محمود درويش والسينمائي الفرنسي «جان لوك غودار»
باريس ـ «القدس العربي»: الحديث عن سينمائيّ بقامة جان لوك غودار لا ينتهي، والحديث عن الإشارات إلى القضيّة الفلسطينية في أفلامه وعن مواقفه الحاسمة، كما يصرّح بها في المقابلات معه، يطول. لذلك سنتجنّب في هذه الأسطر الإشارة إلى هذه وتلك ونكتفي بفيلم واحد له هو «موسيقانا» (2004) الذي يطرح فيه، ككثير من أفلامه السياسيّة، العلاقة بين الاستعمار والاحتلال من جهة، ومقاومتها من جهة أخرى، مخصّصاً القضيّة الفلسطينية كموضوع أساسيّ فيها.
وللتحديد أكثر أقول إنّ ما يهمّ من الفيلم الآن، في الذكرى السابعة لوفاته في 9 آب/أغسطس، هي مشاركة محمود درويش، مشاركته كممثّل، مؤدٍّ لدور محمود درويش الشاعر الفلسطيني في مقابلة تجريها معه ممثّلة لدور صحافيّة من تل أبيب.
بتأدية درويش لدور درويش في الفيلم وفي مقابلة صحافيّة، سيقول ما قاله درويش ذاته في مقابلات أخرى، خارج الفيلم، قد نكون قرأناها أو سمعناها هنا أو هناك (كالإشارة إلى شاعر طروادة)، فما قاله في الفيلم قاله في أماكن أخرى، لكنّ ليس كلّه، أو على الأقل حسب متابعتي لدرويش، نصوصاً ومقابلات. والجديد، أو ما أجده جديداً، في ما قاله درويش في الفيلم هو المحفّز الأساسي لنقله كما هو من الفيلم إلى هنا، من دون أن يعفي ذلك من مشاهدة الفيلم ومشاركة درويش فيه لما يقارب الربع ساعة، في عملٍ لمخرج هو الأهمّ فرنسياً، ومن بين الأهمّ عالمياً، وهو الاسم الأبرز من بين سينمائيّي «الموجة الجديدة» الفرنسية.
أُجريت المقابلة في بهو فندق، درويش والصحافيّة جالسان، الإضاءة لا تشمله، نراه إمّا نصف معتمٍ أو معتما تماماً، من دون أن أحزر إن عاد ذلك لغودار أم لدرويش نفسه، من دون تعليقات أو مقدّمة أطول، هاكم النصّ الذي تبدأه الصحافيّة بالسؤال:
كتبتَ أن الذي يكتب روايته يرث أرض تلك الرواية، تقول بأن لا مكان لهوميروس، بأنّك شاعر طروادة، وأنك تحب المهزومين، أنت تتّحد باليهود!
يجيب: آمل ذلك، فهذا أمر حسن، حسن الصيت في هذه الأيام. لكن الحقيقة لها وجهان. لقد استمعنا إلى الرواية الإغريقية وسمعنا أحيانا صوت الضحية الطروادية على لسان يوروبيدس. أما أنا، فإنني أبحث عن شاعر طروادة لأن طروادة لم ترو حكايتها، وأتساءل هل الشعب أو البلد الذي له شعراء كبار يملك الحق في السيطرة على شعب آخر لا شعراء له؟ وهل غياب الشعر عند شعب يشكل سبباً كافياً لهزيمته؟ هل الشعر إيماء أم هو أحد أدوات السلطة، هل بإمكان شعب أن يكون قوياً من دون أن يكتب شعراً. أنا ابن شعب غير معترف به بما فيه الكفاية حتى الآن. أريد أن أتكلم باسم الغائب باسم شاعر طروادة، فإن الوحي الشعري والمشاعر الإنسانية قد تظهر أكبر في الهزيمة مما هي في النصر. في الخسارة أيضاً شاعرية عميقة وقد تكون هناك شاعرية أعمق في الخسارة، ولو كنت أنتمي إلى معسكر المنتصرين لشاركت في تظاهرات التضامن مع الضحايا. هل تعلمين لماذا نحن الفلسطينيين مشهورون، لأنكم أنتم أعداؤنا. إن الاهتمام بنا نابع من الاهتمام بالمسألة اليهودية، نعم الاهتمام بك وليس بي أنا. إذن نحن قليلو الحظ في أن تكون إسرائيل هي عدوّنا، لأنها تحظى بمؤيدين لا حدّ لهم في العالم، ونحن أيضاً محظوظون بأن تكون إسرائيل عدوّنا لأن اليهود هم مركز اهتمام العالم لذلك ألحقتم بنا الهزيمة وأعطيتمونا الشهرة. لقد ألحقتم بنا الهزيمة ولكن منحتمونا الشهرة.
تعلّق هي: نحن وزير دعايتكم.
يعلّق: نعم أنتم وزارة دعايتنا، لأن العالم يهتم بكم أكثر مما يهتم بنا وليست لدي أي أوهام حول هذا الأمر.
تسأله عن قوله «إن هزمونا في الشعر فهي النهاية».
يجيب وينتهي اللقاء: لا أعتقد بأن هناك نهاية لشعب أو لشعر، لا بد أن خطأ ما قد وقع في هذا الاقتباس. ولكن هناك معنى آخر، هو أنه لا الضحية ولا الهزيمة تُقاس بعبارات عسكرية.
تبتعد الكاميرا، يخرج درويش من إطارها ونسمع صوته: أحمل اللغة المطيعة كالسحابة، إن شعبا بلا شعر هو شعب مهزوم.
سليم البيك
هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟
تسعدنا مشاركتك ...