيد خياراته، فمؤسسة الرئاسة قوية جداً لكن يتمتع الكونجرس بنفوذ كبير، لاسيما فيما يتصل بالصراع العربي- الإسرائيلي، ودعمه لنتانياهو علانيةً من خلال منحه حفاوة كبيرة دائماً، تعد بمثابة رسالة واضحة جداً، غير أنهفي تحليل أخير يشير إلي أن الرئيس أوباما سيكون قادر علي مواصلة هذه السياسة لكنها ستكون مكلفة سياسياً، ويترتب علي ذلك التضحية بأولويات السياسة العامة المهمة الأخري.
وتؤكد الورقة البحثية أن السياسة الداخلية الأمريكية تتخذ مراراً وتكراراً علي الساحة العربية- الإسرائيليةأسبقية علي الاعتبارات الاستراتيجية، وبالتالي تقوض مصداقية أمريكا ونفوذها، وهناك استمرارية مؤسسية في السياسة الخارجية الأمريكية التي تقاوم أي تغيير يرغب فيه الرؤساء المتعاقبون علي البيت الأبيض.
لم يكن تراجع الرئيس أوباما عن عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية ليحدث في لحظة ما أسوأ مما تعيشه المنطقة الآن، لأنها تمر بمرحلةالتحول من الاستبدادية إلي الديموقراطية في العالم العربي، وهي تعد بمثابة عملية تقرير المصيركما تبناه أوباما، ولو متأخراً، فمن ناحية أولي، أدرك الرئيس أوباما أهمية الوضع في العالم العربي لحظة التحول، ودعا العالم للاستجابة لدعوات التغيير في أماكن أخري في المنطقة، لاسيما في سوريا،ومن ناحية أخري، فصل بين سعي العالم العربي للكرامة والحرية عن السعي الفلسطيني، وبذلك يكون قد خاطر كثيراً ويعتبر ذلك من قبيل النفاق، ويزيد من النفور تجاه سياساته.
هناك خطر حقيقي من التقليل من أهمية فلسطين بالنسبة للمجتمعات المدينة العربية الجديدة، ومن المُرجح أن تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجه معهم، ولأن الثورات العربية تؤسس نظاماً جديداً، فإن فلسطين ستكون جانباً أساسياً في السياسات العربية، ولقد سجلت القوي الاجتماعية والسياسية الجديدة المهيمنة لاسيما القوي الإسلامية المتصاعدة أولوية عالية للقضية الفسليطينية، وستزيد تلك القوي من الضغط علي إسرائيل حتي تنسحب الأخيرة من الأراضي المحتلة[37].
يعتمد مستقبل العملية الديموقراطية في الشرق الأوسط علي خلق سلام فلسطيني- إسرائيلي دائم، وسلام موسع بين إسرائيل وجيرانها، ولقد أوضح الرئيس التركي عبد الله جول أن محنة فلسطين كانت سبباً جذرياَ في الاضطرابات في المنطقة، وذريعة للاستبداد نيابة عن النظم الديكتاتورية، و”سواء قادت هذه الثورات إلي الديموقراطية وتحقيق السلام أو قادت نحو مزيد من الصراع والاستبداد، فإن هذا يعتمد على صياغة اتفاق سلام فلسطيني- إسرائيلي دائم”.[38] ولقد حذر برنت سكوكروفت مستشار الأمن القومي الأمريكي سابقاً- وهو شخصية واقعية مثل الرئيس أوباما- من أن طبيعة الشرق الأوسط الجديد لا يمكن أن تكون معروفة حتي يتم إنهاء الصراع علي الأراضي المحتلة[39].
هناك مبادرة سلام هامة للولايات المتحدة حددت فيها شروط التسوية النهائية مع آلية تنفيذ تعمل علي تعزيز نضال القوى الديموقراطية في المجتمعات العربية وتساعد على رأب الصدع التاريخيفي العلاقات بين واشنطن والعالم الإسلامي، وذلك بغرض التغلب علي الإرث المرير بين الولايات المتحدة وشعوب الشرق الأوسط، وللتغلب علي ذلك الإرث، يجب أن يظهر أوباما القيادة ويتحدى الثقافة السياسية الداعمة لإسرائيل، ويجب أن يتم ثقيف الجمهور الأمريكي حول منطقة الشرق الأوسط ومواجهة جماعات المصالح الخاصة الراسخة بالدوائر السياسة القوية، ويتطلب ذلك من الرئيس الأمريكي استثمار رأس مال سياسي هام في بناء دوائر انتخابية مناصرة لعملية السلام والتغيير في الداخل، وإعادة تخصيص الموارد الهائلة للبرامج العسكرية إلي برامج السلام، وبنفس القدر من الأهمية، سيتحتم على الرئيس أوباما امتلاك الإرادة والعزيمة والقدرة لمواصلة هذه الاستراتيجية.
الا إن فرص التحول في رؤية السياسة الخارجية ليست واعدة، وباستثناء عدد قليل من الإجراءات المترددة، لم يكن هناك جهداً متسقاً لانتهاز فرصة إحياء محادثات السلام لأنها أحيت لفترة وجيزة في سبتمبر 2010، وانهارت مرة أخرى عندما أنهت إسرائيل وقف بناء المستوطنات، ووفقاً لمصادر مطلعة فإن الرئيس أوباما قد تخلي عن محاولة للتوسط في تسوية سلمية بين إسرائيل والفلسطينيين، ويشير” جيفري جولدنبرج” وهو كاتب عمود وعلي اتصال بالرئيس أوباما والبيت الأبيض إلي أنه بالرغم مما يقال حول حرص وزير الخارجية الأمريكية جون كيري علي إعادة تنشيط محادثات السلام، فإنه يعتقد أن الرئيس أوباما أكثر حذراً، ويعتقد أن بنيامين نتانياهو مقيداً جداً بلوبي المستوطنين، وغير مهتم ببناء جسور الثقة مع الفلسطينيين، وأن الاستثمار في الاهتمام الرئاسي بعملية السلام سوف يكون مضيعة للوقت. ولقد كتب جولدنبرج فيما يتعلق بالمسائل المتصلة بالفلسطينيين “يبدو أن الرئيس يري أن بنيامين نتانياهو وكأنه خائف سياسياً، وهو بالأساس زعيم بلا منازع، لكنه غير راغب في قيادة أو توجيه رأس المال السياسي للتقدم في قضية التسوية”[40].
