سارت عكس النزوح عائدة إلى حلب.. زينة أرحيم: أنتمي لهذه البلاد وناسها.. وغارات روسيا تشجع التشدد

 

 

مع استمرار أزمة النازحين السوريين في أوروبا تحدثنا كثيراً عن السوريين الذين هربوا من الحرب في بلادهم. ولكن كم تحتاج من الشجاعة والتصميم لتسير في الاتجاه المعاكس؟  هذا بالضبط ما فعلته الصحفية زينة ارحيم، التي عادت إلى حلب من لندن، لتدرب مئات الصحفيين في بلادها. وحازت مؤخراً على جائزة بيتر ماكلر للشجاعة والنزاهة الصحفية تقديراً لجهودها.

وللحديث عن هذه الجهود تنضم إلينا الآن  من غازيانتيب في تركيا. أهلاً بك زينة ارحيم في برنامجنا.

شكراً.

زينة في الوقت الذي يغادر فيه العديد من الناس، ومنهم أشخاص مثقفون ومهمون سوريا، أنت قررت العودة من لندن إلى حلب، لماذا اتخذت هذا القرار؟

حسناً أنا أنتمي إلى هذه البلاد، صحيح أنها تمر بحالة صعبة الآن، ولكني أنتمي إليها وإلى ناسها الذين ثاروا بوجه النظام عام 2011 مطالبين بحقوقهم الأساسية. أنا أنتمي لهؤلاء الرواد الذين طالبوا بالحرية والديمقراطية وبمجتمع خال من الاستبداد. ومن هنا شعرت بالمسؤولية وبوجوب تقديم المساعدة. وبما أني صحفية وتسنت لي فرصة دراسة الماجستير في لندن، شعرت أنني أستطيع أن أساعد الصحفيين المحليين الذين يعملون في وضعية مثالية ليجعلوا كلمتهم تنتشر.

لماذا كان مهماً بالنسبة إليك تنمية هذه القدرات عند هؤلاء، وكيف تعتقدين أن ذلك ساعدهم في توثيق ما يجري على الأرض؟

طوال السنوات الأربع الماضية، كنت أحاول بنفسي الكلام أكثر عن الحياة. فهناك الكثير من الكلام حول داعش والنظام والقصف، والآن عن القوات الجوية العالمية التي دخلت أجواءنا، ولكن الغائب الأكبر في الأخبار هو الحياة اليومية التي لا تزال مستمرة، ليس فقط في حلب، بل أيضاً في إدلب وغيرها من المناطق المستهدفة بشكل يومي. ما زال الناس يحاولون أن يستمروا، ما زالوا يحبون، ويرسلون أولادهم إلى المدارس، مع أن المدارس اليوم أصبحت ملاجئ وكذلك المستشفيات الميدانية، ولكن الناس مازالوا يناضلون من أجل الحياة وهذا ما أحاول أن أسلط عليه الضوء من خلال هذه الصور الأساسية جداً والقصص التي أحاول أن أكتبها، وأشجع الصحفيين المواطنين على كتابتها. مثل المقبرة التي تحولت إلى باحة للعب، إنه أمر غريب أن ترى الأطفال يلعبون حول القبور، حيث وضعوا أراجيح ومزالق، إنه نوع من تصميمهم الخاص على الاستمرار، وهذا ما أرغب فعلاً أن يصل إلى وسائل الإعلام وإلى العالم.

كيف هي الحياة لهؤلاء الناس؟ ما هو عددهم في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب؟ فالمعلومات التي تصل من هناك قليلة بالفعل.