أنقرة الشريك الجديدة لأوباما:
ربما يكمن الإنجاز السياسي للرئيس أوباما في الشرق الأوسط في تغذية العلاقة الاستراتيجية الوثيقة والاستثنائية مع تركيا ورئيس وزرائها رجب طيب أردوغان، ومنذ البداية سعي الرئيس أوباما إلي إصلاح التدهور الحاصل من قبل إدارة بوش في علاقته مع تركيا، خاصة بعد الحرب علي العراق، وقد أعترف الرئيس أوباما بالدور المحوري لتركيا في منطقة الشرق الأوسط وأهميتها في إصلاح علاقات أمريكا مع العالم الإسلامي، ورغم تضافر الجهود الأمريكية في الأوساط اليمينية لتصوير رجب طيب أردوغان وكأنه إسلامي متطرف، ومناهض لإسرائيل بشدة، ولم يسمح الرئيس أوباما لهذه الضجيج الحزبي أن يؤثر على العلاقات الأمريكية مع تركيا، واستمالت إدارة أوباما القوة الاستراتيجية والجيو-اقتصادية الجديدة الصاعدة (تركيا) وسعت إلي تحييد نفوذها. وفي الحقيقة قضى الرئيس أوباما مزيداً من الوقت في لقاءات مباشرة وعبر الهاتف مع الرئيس الوزراء التركي أكثر من أي زعيم آخر في العالم.
وما يفسر الشراكة الاستراتيجية للرئيس أوباما مع تركيا، هو قرار تخفيض الوجود العسكري في المنطقة، فقد نظر الرئيس أوباما إلى تركيا بنموذجها الليبرالي الاقتصادي الناجح لملء أي فراغ في القوة في المنطقة، ولتكون مثالاً للدول الإسلامية المجاورة لتحتذي به، وفي الواقع، قدمت تركيا للولايات المتحدة عمق ثقافي واستراتيجي لعملها في المنطقة، وبما أن تركيا عضو قديم في الناتو، فقد لعبت دوراً داعماً في افغانستان وشمال العراق، وكانت حتى وقت قريب وسيطاً استراتيجياً بين إيران والغرب وبين إسرائيل وسوريا، ولقد ازداد حدة الجدال داخل الولايات المتحدة حول العلاقة المتزايدة مع تركيا في عام 2011، حيث وافق اردوغان علي استضافة محطة رادار في بلاده لتكون جزء من منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكي ضد الهجمات الإيرانية.
وبعيداً عن السعي لسياسة خارجية تعيد النظر في شروط العلاقة مع الولايات المتحدة، وافقت النخبة التركية الجديدة الحاكمة على التفسير الواقعي لسياسة الشرق الأوسط التي قدمتها الولايات المتحدة، غير أنهم يرفضون إعطاء المحافظين الجدد الأولوية للعلاقات مع إسرائيل، وهناك استمرارية في العلاقات الأمريكية التركية بصورة واضحة[41]. وفي الحقيقة، أشار العديد من الدبلوماسيين الأمريكيين إلى أن تحول تركيا للشرق هو محط ترحيب وتطور مفيد لأنها بشرت بانتهاء نفوذ إيران الخطير على الدول العربية[42].
غير أن القوي الغربية بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية لم يعد في إمكانها اعتبار العلاقة مع تركيا أمراً مسلماً به. وفي العقد الفائت جاءت تحركات النخبة التركية الحاكمة بما يناقض طموحات أن تكون قيادة مستقلة معترف بها دولياً، وفي ظل برود الموقف الأوروبي حيال رغبتها في أن تكون عضواً في الاتحاد الأوروبي، تحولت تركيا ببطء تركيزها بعيداً عن الاتحاد الأوروبي، وانتقلت إلي تحسين علاقاتها مع دول جوارها في الشرق الأوسط.
وبالمثل، في ضوء نجاح الاقتصاد التركي بجانب ثقتها السياسية فقد حازت علي قدر كبير من الإعجاب، وأظهرت دول في المنطقة اهتماماً كبيراً بصعود الدولة التركية الجديدة في جوارها، ولقد انعكس هذا التحول في الحركة الواسعة لرأس المال والبضائع والأفراد بين تركيا ودول جوارها من منطقة الشرق الأوسط، واتجهت كل من الأردن، وسوريا، ولبنان لإقامة منطقة اقتصادية حرة كاملة مع تركيا، والتي ستعزز قطاعات الطاقة والاستثمار والسياحة في اقتصاديات هذه الدول، رغم ما وجهته الثورة السورية من ضربة فادحة للعلاقات التركية مع نظام الأسد مؤخراًـ وتُظهر دول الخليج اهتماماً كبيراً بزيارة تركيا والاستثمار فيها، كما أن العلاقة مع تركيا وأكراد العراق قد تطورت بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية، وبالتالي عادت تركيا إلي الشرق الأوسط أكثر مما سبق، وفي الواقع يشير بعض المحللين إلي أن الروح التركية القديمة انبعثت من جديد[43].
كما طورت تركيا روابط وثيقة ومصالح مشتركة مع جيرانها، وأصبحت تشارك بشكل أكثر نشاطاً في علاج الصراعات الإقليمية التي سبق أن تجنبتها، وتميز صعود أردوغان إلي رئاسة الوزراء في عام 2003 خروجاً عن العلاقة الخاصة بين تركيا والغرب، غير أنه لم تتوتر تلك العلاقة بالكامل، حيث ترى بعض الآراء أن الالتزام التركي تجاه الناتو والاتحاد الأوروبي مازال قوياً[44]، أما الأمر الذي تغير هو أن تركيا الجديدة تؤكد علي أنها فاعل أكثر استقلالية بدلاً من طرف عميل تابع للغرب، وبالتالي يعكس هذا الموقف وجهات نظر الشعب التركي بجانب مصالح الأمن الوطني الحيوية التركية.
وكما شهدت الدول العربية تغييراً سياسياً منذ عام 2011، أصحت تركيا أكثر أهمية من ذي قبل للسياسة الخارجية الأمريكية، وفي حالات مثل ليبيا وسوريا، قامت إدارة أوباما بالتنسيق في تحركاتها مع الجانب التركي، وبالنظر إلي تعقيدات الأزمة السورية والقيود التي تعيشها السياسة الأمريكية، اعتمد أوباما في البداية علي اردوغان في ممارسة ضغط حقيقي علي الأسد لإجباره علي الرحيل، وحتي وقت قريب كان لتركيا علاقات دافئة معه، ولكنها الآن هي الدولة الوحيدة التي تهدد ضمنياً باستخدام القوة هناك، لتأسيس منطقة عازلة، إذا فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات في هذا الاتجاه، ورغم التوترات بين انقره وواشنطن حول سوريا، لكنهما تعاونا علي نحو وثيق، ودعم أوباما طلب تركيا لكي تنشر صواريخ باتريوت علي حدودها مع سوريا لأغراض دفاعية، ويمتدح مساعدو أوباما تركيا لدعمها للانتفاضات الديموقراطية في العديد من الدول العربية، ويقدمونها كنموذج لملايين العرب وكذلك إظهارها لكيفية صعود الأحزاب الإسلامية في الدول العربية.
تختلف إدارة أوباما مع تركيا بشأن عدد من القضايا خاصةً إسرائيل، وإيران، والأكراد، وبإستثناء ممارساتها الدبلوماسية الهادئة وعدم سماحها لأن تقف الخلافات السياسية في طريق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، فقد أدركت الولايات المتحدة صعود قوي جيواستراتيجية وجيو اقتصادية، ونسقت سياستها لكي تعالج الأزمات الإقليمية. ولا ينظر أوباما إلى تأكيد تركيا لنفسها كفاعل مستقل باعتباره تهديداً بل ينظر أوباما إلى أردوغان باعتباره طرفاً أصيلاً ربما يمكن أن يملأ فراغ القيادة في المنطقة المضطربة المجاورة لها (سوريا)، ويسمح للولايات المتحدة بتحويل تركيز سياستها الخارجية إلى آسيا ومنطقة المحيط الهادئ. وبالنظر إلى أولويات السياسة الداخلية والخارجية للرئيس أوباما، فقد ظهرت تركيا كطرف رئيسي بديلاً وداعماً للقوة الأمريكية المتراجعة في الشرق الأوسط، وتمثل العلاقات الوثيقة بين أردوغان وأنقرة نتيجة عن تحول هيكل القوة في المنطقة والنظام الدولي.
المقامرة مع طهران:
إذا كانت العلاقات الأمريكية مع تركيا أفضل ما أنجزته السياسة الخارجية الأمريكية في عهد أوباما، فإن سياسته تجاه إيران هي أكبر مقامرة له، فقد استبدل أوباما وعوده بالالتزام بالعمل الدبلوماسي بالتركيز على المواجهة. وبحلول موعد تنصيب أوباما رئيساً، ظهرت إيران كواحدة من أكثر تحديات الأمن القومي المُلحة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وأكد الرئيس علي هذا التقييم.
لم تنجح السياسة الخارجية للرئيس جورج بوش في تغيير السلوك الإيراني، في حين طرح الرئيس أوباما التفاوض مع إيران، وفي غضون خمسة أشهر بعد تنصيبه، كرر الرئيس أوباما نفس الرسالة في مسعي لمحاولة إقناع إيران بالتخلي عن طموحاتها النووية، وحتي الآن رغم المبادرات اللفظية فقد قرر أوباما الإبقاء علي العقوبات الاقتصادية ضد إيران من أجل مواصلة الضغط، وبالتالي[45]، تبني الرئيس أوباما مثل سلفه سياسة المسار المزدوج تجاه إيران والقائمة على التأكيد على الاستعداد للتحاور بالإضافة للاستمرار في فرض العقوبات الاقتصادية، بدلاُ من السياسة التي وعد بها.
لم تبدي القيادة الإيرانية اهتماماً بخطاب أوباما ونهجه ذو المسار المزدوج، ولقد رفض أية الله خامنئي ما طرحه أوباما واعتبره غير ذي قيمة، قائلاً:” إنهم يبدون الاستعداد للمفاوضات الدبلوماسية ويخفون استخدام القوة ضدنا، وهذا لن يجدي شيئاَ”، وختم حديثه قائلاً:” إذا غيرتم سلوككم، سنغير سلوكنا أيضاً”[46].
وجدت الولايات المتحدة وإيران نفسيهما مع نهاية عام 2011 على مسار الحرب، وفي ديسمبر 2011، أقر الكونجرس الأمريكي مشروع شمل عقوبات ثنائية علي البنك المركزي الإيراني، ورغم أن الرئيس أوباما أعرب عن تحفظاتهـ لكنه وقّع على القانون، وتشن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين حرباً اقتصادية شاملة ضد الحكومة الإيرانية ويفرضون عقوبات على قطاعاتها المصرفية والنفطية بما في ذلك البنك المركزي، ويمكن أن تُشاهد المعاناة الاقتصادية في الشوارع الإيرانية من خلال ارتفاع أسعار السلع المدعومة بجانب انهيار العملة الإيرانية، حيث خسر الريال 40 بالمائة من قيمته في مقابل الدولار الأمريكي بين شهري نوفمبر وديسمبر 2011، وأفادت وكالة رويترز أن الزيادات في أسعار المواد الغذائية وصلت إلى 40 بالمائة[47].
أوضح أحمد نجادي الرئيس الإيراني للبرلمان أن آخر العقوبات كانت هي” العقوبات الأكثر حدة على الإطلاق……….، وأنها أعنف هجوم اقتصادي في تاريخ الدولة الإيرانية…….وكل يوم يتم رصد وحجب كل الخدمات المصرفية والبنكية والأنشطة التجارية واتفاقياتنا”[48]، وتشير الورقة إلي أن الجولة الثانية من العقوبات ضد القطاع المالي والمصرفي الإيراني في بداية عام 2013 سوف تستنزف اقتصاد البلاد أكثر من ذلك.
يعتعقد الرئيس أوباما أن هذه العقوبات يمكن أن تكبح البرنامج النووي الإيراني إذا تم إعطائها مزيداً من الوقت لكي تنتج أثارها، وفي ذات الوقت، طلب الرئيس من وزارة الدفاع الأمريكية ان تتوصل إلي خيارات عسكرية لتوجيه ضربة ضد البرنامج النووي الإيراني، وتشير الورقة إلي أن موقف إدارة أوباما من العمل العسكري لم يعد أمراَ غامضاً، وفي خطابه الذي القاه ، في مارس من عام 2012 في المؤتمر السنوي للإيباك وهي مجموعة مناصرة لإسرائيل أوضح أوباما :” يجب علي القادة الإيرانيين أن يعلموا أنني لا اقدم سياسة احتواء، بل سياسة من أجل منع إيران من حيازة أسلحة نووية” [49]، لكن لم يقبل الرئيس أوباما المطلب الإسرائيلي الرئيسي وهو اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران، قبل أن تمتلك القدرة على تصنيع قنبلة وفضل الانتظار حتى تستطيع امتلاك واحدة بالفعل.
لا يمكن إنكار أن الرغبة الأساسية لدي الرئيس أوباما في إعادة تقييم العلاقات الأمريكية الإيرانية لم تؤتي ثمارها، حيث اصطدمت سياسته بصخور المقاومة المؤسسية في الداخل، والشكوك في المشاريع الأمريكية في طهران، وقد ترسخت تلك الشكوك منذ الثورة الإيرانية. علاوة على أن المنافسين الإقليميين لإيران وخاصة إسرائيل قد مارسوا ضغطاً على إدارة أوباما في مسعي لتشديد موقفها تجاه مواجهة المشروع الإيراني، وقبيل تنصيبه في الولاية الرئاسية الأولي واجه أوباما مقاومة شديدة من الجمهوريين الذين عارضوا أية تقارب، وكذلك الديموقراطيين الذين اعتقدوا أن التدخل الدبلوماسي سيعطي إيران وقتاً لتطوير أسلحة نووية. وأضافت الورقة أن هناك أيضاً تياراً هاماً في وزارة الدفاع والأجهزة الاستخباراتية يشككان في استعداد إيران لكي تتخلي عن برنامجها النووي، ويعتقدون بأن القادة الإيرانيين سيستغلون طرح التقارب معهم وكأنه غطاء لإحراز تقدم لطموحاتهم النووية.
كانت هناك حجج منذ البداية ضد طرح أوباما لسياسة التقارب مع القيادة الإيرانية– والتي وصفها البعض على إنها محاولة لمرة واحدة فقط، وفقاً لمسئول كبير في وزارة الخارجية[50]. هناك إرادة سياسية غير كافية وغياب للثقة ما بين الولايات المتحدة وإيران، وأصبح العداء بين البلدين على مدار 30 عام مؤسسياً، وعلى سبيل المثال، اشتد التوتر بينهما في بداية عام 2012، وحذر الزعيم الإيراني الأعلى أية الله علي خامنئ بأن توجيه أي هجمة عسكرية علي إيران سُيرد عليها بعشرة أمثالها ضد الولايات المتحدة).
وفي مواجهة الحرب الاقتصادية، قامت إيران مناورات بحرية في مضيق هرمز، وهددت بغلقه أمام حركة التجارة، ووهوا ما أدي إلى تصعيد حاد في حرب كلامية طويلة بين واشنطن وطهران.، علاوة على أن هناك خطر حقيقي بأن تتجه الاستراتيجيات الإيرانية أو الأمريكية إلى التصعيد في مواقفهما، وهو ما سيقود إلى سوء تقدير بالاتجاه إلي حرب ستكون كارثية على الجميع[51]. إذا استخدمت إيران كامل نفوذها الاقتصادي والعسكري واللذان قد يواجها ضربة موجعة في حالة الانحدار لخيار الحرب، كما أن ذلك سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد العالمي.
ووفقاً لملاحظة أحد المحللين المحنكين تجاه إيران، فقد نمت فكرة لدي الرئيس أوباما بأنه “من الضروري أن تكون السياسة القوية تجاه طهران قاسية، وتقوم على أسلوب العقاب، والمواجهة[52]، وبالتالي يسمح بالجدال أن يدور في الإطار الذي يدعمه (وهو الخيار العسكري)”، ولم يُطلِع الجمهور الأمريكي ببساطة على المخاطر المترتبة على التقارب الدبلوماسي مع إيران مقارنة بالتكاليف المترتبة على المواجهة الطويلة.
استغلت الحكومة الإسرائيلية مستوي كبير من تبرعات الديموقراطيين من أجل ممارسة مزيد من الضغط على أوباما لكي يبتعد عن الدبلوماسية مع إيران[53]. علاوة على أن دول الجوار في الخليج العربي، دعمت من هذا التوجه، وبمعني أخر، كانت التكاليف السياسية لمحاولة حل التوترات مع إيران مكلفة للغاية، كما كانت الساحة السياسية محدودة للغاية من أجل تبرير الشروع في مسار السلام الوعر مع طهران[54].
علي الجانب الإيراني، عرقلت التوترات الداخلية والتنافسات بين القيادة مصحوبة بشكوك عميقة تجاه واشنطن، وعرقلت عملية اتخاذ القرار في طهران، وبددت فرصاً لم يسبق لها مثيل عرضتها إدارة أوباما للبدء في برنامج التسوية، وبطريقة ما فقد كانت إيران أسوأ عدو لنفسها، وإذا كان أوباما يقاوم إغراءات الذهاب إلي الحرب فإنه قد أنهى فترته الرئاسية الأولي مع الموقف المتشدد تجاه إيران مثلما كان عليه الحال في عهد الرئيس السابق جورج بوش، والآن تشن الولايات المتحدة وإيران حرباً بالوكالة في سوريا، بجانب قوي إقليمية ودولية أخري، وتنظر كل منها إلي النزاع السوري الدائر علي انه فرصة لتحقيق انتصار حاسم ضد القوي الأخرى، وبالفعل،
أعلن الرئيس أوباما ذلك علي الملأ، وفي مقابلة مع مجلة الأطلسي في عام 2012، أشار الرئيس أوباما أن إدارته عملت علي تسريع سقوط نظام الأسد في دمشق لأنه علي حد تعبير أوباما أنه:” إذا حدث وسقط النظام السوري، فإن ذلك من شأنه أن يزيد من الخسارة التي تتعرض لها إيران”[55]، علاوة علي أن إيران رأت أن الإطاحة بالأسد تمثل خطاً أحمراً، وأن الهجوم علي سوريا سيعتبر هجوماً علي الجمهورية الإسلامية نفسها”[56].
الخاتمة:
وتنتهي الورقة بالتأكيد على ما يلي:
أن سياسة إدارة أوباما في الشرق الأوسط تعكس فراغاً في القيادة العالمية، ويُضعِف هذا الفراغ من قدرة حكومات ما بعد النظم الاستبدادية للتغلب على التحديات الاقتصادية والمؤسسية الهيكلية التي ورثتها عن الحكم الاستبدادي.
أن ذلك الفراغ القيادي ينبع في حقيقة الأمر من أن الشرق الأوسط لا يتصدر أجندة أوباما للسياسة الخارجية، وأحجمت إدارة أوباما بعيداً عن اتخاذ دور قيادي في المنطقة العربية الغير منتجة للنفط، ونظراً لتاريخ الإخفاق في التدخل بالمنطقة في عهد إدارة جورج دبليو بوش، ولأن أولوياتها الرئيسية في السياسة الخارجية تتجه لآسيا.
وعلى عكس نظرائهم في أمريكا اللاتينية وشرق أوروبا هناك ضآلة في المساعدات الدولية التي تقدم إلى الدول العربية منذ التسعينيات، ويشكوا مسئولون مصريون بقوة بأنه لم يتم تسليم تعهدات غالبية المساعدات الخارجية بعد تنحي مبارك لاسيما ما وعدت به دول الخليج العربي، كما أن اقتصاديات مصر وتونس في وضع يُرثي له، وستواجه نقاط ضعف شديد في السنوات المقبلة. وقد انهارت اقتصاديات عربية أخري مثل اليمن وسوريا وبدرجة ما ليبيا تقريباً، ولم تقدم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والصين والدول العربية المنتجة للنفط استثمارات هيكلية في هذه المجتمعات العربية التي تواجه تلك التحويلات الضخمة.
تواجه السياسة الخارجية الأمريكية تحدياً في تحقيق التوازن بين الحفاظ على مسافة جيدة بين الاضطرابات السياسية والاجتماعية في المنطقة العربية وتقديم القيادة ومجموعة من المبادرات العالمية لضمان سلاسة التحول إلى الإصلاحات الاقتصادية والديموقراطية وتحقيق التوافق، وبمعني أخر، يتم إقحام الشرق الأوسط بشكل غير متوقع وخطير علي جدول أعمال السياسة الخارجية الأمريكية، وليس لدى الرئيس أوباما استثناءاً، فالانتفاضة الشعبية العربية وإيران قيدا يد أوباما وعقدت أجندته الخارجية، وهناك عواصف تلوح في الآفق، ليس فقط في إيران، بل في مصر والعراق وسوريا وأفغانستان وباكستان، ولقد ورث أوباما هذه التهديدات عن أسلافه، وهو ما يفرض مخاطر علي فترته الرئاسية، ووفقاً لمسئول أمريكي أوضح أن” مخزون الأوراق الأمريكية أصبحت أقل مما كانت عليه من أي وقت ولى، حيث رحل عنها شركائها، مع استمرار أعداءها المألوفين”، وليس واضحاً علي أية حال من سيحل مكان شركائها هؤلاء، فلم نعد نواجه مجرد ربيع عربي، بل مجموعة من العلاقات الغير مؤكدة والمعقدة بدرجة كافية تحد من قدرتنا علي التعامل معها خلال السنوات المقبلة”[57].
تزعم الورقة أن تلك الشكوك تنبع من بيئة إقليمية متغيرة وإعادة توزيع القوي العالمية بعيداً عن النظام أحادي القطبية الذي هيمنت عليه الولايات المتحدة الأمريكية إلى نظام عالمي متعدد في مراكز القوي، فقد اعترف الرئيس أوباما بحدوث تراجع نسبي لنفوذ الولايات المتحدة والحاجة الملحة للعمل مع القوي الأخرى بغرض إدارة المرحلة الانتقالية في منطقة الشرق الأوسط، وفي إطار استيعاب تراجع نفوذ الولايات المتحدة في ليبيا وسوريا وأماكن أخرى، امتنع الرئيس أوباما عن أخذ زمام المبادرة مع الأزمات الخطيرة هناك، ودعا حلفاء أمريكا وغيرها من القوي لاتخاذ خطوات نحو الأمام وتحمل مسئولية تسوية تلك الأزمات، وتشعر إدارة أوباما بالقلق من التدخل الدائم وفضلت أن تلتزم بسياسات تخفيض الإنفاق والانتقائية.
إن المأزق الأمريكي في الشرق الأوسط كبير بكل ما تحمله الكلمة من معني، وهوالإرث المرير الذي نجم عن قرارات ما كانت تتخذ على مدار أكثر من نصف قرن ،وينبع أيضاَ من الإخفاقات المنهجية تجاه تقييم ما يحدث في المنطقة من الداخل،وللحد من الدور المبالغ فيه للسياسةالداخلية والمصالح الخاصة في توجيه السياسة الأمريكية.
قد تكون هذه النقاط واضحة،ولكن مثلما تُشير الحقائق الأخرى المتعارف عليها فإنها تحمل تكراراً ومحاولة لإزالة الغموض الذي يكتنفها. وعلى مدى العقود القليلة الماضية ،ظهر الاعتراض على الهيمنة الأمريكية في المنطقة،ووصل ذروته بعد أن شنت الولايات المتحدة حروبها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
حاول أوباما رأب الصدع الحاصل في العلاقات المتزايد بين الولايات المتحدة الأمريكية والشرق الأوسط، وإعادة تقييم العلاقات، ولقد أجبرت الثورات العربية أوباما ليصبح أكثر تقارباً من المنطقة، وبحكم كونه رئيس واقعي وغير عقائدي فإن هدفه أن يقلل التراجع الحادث في المصالح الأمريكية المحورية وإدارة التحولات.
من المُرجح أن أمريكا قد وصلت إلى نهاية نفوذها وهيمنتها في المنطقة، وتراجع عدد العرب المواليين للولايات المتحدة مثل مصر وتونس واليمن ودول أخرى مازالت تتأرجح على حافة الانهيار. ومع صعود يقظة الرأي العام العربي، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه عالم متغير، ومن المشكوك فيه أن تستطيع الولايات المتحدة أن تفرض سيطرتها في هذا العالم الجديد كما فعلت بعد نهاية الحرب الباردة.
وعلى سبيل المثال، لم يوفر رئيس الوزراء نوري المالكي شرعية قانونية للقوات الأمريكية وذلك لتمكين أوباما للحفاظ على عدد كبير من القوات هناك، كما أن الرأي العام العراقي يرفض الوجود العسكري الأمريكي، ولذلك لم يكن لدي الرئيس أوباما خياراً باستثناء أن يسحب القوات النظامية من العراق واضعاً بذلك نهاية للمغامرة التي كانت مكلفة من العنصر البشري والعنصر المالي، وبالمثل، قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذهاب إلى الأمم المتحدة مطالباً بالاعتراف بدولة فلسطين رغم ممانعة الولايات المتحدة والضغوط الكبيرة (وحتى التهديدات) التي تعرض لها من جانب إدارة أوباما، ولم يعُد يُنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها قوي كاملة النفوذ، ومن المُرجح أن تزيد الثورات العربية من إضعاف النفوذ الأمريكي.
رغم سقوط الديكتاتوريات الموالية للقوة الأمريكية وتولي قوي سياسية جديدة مكانها، أعادت إدارة أوباما النظر في سياستها بناء على التغيرات الحاصلة، ومثال على ذلك، حينما فازت القوي والنشطاء الإسلاميين بالأغلبية البرلمانية في تونس والمغرب ومصر، عكست السياسة الأمريكية تقارباً مع تلك القوي الجديدة.
ولقد شرع الرئيس أوباما منذ توليه الرئاسة في محاولة احتواء الأضرار الناتجة عن تداعيات السياسات الفاشلة لإدارة بوش، وبسبب هذا كانت نجاحاته أقل بريقاً، وكانت إخفاقاته أكثر وضوحاً، وبطريقة ما يعتبر الرئيس أوباما أول رئيس يبدأ عملية تطبيع العلاقات مع شعوب المنطقة.
من المُرجح أن يكون أوباما خلال فترته الرئاسية الثانية متحرراً من القيود السياسية وقادر على التخلص من ضغوط جماعات المصالح الخاصة في محاولة لتأسيس سياسة أمريكية متقدمة في الشرق الأوسط الجديدة، وتؤكد الورقة على أن المؤشرات الأولية في هذا الشأن ليست واعدة، ومن غير المُرجح أن يحدث تحول في سياسة أوباما في الشرق الأوسط إلا إذا حدثت كارثة كبري كأن تحدث حرباً في الخليج العربي.
ووفقاً لأحد الفرضيات الأساسية للورقة هو أن السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي أوباما تمثل امتداداً بصورة كبيرة للسياسة السابقة ولم يحدث تغيير حقيقي فيها، ويشهد سلوك أوباما استمرارية هيكلية ومؤسسية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة بدءً من قضية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية وصولاً إلى أفغانستان، وقد تكرر فشل هذه السياسة، ورغم جهود أوباما الأولية للتوسط في التسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، سمح أوباما لجماعات المصالح الخاصة بتقويض مساعي السلام وتدميرها، ولم يمتلك الشجاعة في تحدي النظام السياسية الأمريكي، والنمط السائد في صنع السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
حان وقت أن تخرج الولايات المتحدة من الخندق الذي تركها جورج بوش فيه، وضرورة أن تتخذ إجراءات جريئة في المنطقة، لكن الاختبار الحقيقي لأوباما هو إمكانية إعادة تنظيم السياسة الخارجية الأمريكية في ظل وجود أصوات تقدمية وديموقراطية في المنطقة، وأن يتم ترجمة الأقوال إلى أفعال ملموسة.
——————————————————————————–
* أود أن أتوجه بالشكر لعدد كبير من المتقدمين لنيل درجة الدكتوراه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بلندن LSE علي جهودهم الهامة في إعداد هذه الورقة، لاسيما “اندرو” بون مساعدي في الأبحاث، والذي قام بالقراءة والتجميع لمسودتي الورقة البحثية. كما أتقدم بشكري إلي” بروبرت لوي” مدير مركز الشرق الأوسط بكلية الاقتصاد والعلوم السياسة بلندن، علي مساهمته القيمة في الورقة.
نُشِرت هذه الورقة في مجلة شئون دولية، العدد 89 الصادر في فبراير 2013، والتي تصدر عن المعهد الملكي البريطاني للشئون الخارجية.
[1] – مقتبس من فريد زكريا،” الاستراتيجي”، صحيفة التايم، 30 يونيو 2012.
[2] – المناظرة الرئاسية حول مراجعة الوضع النووي NPR، صحيفة نيويورك تايمز، 4 ديسمبر 2007، وتاريخ الوصول للخبر 9 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.nytimes.com/2007/12/04/us/politics/04transcript-debate.html?pagewanted=7
[3] – الجزء الثالث من المناظرة الرئاسية الديمقراطية، سي إن إن، 21 يناير 2002، وتاريخ الوصول للخبر 9 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://edition.cnn.com/2008/POLITICS/01/21/debate.transcript3/index.html
[4] – الجزء الثالث من المناظرة الرئاسية الديمقراطية، سي إن إن، 21 يناير 2008.
[5] – المناظرة الرئاسية الديمقراطية لسي إن إن في ولاية تكساس، سي إن إن، 21 فبراير 2008، تاريخ الوصول للخبر 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://edition.cnn.com/2008/POLITICS/02/21/debate.transcript/index.html
[6] – المكتب الإعلامي، البيت الأبيض،” خطاب تنصيب الرئيس باراك اوباما”، 21 يناير 2009، تاريخ الوصول للخبر 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.whitehouse.gov/blog/inaugural-address
[7] – ليزا ريان،”العقيدة الأخلاقية: كيف جدد الربيع العربي السياسة الخارجية لأوباما”، نيويوركر، 2 مايو 2011، تاريخ الوصول للخبر 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.newyorker.com/reporting/2011/05/02/110502fa_fact_lizza?currentPage=1
[8] – البيت الأبيض، إستراتيجية الأمن القومي، مايو 2010، تاريخ الوصول للخبر 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.whitehouse.gov/sites/default/files/rss_viewer/national_security_strategy.pdf
[9] – المكتب الإعلامي، البيت الأبيض،” تصريحات الرئيس اوباما أمام البرلمان التركي” 6 إبريل 2009، تاريخ الوصول للخبر 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.whitehouse.gov/the_press_office/Remarks-By-President-Obama-To-The-Turkish-Parliament
[10] – فواز جرجس، العدو البعيد: لماذا أصبح الجهاد عالياً، (كامبريدج ونيويورك: جامعة كامبريدج، 2005).
[11] – المكتب الإعلامي، البيت الأبيض،” تصريحات الرئيس اوباما في بداية جديدة”، 4 يونيو 2009، تاريخ الوصول للخبر 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.whitehouse.gov/the_press_office/Remarks-by-the-President-at-Cairo-University-6-04-09/
[12] – انظر، باراك أوباما، أحلام أبي: قصة عِرق وإرث، مراجعة: إيدن( نيويورك: ثلاثة أنهار للطباعة والنشر، 2004).
[13] – ليزا،” فلسفة الأخلاق: زبينيو بريجنسكي، من الآمل إلي الجرأة”، مجلة الشئون الدولية، العدد 89ن يناير – فبراير 2010.
[14] – ليزا،” فلسفة الأخلاق: ديفيد ريمنك، ما خلف الستار”، نيويوركر، 5 سبتمبر 2011.
[15] – استشهد بليزا، فلسفة الأخلاق.
[16] – 60 دقيقة: الرئيس ووزيرة الخارجية، بث علي سي بي سي الإخبارية في 27 يناير 2013، تاريخ الوصول للموضوع 18 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.cbsnews.com/video/watch/?id=50139849n
——————————————————————————–
[1]- كين يدللانين،” مكتب الاستخبارات الأمريكي يعترف بأنه لم يكل علي علم بمؤشرات الربيع العربي”، صحيفة لوي انجلوس تايمز، 19 يوليو 2012.
[2]- باربرا سلافن،” معضلة أوباما للديموقراطية في الشرق الأوسط”، مجلة السياسة الخارجية، 5 مارس 2010، تاريخ الوصول للموضوع، 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.foreignpolicy.com/articles/2010/03/05/obamas_middle_east_democracy_problem
[3]- بيتر باكر،” هتاف قادة”، صحيفة نيويورك تايمز، 13 فبراير 2013.
[4]- بيتر باكر،” هتاف قادة”.
[5]- بيتر باكر،” هتاف قادة”.
[6]- حصرياً: بايدن يناقش الاضطرابات الحادثة في مصر، الحفاظ علي التنافسية الأمريكية”، مدونة الخلاصة، أخبار الساعة بي بي أ،27 يناير 2011،/ تاريخ الوصول للخبر 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.pbs.org/newshour/rundown/2011/01/exclusive-biden-discusses-unrest-in-egypt-keeping-us-competitive.html
[7]- أدام إنتوس، وجوليان بارنيز،” الولايات المتحدة تتردد بشأن تغيير النظام”، صحيفة وول ستريت جولانال، 5 مارس 2011، تاريخ الوصول للخبر 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://online.wsj.com/article/SB10001424052748703580004576180522653787198.html?mod=WSJEUROPE_
[8]- هيلين كوبر، مارك لاندر، وديفيد سانجرن” في إشارات الولايات المتحدة إلي مصر، أوباما يقلل الخلاف”، صحفة نيويورك تايمز، 12 فبراير 20111.
[9]- نييل فيرجيوس،” مطلوب: استراتيجية أمريكية كبري”، صحيفة نيوزويك، فبراير 2011، تاريخ الوصول للخبر 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.thedailybeast.com/newsweek/2011/02/13/wanted-a-grand-strategy-for-america.html
[10]- فيرجيوس،” مطلوب: استراتيجية أمريكية كبري”.
[11]- أدام إنتوس، وجوليان بارنيز،” الولايات المتحدة تتردد بشأن تغيير النظام”.
[12]- جيم لوب،” تحافظ الولايات المتحدة علي صمتها تجاه القمع في البحرين”، إنت بريس سيرفيس، 31 إبريل 2011: روبرت دراي،” كيف شجع باراك اوباما الثورة المصرية”،
الأمة، 15 فبراير 2011.
[13]- هيلين ةكوبر، ومارك لاندر،” مصالح المملكة العربية السعودية وتصادم إيران، والولايات المتحدة في المنتصف”، صحيفة نيويورك تايمز، 18 مارس 2011، تاريخ الوصول للخبر 10 فبراير 20133، علي الرابط التالي:
http://query.nytimes.com/gst/fullpage.html?res=9F0CE4D81531F93BA25750C0A9679D8B63&ref=helenecooper
انظر كذلك: مي يماني،” حراسة القلعة”، صحيفة ذا العالم اليوم 67:4، إبريل 2011، صـ صـ 4-6،
انظر أيضاً: ديفيد سينجر و إيريك سميت،” إشتداد التوترات الأمريكية السعودية في ضوء الثورات في الشرق الأوسط”، صحيفة نيويورك تايمز، مارس 2011، تاريخ الوصول للخبر 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.nytimes.com/2011/03/15/world/middleeast/15saudi.html?scp=5&sq=saudi%20arabia%20us&st=cse&_r=0
[14]- فالي ناصر،” هل سيقضي السعوديون علي الربيع العربي؟”، وكالة بلومبرج، 23 مايو 2011، تاريخ الوصول للخبر 18 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.bloomberg.com/news/2011-05-23/will-the-saudis-kill-the-arab-spring-.html
[15]- إليزابيث بوميلر،” جيتس يخبر ملك البحرين أن خطوات الإصلاح ضئيلة وغير كافية”، صحيفة نيويورك تايمز، 12 مارس 2011، علي الرابط التالي:
http://www.nytimes.com/2011/03/13/world/middleeast/13military.html?scp=23&sq=bahrain&st=
انظر أيضاً: إيثان برونير،” مقتل إثنين من المتظاهرين بعد إعلان البحرين حالة الطوارئ”، صحيفة نيويورك تايمز، 15 مارس 2011،
http://www.nytimes.com/2011/03/16/world/middleeast/16bahrain.html?_r=0
انظر أيضاً: إثان برونير، وميشيل سيلمان،” القوات السعودية تدخل البحرين للمساعدة في إنهاء الاجتجاجات”، صحسفة نيويورك تايمز، 14 مارس 2013، علي الرابط التالي:
http://www.nytimes.com/2011/03/15/world/middleeast/15bahrain.html?scp=16&sq=bahrain&st=cse
تاريخ الوصول لتلك الموضوعات جميعاً 10 فبراير 2013.
[16]- ليزا، فلسفلة الاخلاقيات.
[17]- مايكل لويس،” أسلوب أوباما”، مجلة فانيتي فير، 14 سبتمبر 2012.
[18]- مايكل جوردن ومارك لاندر،” جلسة استناع في مجلس الشيوخ الأمريكي تحدث شرخاً في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه سوريا”، صحيفة نيويورك تايمز، 7 فبراير 2013، تاريخ الوصول للخبر، 18 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.nytimes.com/2013/02/08/us/politics/panetta-speaks-to-senate-panel-on-benghazi-attack.html?ref=marklandler&_r=0
[19]- فرانكلين فوير وكريس هويس،” باراك اوباما غير سعيد: الرئيس علي أعدائه، الإعلام ومستقبل كرة القدم”، الجمهورية الجديدة، 27 يناير 2013، تاريخ الوصول للخبر، علي الرابط التالي:
http://www.newrepublic.com/article/112190/obama-interview-2013-sit-down-president#
[20]- فوير، وهويس،” باراك اوباما غير سعيد”.
[21]- انظر روبرت رامتون،” يقول أوباما الكفاح بشأن التدخل في سوريا”، وكالة رويترز، 27 يناير 2013، تاريخ الوصول للخبر 18 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.reuters.com/article/2013/01/28/us-obama-syria-idUSBRE90R00V20130128
[22]- فوير، وهويس،” باراك اوباما غير سعيد”.
[23]- تيري اتلاس، ونيكول جايوت،” كيري يقول أن الولايات المتحدة تقييم الخيارات السورية”، صحيفة الأمةن 14 نوفمبر 2012، تاريخ الوصول للخبر 18 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.bloomberg.com/news/2013-02-08/kerry-says-u-s-evaluating-syria-options-after-divide.html
[24]- روبرت دريفوس،” أوباما علي باتريوس، إيران وسوريا”، صحيفة الأمة، 14 نوفمبر 2012، تاريخ الوصول للخبر 18 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.thenation.com/blog/171264/obama-petraeus-iran-and-syria#
[25]- اتلاس، وجايوت، كيري يقول أن الولايات المتحدة تقييم الخيارات السورية.
[26]- اتلاس، وجايوت، كيري يقول أن الولايات المتحدة تقييم الخيارات السورية.
[27]- كارين دي يونج،” تتحرك الولايات المتحدة بإتجاه تقديم المساعدة إلي المعارضة السورية”، صحيفة واشنطن بوست، 27 فبراير 2013.
[28]- مايكل جوردنن” كيري يقول أن الجولة ستتركز علي البحث عن حل للأزمة السورية”، صحيفة نيويورك تايمز، 13 فبراير 2013، تاريخ الوصول للخبر 18 فبراير 2013،
علي الرابط التالي:
http://www.nytimes.com/2013/02/14/us/politics/kerry-says-he-is-preparing-proposals-on-syria-crisis.html
[29]- خطاب اوباما للشرق الأوسط، 19 مايو 2011، صحيفة النيويورك تايمز، تاريخ الوصول للخبر 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.nytimes.com/2011/05/20/world/middleeast/20prexy-text.html?pagewanted=all&_r=0
[30]- خطاب اوباما للشرق الأوسط.
[31]- انظر كل من: كريس ماكجريل،” مصر: نقص الخبز، الجوع، والتمرد”، صحيفة الجارديان، 27 مايو 2008، علي الرابط التالي:
http://www.guardian.co.uk/environment/2008/may/27/food.egypt
مصر تحتج علي الحد الأدني للأجور، الجزيرة، 2 مايو 2010، تاريخ الوصول للخبر 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.aljazeera.com/news/middleeast/2010/05/201052161957263202.html
سمير سليمان، خريف الديكتاتورية: أزمة مالية وتغيير سياسي في مصر تحت حكم مبارك، مترجم، بيتر دانيال( ستانفورد، جامعة ستانفورد، 2011).
معلومات من البنك الدولي، مصر: http://data.worldbank.org/country/egypt-arab-republic
انظر أيضاً، ديفيد شينكر،” التحديات المستمرة أمام مصر تجسيد البيئة في المرحلة ما بعد مبارك”، بوليس إن فوكس، رقم 110( واشنطن، بوليسي، إبريل 2011)، علي الرابط التالي:
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/egypts-enduring-challenges-shaping-the-post-mubarak-environment
“كيف يمكن للمؤسسات التمويلية الدولية والأمريكية أن تشارك المجتمع المدني بشكل افضل؟”، رؤية عالمية “جلوبال فيو”، اوراق سياسة 6- 2011،( واشنطن، جلوبال فيو، يونيو 2011)، علي الرابط التالي:
http://www.brookings.edu/research/papers/2011/06/egypt-civil-society
“مخاطر الشعبوية الاقتصادية في الشرق الأوسط”، وكالة بلومبرج، 7 يوليو 2011، تاريخ الوصول للخبر 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.bloomberg.com/news/2011-07-07/perils-of-economic-populism-in-the-mideast-commentary-by-steffen-hertog.html
[32]- وفقاً لخر استطلاع رأي أجراه مركز جالوب،” مصر من التحرير إلي التحول”، انظر هانا علام،” الولايات المتحدة تسجل نتائج سلبية في أول استطلاع حديث حول الرؤي المصرية”، صحيفة ماكلاتشي الأمريكية، 25 ينونيو 2011، تاريخ الوصول للخبر 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.mcclatchydc.com/2011/06/25/v-print/116485/us-fares-poorly-in-first-modern.html
[33]- تقرير حول المستوطنات الإسرائيلية، مؤسسة سلام الشرق الأوسط، تاريخ الوصول للموضوع 10 فبراير 2013، علي الرابطين التاليين:
– http://www.fmep.org/reports/
– http://peacenow.org.il/eng/content/reports
[34]- ستيفين لي مايير، ومارك لاندر” الولايات المتحدة تناشد الفسلطينيين لتعطيل تصويت الأمم المتحدة”، صحيفة النيويورك تايمز، 3 سبتمبر 2011، هنري سيجمان “جنون سبتمبر”، مجلة الفورين فوليسي( قناة الشرق الأوسط)، 15 سبتمبر 2011، تاريخ الوصول للموضوعين 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://mideast.foreignpolicy.com/posts/2011/09/15/september_madness
[35]- هيلين كوبر،” أوباما يقول أن الفسلطينيين يستخدمون إطاراً خاطئاً”، صحيفة نيويورك تايمز، 21 سبتمبر 2011، تاريخ الوصول للموضوع 18 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.nytimes.com/2011/09/22/world/obama-united-nations-speech.html?_r=0
[36]- جوردان مايكل سميث،” شراء النفوذ الإسرائيلي، ومناورة أوباما”، صالون، 20 يناير 2012، تاريخ الوصول للخبر 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.salon.com/2012/01/20/zbig_israelis_bought_influence_and_outmaneuvered_obama/singleton/
[37]- سارة الديب،” الولايات المتحدة تزيد التواصل مع الإخوان المسلمين في مصر”، وكالة اسوشيتد برس”، 11 يناير 2012.
[38]- عبد الله جول،” الثورات تفتقد السلام”، صحيفة نيويورك تايمز، 20 إبريل 2011.
[39]- برنت سكوكروفت،” ليس من الضروري أن يؤجل أوباما التوصل إلي السلام في الشرق الأوسط الجديد”، آتلانتك كونسل، تاريخ الوصول للموضوع 18 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.acus.org/new_atlanticist/obama-must-not-delay-brokering-new-mideast-peace
[40]- جيفيري جولدنبرج،” أوباما: لا تعرف إسرائيل ما هي أفضل مصالحها”، وكالة بلومبرج، 14 يناير 2013، تاريخ الوصول للخبر 18 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.bloomberg.com/news/2013-01-14/what-obama-thinks-israelis-don-t-understand-.html
[41]- حسان كوسيبالان،” السياسة الخارجية التركية: إسلام، قومية، عولمة”،( نيويورك، بيلجارد ماكميلان، 2011).
[42]- دوج سيوندر،” لماذا يشجع الغرب الصعود التركي في صمت”، جلوب وميل، 17 سبتمبر 2011.
[43]- هيو بوب،” السلام العثماني”، فورين بوليسي، المجلد 85، رقم 6، نوفمبر- ديسمبر 2010.
[44]- كوسيبالان، السياسة الخارجية التركية.
[45]- العقوبات الإيرانية: موجزالاتحادالأوروبيعنالأولوية، تاريخ الوصول للموضوع 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://wikileaks.org/cable/2009/04/09BRUSSELS536.html
[46]- القيادة الإيرانية: خطاب أوباما ليس كافياً”، سي إن إن، 21 مارس 2009، تاريخ الوصول للموضوع 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://articles.cnn.com/2009-03-21/ world/iran.us.obama_1_iaea-official-islamic-republic-news-agency-ayatollah-ali-khamenei?_s=PM:WORLD
[47]- باريسا حفظي،” إيران تعلن عن تقدم نووي في وقت تلوح فيه العقوبات”، وكالة رويترز، 1 يناير 2012، تاريخ الوصول للموضوع 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.reuters.com/article/2012/01/01/us-iran-missile-idUSTRE80007E20120101
[48]- فريدزكريا،” تناميدولةالياسالإيرانية”،صحيفةواشنطنبوست، 5 يناير 2012،تاريخالوصولللموضوع 10 فبراير 2013،عليالرابطالتالي:
http://articles.washingtonpost.com/2012-01-04/opinions/35441455_1_oil-exports-latest-sanctions-revolutionary-guards
[49]- مكتب السكرتارية الإعلامية، البيت الأبيض،” ملاحظات الرئيس في مؤتمر سياسة الإيباك”، 4 مارس 2012، تاريخ الوصول للموضوع 10 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.whitehouse.gov/the-press-office/2013/03/04/remarks-vice-president-aipac-policy-conference
[50]- تريتا بارسي،” الدوران المنفرد لحجر النرد: دبلوماسية اوباما مع إيرران”،( نيوهيفن، لندن، جامعة يالا،
[51]- تريتابارسي،” الدورانالمنفرد لحجر النرد.
[52]- تريتا بارسي،” كيف أصبح أوباما معرضاً للخطر من قبل إيران”ن صالون، 31 يناير ، تاريخ الوصول للوصول للموضوع 18 فبراير 2013، علي الرابط التالي:
http://www.salon.com/2012/01/31/how_obama_became_vulnerable_on_iran/ س
[53]-تريتابارسي،” الدوران المنفرد لحجر النرد.
[54]-تريتابارسي،” الدوران المنفرد لحجر النرد.
[55]- جيفري جولدبرج،” أوباما إلي إيران وإسرائيل: بصفتي رئيس الولايات المتحدة، أنا لست مخادعاً”، الأطلسي، 2 مارس 2012.
[56]- طهران: سيُنظر إلى الهجوم على سوريا هجوماً علي إيران”، وكالة رويترز، 26 يناير 2013.
[57]- آرون ديفيد ميلر،” ربيع عربي، شتاء أمريكي”، صحيفة لوس أنجلوس تايمز، 13 نوفمبر 2011.
هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟
تسعدنا مشاركتك ...