بداية هناك مئات الآلاف من المدنيين الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، وهم مستمرون في حياتهم رغم القصف، ما زالوا يذهبون إلى المدارس، ويقصدون المتاجر، ولكن الأمور اختلفت نوعاً ما. فعلى سبيل المثال  سألت أم مضر وهي مديرة في المدرسة، كيف تخفف من خوف أولادها جراء القصف، فقالت إنها تعطيهم حبوباً منومة حتى لا يخافوا ولكي تبقيهم قربها فتتمكن من حملهم والهرب في حال حصول شيء ما، أما أم محمود، فأخبرتني أنها توقفت عن إرسال أولادها إلى المدرسة لكي لا يتعرضوا هم أو هي للقصف ويموتون متفرقين، فهي لا تحاول منع الموت ولكنها ترغب فقط أن يموتوا معاً. إنه أمر مخيف! ولكنهم ما زالوا هناك وما زالوا يحاولون أن يعيشوا.

كيف تظنين أن هذا العنف الذي تشهدينه والذي يشهده الآخرون، كيف تظنين أنه غيركم من الناحية النفسية.؟ ما هو التأثير الذي قد تسببه الحياة في محيط كهذا؟

أعتقد أننا كلنا نسير نحو الجنون ب طريقة أو بأخرى جراء البقاء هناك وتحمل هذا النوع من الحياة. ولكن من ناحية أخرى، ولأن الموت حاضر في كل لحظة قربك،  فإنك تتعلم كيف تقدر كل لحظة تعيشها لأنها قد تكون الأخيرة. فنحن بشكل ما نستمتع بهذه اللحظات في الحياة ولا نؤجلها لأننا لا نملك ترف المستقبل أو الغد.

ولكنكم تلتفتون  دون شك للصورة السياسية العالمية الأكبر. ماذا تشعرين تجاه الوضع الحالي في سوريا مع الدور الجديد الذي تلعبه روسيا ومع الانتصارات التي يحققها نظام الأسد كما يبدو في بعض أجزاء البلاد، كيف ترون هذا الوضع؟

ما أراه على الأرض أن الإهمال والسماح للنظام بقتل الناس بأساليب مختلفة، هو الذي خلق وحش داعش والتطرف، وحين استجاب المجتمع الدولي أخيراً لنداء الناس طلباً للتدخل، بدأ بقصف داعش والنصرة، تاركاً كل الآخرين كالشيعة والجهاديين والميليشيات والأجانب الذين يقاتلون إلى جانب النظام، مثل أبو الفضل العباس وحزب الله. وهذا كان بمثابة رسالة مفتوحة  لكل أولئك المهتمين بالانضمام إلى داعش، والآن مع التدخل الروسي، أعتقد أنهم يعطون المبررات لكل مسلم سوري معتدل أن يصبح متطرفاً وينضم إلى داعش.

أين يمكن أن ينتهي كل ذلك؟ لأن واحداً من الأمور التي تناولناها جميعاً أزمة اللاجئين القائمة حالياً، والعديد من السوريين الذين تحدثنا إليهم يقولون إنهم لا يؤمنون بوجود سوريا بعد الآن ، يعتقدون أن الطبقة الوسطى تغادر، وأن البلاد تنهار، متى وكيف يمكن أن ينتهي ذلك؟

مع كل هذه التدخلات وكل هذه القوات الجوية التي تقصف المدنيين بشكل أساسي، ومع التدخل الروسي حالياً فإن داعش تتقدم في المنطقة، وبالتالي فإن المدنيين والمعتدلين أصبحوا عالقين، وصار الخيار الوحيد لديهم خاصة بالنسبة للعائلات، إما البقاء في سوريا أو الهرب إلى اوروبا.

معظم اللاجئين الذين أعرفهم يهاجرون في الواقع ليس من داخل سوريا وإنما من البلدان المجاورة. فهم لا يهربون من الحرب وإنما باتجاه الحياة لأنهم توقفوا عن رؤية ضوء في آخر النفق. أعتقد أن المجتمع الدولي يدفع السوريين اليوم إلى أخد هذه الخيارات، الانضمام إلى داعش، الموت قتلاً، أو الهجرة.

ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لمستقبل سوريا؟

 –من الصعب جداً قول ذلك، لا أعرف.

المصدر: سي ان ان

42 مشاهدة
0 ردود

هل ترغب بالتعليق على هذا الموضوع ؟

تسعدنا مشاركتك ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *